- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نصف الفلسطينيين يريدون فلسطين كاملةً – ولكن قد يقبل معظمهم بأقل من ذلك
يعلم الرأي العام الفلسطيني أن حقوقه المتصوَّرة مختلفةٌ عن الواقع. فاستطلاع الرأي الذي جرى بين 27 حزيران/ يونيو و15 تموز/ يوليو كشف عن آراء شديدة التباين حول المسائل المتعلقة بالسلام الطويل الأمد لدى فلسطينيي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. فمع أن "حل الدولتين" فقد تأييد الأكثرية، لو كان هذا الخيار قائمًا لكان معظم الفلسطينيين المقيمين في هذه الأراضي مستعدين للتنازل بشأن مسألة اللاجئين الجوهرية. وحدها أقلية محدودة جدًا تريد العيش في إسرائيل وتؤيد "حل الدولة الواحدة" التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق، أو تتوقع حتى من إسرائيل الموافقة على هذه الفكرة من الأساس.
وحين سئل المشاركون عن "الأولوية الوطنية الكبرى لدى الفلسطينيين في خلال السنوات الخمس المقبلة"، انقسمت آراؤهم على النحو التالي:
نصف الشعب مسترسلٌ في أحلام متشددة
على المنوال نفسه، أعربت أقلية (30 في المائة من أهالي الضفة الغربية، و42 في المائة من أهالي غزة) عن موافقتها على إنهاء النزاع بشكل دائم مع إسرائيل في حال التوصل إلى حل الدولتين. وفي المقابل، صرّحت الأكثرية الضئيلة في كلا القطاعين – أي 56 في المائة في الضفة الغربية و54 في المائة في غزة – أنه "يجب ألا ينتهي الصراع وأن تستمر المقاومة إلى حين تحرير كامل الأراضي الفلسطينية التاريخية". ويعكس هذا التصريح تشددًا في وجهة نظر أهالي الضفة الغربية بالمقارنة مع الاستطلاعات السابقة، فيما يعتبر أقل من نصف الفلسطينيين (40 في المائة من سكان الضفة الغربية و49 في المائة من سكان غزة) أنه "عليهم الإقرار بأنهم لن يهزموا إسرائيل أبدًا وأن القتال يزيد الأمور سوءًا لا أكثر".
وفي ما يخص المستقبل على المدى البعيد، تزداد المواقف تشددًا. فالأغلبية الكبيرة في كل من الضفة الغربية وغزة تعتبر أن "الفلسطينيين سيسيطرون في نهاية المطاف على كل فلسطين تقريبًا"، مستندةً إلى تفسيرين، أولهما فكرة مشتركة بين الغزاويين وأهالي الضفة بنسبة 46 و47 في المائة، وهي أن "الله إلى جانبنا". والتفسير الثاني هو أن "عدد الفلسطينيين سيفوق عدد اليهود يومًا ما"، وهذا ما أعرب عنه 22 في المائة من أهالي الضفة و11 في المائة من الغزاويين. والواقع أن ثلاثة أرباع سكان المنطقتين يؤيدون هذه الفكرة، أقله "نوعًا ما"، حيث قالوا "علينا الإصرار على اكتساب حقنا الكامل بفلسطين التاريخية كاملةً، لذا فإن أي تسوية مع إسرائيل ستكون مؤقتة".
لكن الحقائق على أرض الواقع تُلين وجهات النظر الشعبية
مع ذلك، تجسد هذه الآراء المتشددة تفضيلات الفلسطينيين أو حقوقهم المتصورة أو توقعاتهم المبهمة حيال مستقبل غير واضح – وإنما لا تجسد فهمهم للخيارات الواقعية المتاحة اليوم. على سبيل المثال، أكثر من 60 في المائة من سكان الضفة الغربية وغزة ككل يؤيدون هذا الرأي أقله "نوعًا ما": "بغض النظر عمّا هو صائب، الحقيقة هي أن معظم المستوطنين الإسرائيليين سيبقون على الأرجح حيثما هم، ومعظم اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى أراضي 1948". وعلى النحو نفسه في ما يخص مسألة اللاجئين، فإن نصف سكان الضفة الغربية وثلاثة أرباع الغزاويين مستعدين للقبول بإعادة التوطين في دولة فلسطينية مكوّنة من هذين القطاعين فقط بدلاً من التوطين داخل إسرائيل. وقد قاس الاستطلاع من خلال سؤالين هذا الموقف الذي يمتاز بمرونة مفاجئة ويؤكد النتائج التي توصلت إليها استطلاعات الرأي السابقة.
