- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3855
الحد من التدخل الخارجي في حرب السودان
تواجه الجهود الدبلوماسية لحل الصراع في السودان تحديات من شركاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء، ومن بينها الجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط.
على مدى الأسابيع القليلة الماضية، اتخذت الحكومة الأمريكية عدة خطوات بارزة لإخماد الحرب الأهلية المستعرة في السودان. ففي 26 شباط/فبراير، عيّنت وزارة الخارجية الأمريكية مبعوثاً خاصاً جديداً، هو توم بيرييلو، من أجل "تعزيز جهودنا لإنهاء الأعمال العدائية وتأمين وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق". وقام بيرييلو بعد ذلك بزيارة أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث اجتمع مع "الشركاء الرئيسيين لتوحيد الجهود بهدف إنهاء الصراع... المدمر". وفي 26 آذار/مارس، قال بيرييلو للصحفيين إنه يعمل على استئناف محادثات السلام في جدة في 18 نيسان/أبريل، وستشارك في رئاستها الولايات المتحدة والسعودية.
للأسف، تتسبب عدة جهات فاعلة إقليمية وعالمية بتقويض هذه الجهود الرامية إلى التوسط في الصراع. وسيكون فهم هذه التعقيدات أساسياً لمعالجة أحد أكثر جوانب الحرب ضرراً وهو الإمداد الأجنبي المستمر بالأسلحة وأشكال الدعم الأخرى للطرفين. ففي خطابٍ ألقي في 6 آذار/مارس بمناسبة نشر تقريرٍ أعدّه فريق خبراء الأمم المتحدة، وصفت السفيرة الأمريكية في المنظمة الدولية ليندا توماس-غرينفيلد بالتفاصيل كيف أن "أوجه الموت والدمار والفساد والانحراف التي اتسم بها هذا الصراع... تؤججها عمليات نقل الأسلحة من عدد من القوى الإقليمية، وأن هذه العمليات يجب أن تتوقف". وعلى نحوٍ مماثلٍ، أشار أحدث "تقييم سنوي للتهديدات" صادر عن "مجتمع المخابرات الأمريكية" إلى أن "قوات الأمن المتحاربة في السودان ربما تتلقى المزيد من الدعم العسكري الأجنبي، الأمر الذي سيعيق على الأرجح إحراز تقدم في أي محادثات سلام مستقبلية. وقد يدفع أي تدخل متزايد من قِبَل أي جهة خارجية الآخرين إلى أن يحذوا حذوها بسرعة".
الطرفان
منذ نيسان/أبريل 2023، تم تحريض قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان على مقاتلة محمد حمدان "حميدتي" دقلو و"قوات الدعم السريع" التابعة له. وكان الجنرالان حليفين سابقاً في الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد انقلاب عام 2021 الذي حدث بعد فترة وجيزة من انقلابٍ آخر أطاح بعمر البشير، الدكتاتور ذي الميول الإسلامية الذي حكم البلاد لمدة ثلاثة عقود.
لقد أظهر الجيش بعض التردد في إنهاء حكم البشير في عام 2019، وما زال يتعاطف كثيراً مع الإسلاميين حالياً بسبب النفوذ العميق لجماعة "الإخوان المسلمين" في البلاد. ولعب المفكر الإسلامي حسن الترابي دوراً مهماً في انقلاب عام 1989 الذي أوصل البشير إلى السلطة، وكذلك في الحكومة العسكرية اللاحقة التي آوت أسامة بن لادن.
إن الدوافع الأيديولوجية لا تعني حميدتي بقدر ما يعنيه التمتع ببهارج السلطة. وبناءً على ذلك، كان أكثر استعداداً لاستيعاب مجموعة متنوعة من المؤيدين مقابل الحصول على حصة من الغنائم والمساعدات العسكرية.
