- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
تعليق محمد عبد العزيز على مقال عبد الحميد حكيم بعنوان "من يملك مفاتيح السلام مع إسرائيل؟"
في مقاله الأخير حول ولى العهد السعودي محمد بن سلمان وإسرائيل، حاول الكاتب السعودي والمدير العام لمركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية في جدة عبد الحميد حكيم، غسل يديْ السعودية من التاريخ الطويل من الكراهية مع إسرائيل. وبدلًا من ذلك، حمّل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وجماعة "الإخوان المسلمين" مسؤولية زرع بذور هذه العدائية وحضّ دول عربية أخرى، على غرار السعودية، على اعتماد نهج عدائي إزاء إسرائيل. في الواقع، إن الكاتب محق جزئيًا في أن عبد الناصر وإيديولوجية العروبة التي انتهجها لعبا دورًا مهمًا في تأجيج الكراهية ضد إسرائيل، لكن الادعاء بأن السعودية سارت وراء الناصر بشكل أعمى غير دقيق تاريخيًا.
فعدائية السعودية تجاه إسرائيل تعود إلى ما قبل حقبة عبد الناصر، وقد برزت على وجه الخصوص خلال إعلان دولة إسرائيل في 1948 وقد اتخذ الملك عبد العزيز آل سعود موقفًا متشددًا للغاية ضدّ إسرائيل وأرسل الأموال والأسلحة والجنود للمحاربة إلى جانب الفلسطينيين والجيوش العربية. كما أرسل الجيش السعودي بعض الوحدات العسكرية ليحارب إلى جانب نظيره الأردني خلال حرب 1967، وموّل دولًا كانت منخرطة بشكل مباشر في حرب مع إسرائيل.
فضلًا عن ذلك، خلال ستينيات القرن الماضي، شاركت كل من مصر والسعودية في حرب إيديولوجية شرسة دعمت خلالها المملكة وروّجت للنظام الملكي المطلق والحكم الديني الإسلامي مقابل خطاب العروبة العلماني الذي أطلقه عبد الناصر. وقد تصاعدت حدة هذا النزاع الإيديولوجي ليتحوّل إلى حرب أهلية في اليمن حيث تدخل الجيش المصري لإنقاذ الأجنحة التقدمية في وجه الأجنحة الملكية المدعومة والممولة مباشرة من السعودية. وبالتالي، من غير المنطقي الادعاء بأنه كان لعبد الناصر تأثير كبير على المملكة في ما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل.
بالإضافة إلى ذك، خلال الحرب العربية-الإسرائيلية في 1973 وتحت قيادة السعودية، فرضت "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) حظرًا على الولايات المتحدة ردًا على قرارها بإعادة إمداد الجيش الإسرائيلي. وامتدّ الحظر أيضًا ليطال دولًا أظهرت تعاطفًا مع إسرائيل، بما فيها هولندا والبرتغال وجنوب أفريقيا. والأهم من ذلك، وخلال حقبة السادات، عارضت السعودية بشدة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل واعتبرت السادات خائنًا للعالم العربي، ما أدّى في نهاية المطاف إلى إقصاء مصر من "جامعة الدول العربية". وعلى الرغم من أهمية "مبادرة السلام العربية" التي تبنتها السعودية منذ عام 2002، إلا أنها ليست الخطوة الأكثر جرأة منذ ولادة الصراع العربي- الإسرائيلي، خاصة إذا ما قورنت بزيارة السادات للقدس.
