- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
القاهرة وإعادة صياغة المشهد الفلسطيني
8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017
منذ وصول الإخوان المسلمين لحكم مصر في صيف 2012، والعلاقات المصرية الحمساوية تطورت بشكل ملحوظ، لتتجاوز التنسيق الأمني من خلال جهاز المخابرات العامة المصرية، ليشمل تنسيق على مستوى القيادات السياسية بين محمد مرسي وإسماعيل هنيه. متانة العلاقة بين مصر وحماس انعكست على قرار القاهرة، خلال العملية الإسرائيلية على قطاع غزة في 2012، بسحب السفير المصري من إسرائيل، وإرسال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل للقطاع خلال الحرب للإعراب عن دعم نظام الإخوان المسلمين في مصر لحماس خلال الحرب الإسرائيلية. بعد تدخل المؤسسة العسكرية المصرية، بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، لإزاحة الرئيس محمد مرسي وتنظيم الإخوان المسلمين عن حكم مصر، والعلاقات المصرية الحمساوية تدهورت بشكل كبير. تصاعدت نبرة الإعلام الرسمي المصري ضد حماس، لدرجة اتهام حماس بدعم الإرهاب والمشاركة في دعم التمرد الإسلامي المسلح في شمال سيناء، واستصدار قرار من القضاء المصري باعتبار حماس منظمة إرهابية.
أدى حجم العداء الداخلي المصري لحماس، إلى تحدى دور القاهرة كمفاوض رئيسي في الملف الفلسطيني ولاسيما المصالحة بين فتح وحماس، والمفاوضات بين إسرائيل وحماس. رؤية القاهرة الإقليمية أصبحت تتعامل مع الإسلام السياسي وتنظيماته باعتباره خطر وجودي على مصر واستقرار نظام حكمها.
في صيف ٢٠١٤ وبعد مرور السنة الأولى من إزاحة محمد مرسي والإخوان المسلمين عن حكم القاهرة، شهدت علاقات مصر بحماس منحنى آخر، وهو استضافة القاهرة لمفاوضات وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال عملية الجرف الصامد، حيث دعت مصر إلى وقف إطلاق النار الذي رفضته حماس، لكن قبلته بعد ذلك بفترة وجيزة.
دعمت إسرائيل والسعودية والإمارات والسلطة الفلسطينية دور مصر التفاوضي في محادثات وقف إطلاق النار، وذلك بعد محاولات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمر باريس بحضور قطر وتركيا، لإيجاد إطار لوقف إطلاق النار يستثني دور القاهرة. حصلت القاهرة على عدد من المكاسب، أولها إعادة التأكيد على دورها الفاعل في الملف الفلسطيني، بعد مرحلة عدم الاستقرار التي أعقبت إزاحة الإخوان المسلمين. استفادت القاهرة أيضا من تسليم الجانب الفلسطيني من معبر رفح إلى ممثلين للسلطة الفلسطينية في رام الله، إلى جانب الاستفادة الفورية من تدمير إسرائيل للعديد من الأنفاق بين القطاع وسيناء، بما يطيح بآمال حماس في استبعاد القاهرة من إدارة الملف الفلسطيني كالعادة.
في ٢٠١٥ شهدت علاقات مصر بحماس تطور إيجابيي بإيقاف حكم القضاء المصري باعتبار حماس منظمة إرهابية، والبدء في استضافة شخصيات قيادية من حماس للحديث مع قيادات المخابرات العامة المصرية. الأجندة الرئيسية لتلك اللقاءات متمحورة حول التنسيق الأمني في سيناء ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتأكيد على عدم استخدام غزة كمحطة انتقال لمقاتلي تنظيم " داعش"، إلى جانب توقيف التصعيد الإعلامي ضد حماس، والتعامل مع حماس بشكل منفصل عن التنظيم الأم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. قامت حماس بالفعل بإدانة الاغتيالات السياسية في مصر (تم اتهام حماس بالضلوع في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات)، وإزالة صوره محمد مرسي من وسط غزة واستبدالها بـ لافتة كبيرة تحمل "المقاومة لا توجه سلاحها للخارج".
تحت وطأة تزايد الهجمات الإرهابية في شمال سيناء على قوات الجيش والشرطة المصرية، بدأت المخابرات المصرية في استعادة زمام الأمور في علاقات مصر بحماس، والعمل على التقارب بين وزير الأمن الوقائي السابق محمد دحلان وحركة حماس. شهدت العلاقات المصرية الحمساوية تطور على الصعيد الأمني ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (ولاية سيناء). في ديسمبر ٢٠١٦ شنت مصر حملة أمنية على المدن الواقعة بين العريش والشيخ زويد. على الجانب الأخر من سيناء، قطاع غزة، قام تنظيم الدولة الإسلامية بإعلان حصار على قطاع غزة لمنع التهريب من خلال الأنفاق الغير شرعيه. أعقب ذلك اعتقال حماس مبعوث تنظيم ولاية سيناء لقطاع غزة "محمد ارميلات". تصاعدت الأمور بين حماس وولاية سيناء، وهاجم زعيم التنظيم "أبو هاجر الهاشمي" حماس واتهامها باعتقال عناصر تنظيم ولاية سيناء. في مقابل تصعيد حماس ضد تنظيم ولاية سيناء، سمحت مصر بإدخال عدد ضخم من عربيات الدفع الرباعي وإتاحة حرية الحركة عبر معبر رفح البري لثلاث أيام خلال شهر ديسمبر. التخوف من التمدد الجهادي داخل قطاع غزة، دفع حماس للتنسيق الأمني مع مصر للتحجيم من دور تنظيم ولاية سيناء. أعلنت مصر في فبراير هذا العام، رعايتها لتفاهمات بين محمد دحلان وحركة حماس، عندما فتحت مصر معبر رفح لحضور عناصر موالية لمحمد دحلان مؤتمره الأول في القاهرة تحت عنوان " مؤتمر الشباب الأول".
