- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الإصلاح الانتخابي: هو ما يحتاجه العراق حقا
إلى جانب الاتهامات بالاحتيال الانتخابي وحرق موقع تخزين يضم نصف صناديق الاقتراع الخاص بمحافظة بغداد، يبدو أن مصداقية العملية الانتخابية في العراق قد واجهت تحدياً كبيراً. ومع ذلك، يعود استياء الناخبين العراقيين من العملية الانتخابية لزمن طويل، حيث عبر المواطنون صراحة عن نيتهم في مقاطعة العملية الانتخابية إلى جرت في أيار/ مايو الماضي، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة كبيرة تحمل هاشتاغ “#مقاطعون". وقد شكك الكثيرون في مصداقية نسبة التصويت المعلنة في عموم العراق والتي وصلت إلى ٤٤.٥ ٪، بكون أن النسبة الحقيقية يمكن أن تكون اقل بكثير. وفى ظل انخفاض معدلات المشاركة في الانتخابات الأخيرة، قد تحتاج الحكومة العراقية إلى إجراء إصلاح حاسم في النظام الانتخابي وفى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من أجل استعادة ثقة الناخبين ومشاركته في العملية الانتخابية.
بعد عام ٢٠٠٣، تبنى العراق النظام الديمقراطي النيابي، مع الأخذ بالتعددية السياسية والحزبية، وذلك بغية التحول التدريجي للوصول إلى نظام ديمقراطي صحي وسليم. ومن حيث المبدأ، يتم تداول السلطة بالطريقة السلمية عن طريق صندوق الاقتراع، التي يجب أن تكون السبيل الوحيد للتغير.
ومن اجل تيسير عملية الإصلاح هذه، أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة القانون الانتخابي رقم 96 لعام 2004، الذي اعتمد نظام (التمثيل النسبي) واعتبار العراق دائرة واحدة. كما اقر القانون طريقة انتخاب مجلس النواب عن طريق الاقتراع العام والسري المباشر. في عام 2005، تم إلغاء القانون الانتخابي رقم 96، بحيث تكون العملية الانتخابية أكثر تمثيلاً للناخبين العراقيين من خلال فصل العراق إلى 18 منطقة حيث ينتخب الناخب قائمة، مع إمكانية إعطاء الناخب الأفضلية لمرشح واحد من قائمة.
يشوب هذا النظام الانتخابي العديد من السلبيات والعيوب الفنية، حيث يعزز المنافسة -الغير مقبولة- بين الأعضاء في القائمة الواحدة مما يولد صراعات ومنافسات وصلت إلى درجة استخدام المال السياسي من اجل الترويج للحملات الانتخابية الخاصة برؤساء الكتل والقوائم الانتخابية. والاهم انه يشجع الكتل الصغيرة على التقدم للانتخابات والتسبب بإهدار الأصوات لصالح شخصيات لم يختارها المجتمع ولم يسمع عنها. فمثال على ذلك أن نسبة الأصوات المهدورة في انتخابات ٢٠١٨، والتي تخطت المليون صوت، قد ذهبت لصالح شخصيات وقوائم لم تنل أي مقعد في البرلمان. وتشكل تلك الأصوات الضائعة ضربة مباشرة للديمقراطية التي تهدف إلى تمثيل كل جزء من المجتمع.
كما أصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مؤخرا استطلاع رأي حول تقييم النظام الانتخابي الحالي، وقد أظهرت نتائج تلك الاستطلاع إن الغالبية العظمى من المستطلعين ليست راضية عن النظام الانتخابي القائم، حيث قالت نسبة (٨٨،٦٪) أن النظام الانتخابي الحالي لم يحقق الاستقرار السياسي المنشود. كما أشار الاستطلاع إلى أن نسبة (٧٥،٧٪) من المستطلعين يرون أن النظام الانتخابي الحالي لم يخلق أي نوع من أنواع المعارضة السياسية الحقيقية، ورأت نسبة (87%) أن النظام الحالي لم يساهم في خلق كتلة عابرة للطوائف. أخيرا، طالب (٦٨،٩٪) من المستطلعين بتغيير النظام الانتخابي المعمول به في العراق، إضافة لـ مطالبة (٦٥،٧٪) بـ اعتماد أليه الدوائر المتعددة داخل كل محافظة.