ويمتد هذا المنظار الواقعي إلى مفهوم "حل الدولة الواحدة" الذي يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين في دولة واحدة والذي بدأ مؤخرًا بعض الخبراء والسياسيين يعدون (أو يهددون) بتأييده كبديل عن "الفصل". ولكن على المستوى الشعبي الفلسطيني، لم تلقَ هذه الفكرة تأييدًا يُذكر، وفق ما يتجلى بوضوح في الجدول أعلاه. أضف إلى ذلك أن 70 في المائة من أهالي الضفة الغربية وغزة – و80 في المائة من فلسطينيي القدس الشرقية – يوافقون، أقله "نوعًا ما"، على أن "إسرائيل لن ترضى مطلقًا بحل الدولة الواحدة الذي يحظى فيه الفلسطينيون بحقوق متساوية حتى إذا أصبح هؤلاء أكثرية واضحة يومًا ما".
فلسطينيو القدس الشرقية معتدلون نوعًا ما اليوم أكثر مما كانوا عليه خلال "انتفاضة السكاكين" بين عامَي 2015 و2017
يقارب عدد الفلسطينيين المقيمين قانونيًا في العاصمة 330 ألف نسمة، ويُعتبر هؤلاء حالة خاصة لأنهم ينعمون بمزايا لا تتوفر عادةً لأبناء الضفة الغربية أو غزة، وهي حرية العمل والدراسة والسفر داخل إسرائيل، بالإضافة إلى خدمات الرعاية الاجتماعية التي يحظى بها السكان الإسرائيليون الآخرون المقيمون في العاصمة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت منذ عام 2010 وحتى عام 2014 مع هؤلاء الفلسطينيين ارتفاعًا ثابتًا – وصل إلى نسبة ملحوظة بلغت 52 في المائة – في عدد الفلسطينيين الذين قالوا إنهم يفضّلون الجنسية الإسرائيلية على الجنسية الفلسطينية. بيد أن هذا العدد تراجع سريعًا من عام 2015 وحتى عام 2017 حين ترتبت عن "انتفاضة السكاكين" والتدابير القاسية التي جابهتها بها إسرائيل توتراتٌ غير معهودة في المدينة.
أما الاستطلاع الراهن فيعكس تحولاً بسيطًا عن التوجهات السابقة، حيث أن ربع فلسطينيي القدس الشرقية يعربون اليوم عن تفضيلهم الجنسية الإسرائيلية إذا ما خُيّروا. ومقارنةً بهم، 15 في المائة فقط من الغزاويين و10 في المائة فقط من أبناء الضفة الغربية يشاركونهم التفضيل ذاته. وعلى النحو نفسه، يقول حاليًا أقل من نصف فلسطينيي القدس الشرقية (أي 47 في المائة) إنهم سيبقون "حتمًا" في فلسطين إذا كان بإمكانهم الانتقال إلى إسرائيل، مقابل 83 في المائة من أهالي الضفة الغربية و59 في المائة من الغزاويين. ولعل معاودة فلسطينيي القدس التوجه إلى إسرائيل بصورة محدودة تُعزى إلى تراجع حدة التوتر الاجتماعي الذي ساد هناك مؤخرًا وإلى العودة إلى صياغة السؤال السابقة التي ذكرت منافع وواجبات محددة مرتبطة بالجنسية
ولكن في ما يخص معظم المسائل الأخرى، باتت مواقف الفلسطينيين في القدس الشرقية متماشية تقريبًا مع المنحى القتالي في الضفة الغربية، لا بل أصبحت فعليًا أقل اعتدالاً مما هي عليه في غزة. وثمة استثناءٌ مهمٌ آخر يتعلق بدرجة التأييد الشعبي لانتفاضة جديدة. في القدس الشرقية، يؤيد شخص واحد فقط من كل خمسة أشخاص "بشدة" هذا الخيار. ولكن هذه النسبة ترتفع بين أهالي الضفة إلى 27 في المائة بينما تصل في غزة إلى 35 في المائة.
ملاحظة حول المنهجية
استُخلصت هذه النتائج كلها من استطلاع أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي بين 27 حزيران/ يونيو و15 تموز/ يوليو 2019، وهو مركز قائم في بلدة بيت ساحور في الضفة الغربية بالقرب من بيت لحم. وأُجري هذا الاستطلاع على شكل مقابلات شخصية قام بها أشخاصٌ محليون متخصصون مع عينات تمثيلية جغرافية عشوائية من الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، مع تقديم ضمانات أكيدة بالحفاظ على الخصوصية. وتألفت العينة من 500 شخص في كل من الضفة الغربية وغزة وبلغ فيها هامش الخطأ الإحصائي قرابة الأربعة في المائة، بينما تألفت من 200 شخص في القدس الشرقية وقارب فيها هامش الخطأ السبعة في المائة. أما ضوابط الجودة فتضمنت مراقبة ميدانية وثيقة وتعقّب البيانات المدخلة عبر الجهاز اللوحي لكل شخص أجرى المقابلة وذلك من خلال نظام تحديد المواقع. كما أن كاتب هذا المقال أشرف شخصيًا على الاستطلاعات السابقة التي أجراها المركز وصادق على ترجمة الوثائق وأطر اختيار العينات وقواعد الميدان ومعالجة البيانات وتقنيات إعداد التقارير لديه. ويشار إلى أن أي تفاصيل إضافية متعلقة بالمنهجية متوفرة عند الطلب.