وعلى مدار الحرب أفادت التقارير أن الجيش تراجع أمام "قوات الدعم السريع" في منطقة دارفور الغربية والجنوب. كما تفلت قبضة البرهان إلى حدٍ ما في الخرطوم أيضاً؛ وهو يمارس قيادته حالياً من مقره في بورتسودان.
ويملك الطرفان سجلاً فظيعاً في مجال حقوق الإنسان حيث يستهدفان المدنيين عمداً في جهودهما للاستيلاء على الأراضي. وقد لعبت "قوات الدعم السريع" دوراً أكبر في الإبادة الجماعية التي دمرت دارفور بين عامَي 2003 و2005، واستأنفت مؤخراً تنفيذ فظائع مماثلة. كما تمت إدانتها على نطاقٍ واسعٍ بسبب أعمال النهب والمذابح في المناطق الأخرى التي استولت عليها. وعلى نحوٍ مماثلٍ، قصفت القوات الجوية التابعة للبرهانٍ المناطق المدنية بشكل متكررٍ.
مسارات دبلوماسية متعددة
أصبحت "الهيئة الحكومية للتنمية" ("إيقاد") في شرق أفريقيا المنظمة الرائدة التي تسعى إلى تحقيق المصالحة بين الجيش و"قوات الدعم السريع". وفرضت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات منفصلة على الكيانات التي تزود الطرفين بالأسلحة. لكن واشنطن تدعم أيضاً جهود التفاوض التي تقودها السعودية، بينما استضافت المملكة المحادثات في جدة في تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2023.
وحافظت السعودية ومصر على دعم دبلوماسي رسمي للفريق الأول البرهان كقائد للحكومة السودانية. وهذا الموقف منطقي بالنسبة إليهما لأن قوات البرهان تسيطر على ساحل البحر الأحمر.
في آب/أغسطس الماضي، عقد البرهان سلسلة من الاجتماعات مع القادة الأجانب في السودان وكذلك خلال رحلة قام بها إلى "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، سعياً للحصول على الدعم من مصر وجنوب السودان وقطر وإريتريا وتركيا وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى وجزر القمر وأوكرانيا. وبعد ثلاثة أشهر، حذا حميدتي حذوه وقام بجولة في عدة دول على متن طائرة إماراتية، زار خلالها جنوب أفريقيا وغانا وكينيا وأوغندا وجيبوتي ورواندا وإثيوبيا. وشملت الوجهة الأخيرة لقاءً مع عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء المؤقت السابق في الحكومة الانتقالية السودانية.
ما الذي تقوم به إيران وروسيا والإمارات وأوكرانيا هناك؟
بدأ التقارب الإيراني مع السودان في تموز/يوليو الماضي بعد خلافٍ دام سبع سنوات، وتم إضفاء الطابع الرسمي عليه في شباط/فبراير عندما سافر علي الصادق، وزير الخارجية المكلف في حكومة البرهان، إلى طهران. ولا يتضح سبب هذا التقارب المفاجئ، لكن الأمر قد يتعلق باستغلال الإيرانيين لفرصة في منطقةٍ لطالما كانت لهم مصلحة فيها، لا سيما بعد ظهور أدلة على الدعم الإماراتي لـ"قوات الدعم السريع" (انظر أدناه). ومهما كان السبب، سيكون لهذا التقارب تداعيات على مصالح إيران في منطقة البحر الأحمر، حيث كانت قواتها البحرية تنشر الأساطيل الصغيرة بانتظام منذ عام 2008. وتنفي حكومة البرهان أنها منحت السفن الحربية الإيرانية حق الدخول إلى بورتسودان، لكن لن يتفاجأ أحد إذا بدأت عمليات الرسو تحدث بانتظام في المستقبل القريب. (ومن الجدير بالذكر أن روسيا كانت تتودد لسنوات إلى عدة مسؤولين بشأن حقوق إقامة القواعد في بورتسودان، من بينهم حميدتي خصم البرهان؛ أنظر أدناه لمعرفة المزيد عن حسابات موسكو).