وبالرغم من ذلك، يمكن إصلاح النظام الانتخابي من خلال تبـّني طريقة "سانت ليغو" لاحتساب الأصوات نظرا لان تلك الطريقة تعيد توزيع الأصوات لصالح القائمة ككل وليس للشخصية التي اختارها الناخب. كما أن اعتماد نظام متعدد الدوائر داخل المحافظة الواحدة، وإتاحة الفرصة للترشيح الفردي الذي لا يشترط وجود قائمة أو حزبٍ ينتمي إليه المرشح، يمثل خطوة رئيسية نحو المزيد من التمثيل الديمقراطي الحقيقي. ومن شأن تلك الإجراءات أيضا أن تزيد من مستوى الرقابة الشعبية، وتفتح باب المنافسة بين المرشحين في الدائرة الانتخابية ذاتها، كما ستقلل من عملية تشتيت الأصوات التي تذهب هِدراً في العديد من المحافظات والتي يكون المستفيد منها الأحزاب الناشئة التي لا تمتلك جماهير حقيقية تمكنها من كسب مقاعد في البرلمان. وأخيرًا، وفى حال تطبيق تلك الإصلاحات، سيتمكن المرشحين من استمداد قوتهم الانتخابية من علاقاتهم مع الناخبين بدلاً من علاقاتهم مع الأحزاب. ونظرا لان الدوائر العراقية الثماني عشرة لا تمثل الناخبين العراقيين بدقة، هناك ضرورة لتقسيم الدوائر الانتخابية على عدد المقاعد في مجلس النواب، أي أن يكون هناك ٣٢٩ مقعداً يرافقه ٣٢٩ دائرة انتخابية، على أن تتناسب الدوائر داخل المحافظات مع عدد السكان في تلك الرقعة الجغرافية.
وبالمثل، هناك ضرورة لإجراء بعض الإصلاحات المتعلقة بمن سيسمح له بالتصويت، حيث يجب العمل على إلغاء الاقتراع لعناصر الأجهزة الأمنية داخل العراق، ذلك لتحييدها سياسياً وعدم إمكانية فرض الولاء عليها من أية جهة مستفيدة. وهناك أيضا ضرورة لإجراء تعداد سكاني حديث من قبل وزارة التجارة، حيث يوجد عدد من المقيميين غير المسجلين على قوائم الناخبين والذين توجد بينهم مصلحة مشتركة تمكنهم من انتخاب الأجدر والأكثر تمثيلاً لهم داخل البرلمان. أخيرا، يمكن تطبيق النظام المقترح على مستوى مجالس المحافظات في بادئ الأمر لـقياس مدى إمكانية تطبيقه ونجاحه بشكل أولي على المستوى الفيدرالي.
هنالك عدة معوقات محتملة يمكن أن ترافق تطبيق النظام المقترح منها أن تبني طريقة الانتخابات الفردية، سيجعل النظام عرضة لصعود نواب الخدمات ورجال الأعمال الذين يستطيعوا بعلاقاتهم ونفوذهم في الدولة أن يعطوا وعوداً للإصلاح وتقديم الخدمات عبر العلاقات وليس عبر القانون. كذلك، لا تحقق الانتخابات الفردية التمثيل الأمثل للأقليات. من المحتمل أيضا أن تواجه فكرة تضييق الدوائر الانتخابية رفضاً من الأحزاب السياسية التي لا ترى إن النظام الانتخابي المقترح يصب في مصلحة الحزب. وفى بداية التطبيق من المحتمل أن يروج هذا النظام لصعود وجهاء المناطق وشيوخ العشائر إلى البرلمان، الذين قد لا يكون لديهم خلفية معرفية بالسياسة الفيدرالية. لذلك إن الاستمرارية هي شرطا لنجاح النظام المقترح، ولن نستطيع ضمان نجاحه عبر دورة انتخابية واحدة.
ومع ذلك، أثبتت الدورة الحالية للانتخابات أن النظام الانتخابي الحالي يعاني من عيوب جسيمة ويعمق عدم الثقة بين المواطنين العراقيين. ومن ثم يحتاج العراق إلى التغيير الذي قد يتم تحقيقه على وجه أفضل من خلال وضع نظام انتخابي أفضل.