صدّرت الأنظمة السعودية اللاحقة الإيديولوجية الإسلامية الوهابية، المعروفة بعدائيتها وكراهيتها لإسرائيل. في هذا السياق، للسعودية تاريخ طويل في دعم "الإخوان المسلمين" وغيرها من الجماعات السلفية التي تكنّ عداء كبيرًا لإسرائيل، وذلك على الرغم من أنها لم تسمح لمثل هذه الحركات أو المجموعات السعودية المماثلة بفتح فروع لها في المملكة. وحين تمّ حلّ الجماعة عام 1948، تلقى البنا دعوة للانتقال إلى السعودية، لكنه اغتيل بعيْد ذلك بفترة في شباط/فبراير من العام 1949. ومع ذلك، تواصلت العلاقة بين السعودية و"الإخوان المسلمين" وسمحت لهم المملكة بعقد اجتماعاتهم خلال موسم الحج من أجل اختيار المرشد الأعلى الجديد. وبعد حملة عبد الناصر القمعية لجماعة "الإخوان المسلمين" في أعقاب محاولة اغتياله الفاشلة عام 1954، أصبحت المملكة الملاذ الأول لقادة جماعة "الإخوان المسلمين" وكوادرها الذين فروا من اضطهاد النظام الناصري.
كذلك، شكّلت جماعة "الإخوان المسلمين" جزءًا أساسيًا من الصراع الإيديولوجي بين الأنظمة الملكية المحافظة والأنظمة التقدمية بقيادة عبد الناصر. وفى حقبة الستينات، تدخلت المملكة لوقف إعدام القائد الجديد الإخوان سيد قطب، لكن مسعاها باء بالفشل. فضلًا عن ذلك، حين شهدت المملكة طفرة اقتصادية، قصدها آلاف المهنيين والعمال والخبراء والأكاديميين بحثًا عن فرص عمل حيث تمّ الترحيب بهم ومنحهم الأولوية. غير أن شهر العسل بين السعودية و"الإخوان المسلمين" انتهى عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية ووجدت المملكة نفسها في وضع حرج، حيث غيّرت بشكل مفاجئ وسريع إستراتيجيتها تجاه الجماعة. فحمّل الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية وأحد ركائز العائلة المالكة، "الإخوان المسلمين" مسؤولية تنامي أعمال العنف والتطرف.
وعليه، تكون السياسة السعودية والتفسير الوهابي المتطرف للإسلام هما المسؤولان عن تنامي الحركات الإسلامية المتطرفة التي لا تعترف بإسرائيل وتعتبرها عدوة الدولة الإسلامية. كما أن أغلبية الكتب الدراسية التي تنشرها السعودية في المنطقة وفي أجزاء أخرى من العالم تبرّر العنف وتستهدف اليهود باعتبارهم أعداء الإسلام. وقد دفع هذا الأمر مؤخرا بالإدارة الأمريكية في عهد ترامب إلى إطلاق برنامج جديد مع السعودية يسعى إلى استبدال المناهج الوهابية القديمة التي ترعى أعمال العنف بأخرى تنطوي على الاعتدال. وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون عن هذا البرنامج خلال إحدى جلسات الكونغرس.
يُعتبر التقارب المبدئي الحالي بين السعودية وإسرائيل مؤشرًا مهمًا على التغيّر الإيديولوجي والسياسي الراهن الذي يختبره النظام السعودي، والذي لا بدّ من تشجيعه ودعمه بشكل أكبر. ويتزامن هذا التقارب مع تولي السعودية موقعًا قياديًا جديدًا بعد فشل "الربيع العربي" الذي تعتبره المملكة وغيرها من الدول الخليجية خطرًا ثوريًا جديًا يهدّد وجودها.
فضلًا عن ذلك، يأتي هذا التقارب في وقت تواجه فيه كل من إسرائيل والمملكة عدوًا مشتركًا (إيران) حيث يطرح وكلاؤها تهديدًا ليس على هذين البلدين فحسب، بل أيضًا على المنطقة برمتها. وفي حال كانت السعودية تعتزم حقًا مواصلة مساعي السلام مع إسرائيل عليها أن تكون قدوةً للدول العربية الأخرى من خلال حذوَ حذوالسادات وإقامة علاقات دبلوماسية تامة مع إسرائيل.