في خلال الشهور التالية لمؤتمر محمد دحلان في القاهرة، قامت حركة حماس بإحداث تغيرات رئيسية في بنيتها من خلال إصدار وثيقة مراجعات للحركة الإسلامية. شملت مراجعات حماس إيمانها بإقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ دون الاعتراف بإسرائيل، إلى جانب إزالة أي إشارة لجذور حركة حماس المتمثلة في الحركة الأم الإخوان المسلمين في مصر. تحدث خالد مشعل في قطر عن توجه حماس الجديد قائلا “حماس اختارت نهجا جديدا وهو التطور والمرونة دون الإخلال بالثوابت والحقوق”.
أعقبت تلك المراجعات تغيرات في القيادات العليا لحركة حماس لتشمل انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي للحركة خلفا لخالد مشعل، وانتخاب يحي السنوار قائدا عاما لحركة حماس في قطاع غزة.
بعد لقاءات متعددة بين المخابرات المصرية وقيادات من حماس، للتوصل لاتفاق شامل بحل اللجنة الإدارية العليا في قطاع غزة وتسليم حكومة الوفاق الفلسطيني بقيادة رامي الحمد لله لإدارة شؤون القطاع بعد ١١ سنة من انقلاب حماس. دخول خالد فوزي رئيس المخابرات المصرية مع وفد السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وإعلان المصالحة الفلسطينية بشكل رسمي. الشكل الاحتفالي الضخم بدور المخابرات المصرية، كان غايته الرئيسية التأكيد على دور مصر في إدارة الملف الفلسطيني وإنجاح ملف المصالحة الفلسطينية المتعثر بعد سنين من تزايد الدور القطري والتركي الداعم لحماس في مواجهة مصر والسلطة الفلسطينية في رام الله. تتجلى الرغبة المصرية في إظهارها بمظهر المنتصر في الملف الفلسطيني من خلال حديث إسماعيل هنية عن دور مصر في الشرق الأوسط، مع الإعلامي المصري عمرو أديب، قائلا "مصر مايسترو المنطقة."
المعوقات الكبرى لإنجاح ملف المصالحة الفلسطينية تتمثل في تعامل الأطراف الإقليمية والمحلية مع سلاح حماس، في ظل ضغط إقليمي ولا سيما أمارتي لنزع سلاح حماس، من اجل إتمام ملف المصالحة، وعزز ذلك الضغط تصريح محمود عباس عن نزع سلاح حماس، وهو ما تعتبره القاهرة--على لسان خالد فوزي رئيس المخابرات المصرية-- إخلالا بأجندة المصالحة، وهو بالتأكيد أمر غير مطروح للنقاش من جانب حماس. أما العوامل الإيجابية التي تعتمد عليها القاهرة لإنجاح ملف المصالحة الفلسطينية، هو تراجع دور القوتين الإقليميتين (قطر، تركيا) في الملف الفلسطيني. قطر أصبحت منشغلة بالحصار الخليجي المصري، ومحاولات تغيير نظام حكمها، وانهيار تنظيم الإخوان المسلمين الذي قامت برعايته منذ التسعينات. تلك الأسباب قلصت من تأثير قطر علي حماس. أما بالنسبة لتركيا، فلا يوجد توجه مضاد لرعاية القاهرة للمصالحة الفلسطينية، وذلك لتقاربهم الحالي مع روسيا وتنسيقها معها في الملف السوري والكردي. روسيا تدعم رعاية القاهرة للمصالحة الفلسطينية للتقليل من تأثير تركيا علي حماس، وهو ما يدعم وضع روسيا الجديد في الشرق الأوسط كقوة عظمى توازن بين القوى الإقليمية المتصارعة.
تتشابه استراتيجية نظام السيسي في ٢٠١٧ مع استراتيجية نظام مبارك في ثمانينات القرن الماضي، من خلال تغيير تركيبة الفصائل الفلسطينية من أجل الدخول في تسوية القضية الفلسطينية مع الإسرائيلي. بالتأكيد، نجح مبارك في احتواء منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وإدخاله في مسار التسوية من خلال اتفاقية اوسلو، وقبوله بتكوين سلطة حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزه. لا يزال أمام السيسي العديد من العقبات لكي يحتوي حماس كما يحتوي مبارك فتح، وأهمها التكوين الإسلامي الجهادي لحماس وارتباطها وثيق الصلة بأطراف إقليمية (قطر، تركيا، إيران) ترفض زعزعة الملف الفلسطيني في اتجاه تسوية ترعاها القاهرة.