وحتى الآن، شمل الدعم العسكري الإيراني تزويد قوات البرهان بطائرات مسيّرة من طراز "مهاجر-6"، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية عدداً منها ومحطة تحكّم أرضية مرتبطة بها في قاعدة "وادي سيدنا" الجوية شمال الخرطوم في 6 كانون الثاني/يناير. وتتمتع طائرة "مهاجر-6" بالقدرة على التحويم لفترة طويلة، ويصل مدى طيرانها إلى 500 كيلومتر، كما تحمل أسلحة مواجهة تعيق استهدافها بفعالية من خلال التدابير المضادة الإلكترونية المحلية (ورغم ذلك أسقطت "قوات الدعم السريع" واحدة على الأقل من هذه الطائرات المسيّرة فوق الخرطوم بواسطة صاروخ محمول على الكتف).
ومن جهتها، نفت الإمارات انخراطها العسكري على الأرض في السودان، وشددت على أن تواجدها في المنطقة له دوافع إنسانية بحتة. لكن في أيار/مايو وحزيران/يونيو 2023، أحصت شبكة إقليمية لمراقبة الطائرات 69 رحلة قامت بها طائرات من طراز "إي أل-76" (Il-76) ذات الحمولة الثقيلة بين المطارات العسكرية في الإمارات وأمجاراس، وهي مدينة في جنوب شرق تشاد ومتاخمة لدارفور. وفي 13 آب/أغسطس، أكدت وزارة الخارجية الإماراتية أن الغرض الوحيد من هذه الرحلات هو نقل مستشفى تابع لجمعية "الهلال الأحمر الإماراتي" إلى أمجاراس، إلا أن صور المستشفى عبر الأقمار الصناعية من مصادر متعددة تشير إلى أنه كان من الممكن نقله في خمس رحلات أو أقل. وبحلول كانون الثاني/يناير، ارتفع عدد هذه الرحلات إلى 122. وفي الشهر نفسه، كشفت وثيقة مسرَّبة لـ "الأمم المتحدة" عن أدلة "موثوقة" على أن الإمارات تسلّح "قوات الدعم السريع"، مما دفع أبوظبي إلى النفي مجدداً.
أما بالنسبة لانخراط موسكو، فقد شوهدت صواريخ مضادة للدبابات من طراز "كورنيت أيه تي-14" وأسلحة روسية أخرى في أيدي "قوات الدعم السريع". ولطالما استخدم الكرملين مجموعة "فاغنر" للتواجد فعلياً في أفريقيا، حيث يوفر الحماية لمشاريع استخراج المعادن، ويأخذ حصة من الأرباح، ويرسل قوات مكافحة التمرد إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ومالي ودول أخرى. ولوحظ بوضوح تواجد مجموعة "فاغنر" والمنظمة التي خلفتها، "الفيلق الأفريقي"، إلى جانب "قوات الدعم السريع" بشكل خاص. وفي الواقع، يبدو أن قوات حميدتي أقامت تحالفاً غير رسمي مع موسكو.
وأفادت التقارير أيضاً بأن مجموعة "فاغنر" استخدمت الشبكات التجارية الإماراتية لتمويل أنشطتها في السودان وعبر أفريقيا، حيث باعت الذهب والماس في سوق السلع الإماراتية، وسحبت الفائض إلى النظام المالي العالمي عبر المصارف الإماراتية. وقد كافحت وزارة الخزانة الأمريكية لقمع هذا النشاط الذي يحقق منفعة كبيرة لموسكو من خلال تعزيز نفوذها غير المتناسب في أفريقيا، وتمكين الأوليغارك الخاضعين للعقوبات من الوصول إلى الأموال السائلة. حتى إن روسيا قد تكسب المزيد إذا فازت "قوات الدعم السريع" بالحرب، أي أنها قد تحقق سعيها إلى إنشاء قاعدة بحرية طال انتظارها في بورتسودان. وفي الوقت عينه، تساعد الأموال التي تمر عبر الإمارات "قوات الدعم السريع" على شراء المعدات العسكرية التي تمنحها مزايا تكتيكية في الحرب الداخلية.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح إلى أي مدى سمحت القيادة الإماراتية عن سابق معرفة بتنفيذ هذه الأنشطة المالية (إن وجدت)، تتعدد المصالح التي تدفع أبوظبي إلى دعم "قوات الدعم السريع"، وربما حتى إلى تقبّل رفاق تلك المجموعة من "فاغنر". وإلى جانب الفوائد التجارية الناتجة من الاستفادة من تجارة المعادن الأفريقية، يمكن لأي جهود مبذولة لدعم حميدتي أن تساعد الإمارات على تطوير شبكاتها في أفريقيا، وعلى مواصلة حربها الطويلة الأمد ضد نفوذ "الإخوان المسلمين". حتى إن "قوات الدعم السريع" زودت الإمارات بالقوى البشرية عندما طلبت ذلك في ذروة الحرب الأهلية في اليمن المجاور. وإذا فاز حميدتي في السودان، ستحصل أبوظبي على وكيل مدين لها في منطقة البحر الأحمر.
بالإضافة إلى هذه الجهات الأجنبية الرئيسية الثلاث في السودان، أفادت التقارير بأن أوكرانيا انضمت إلى المعركة في الأشهر الأخيرة، منتهزةً الفرصة لمهاجمة المصالح الروسية. وفي 6 آذار/مارس، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تفاصيل عن مدى انخراط كييف الذي يُعتبَر محدود النطاق، لكنه يؤكد أن قوات موسكو تشكل هدفاً أينما وُجِدت.
ولا يساعد أيٌ من هذه التدخلات الخارجية الولايات المتحدة وشركاءها الغربيين على تحقيق هدفهم المعلَن في السودان وهو التوصل إلى السلام عن طريق التفاوض، أو على الأقل وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض. فإذا كان المبعوث الخاص بيرييلو والمسؤولون الآخرون يأملون في حل هذه المشكلة والبدء بإجراء محادثات قابلة للاستمرار، سيحتاجون إلى إيلاء اهتمام وثيق لكيفية مساهمة هذه الجهات الفاعلة في تأجيج الوضع واستفادتها منه:
- الإمارات العربية المتحدة: قد يكون من المناسب فرض المزيد من العقوبات ورفع مستوى التواصل العام والخاص مع المسؤولين الإماراتيين، إذا استمر الدعم الإماراتي لـ"قوات الدعم السريع" وفقاً لبعض التقارير. ومن المفترض أن تتجاوز أي عقوبات إضافية الجهود الحالية التي تبذلها وزارة الخزانة الأمريكية، والتي تستهدف البيئة الإماراتية المتساهلة مع الشبكات المالية المرتبطة بمجموعة "فاغنر".
- المملكة العربية السعودية ومصر: ينبغي تشجيع الدولتين على مواصلة دعمهما لعملية التوصل إلى تسوية للحرب عن طريق التفاوض. وبصفتهما دولتان مجاورتان ومن أبرز الجهات الفاعلة الإقليمية، يمكنهما التركيز بقوة على نقطتين دبلوماسيتين مهمتين في محادثات التسوية وهما عدم حظوة البرهان أو "قوات الدعم السريع" بدعم شعبي، وأن العودة إلى شكلٍ من أشكال الحكم المدني فقط هي التي ستوفر على الأرجح الاستقرار والأمن في المنطقة على المدى الطويل.
وإذا لم يتم اتخاذ هذه التدابير لتشجيع عملية التسوية والحد من التدخل الخارجي، فإن السودان "قد يتحول مجدداً إلى بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية"، كما أشار "التقييم الأمريكي السنوي للتهديدات".
جوناثان كامبل جيمس خدم سابقاً في لبنان والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والعراق مع "فيلق المخابرات التابع للجيش البريطاني". ويدير حالياً شركة استشارية تركز على المخاطر السياسية والعناية الواجبة في منطقة الخليج.