- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حان الوقت لاستنباط الأصوات وتحفيز الناخبين في القدس
14 ديسمبر/ كانون الأول 2017
أدى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل وخططه لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس إلى تسليط الضوء على ثلاثة أهداف فشلت القيادة الفلسطينية حتى الآن في تحقيقها، وهي التأكيد على الحقوق الوطنية الفلسطينية في القدس والاعتراف بالقدس العربية عاصمة ًلدولة فلسطين وتسليط الضوء على القضية الفلسطينية على المسرح العالمي وإعادة إحياء حل الدولتين.
ومن جهة أخرى، وجه إعلان ترامب ضربةً قاسية لكل من الجبهتين الإسرائيلية والفلسطينية ومعسكرات السلام المعتدلة، إذ كانت القدس تمثل إحدى قضايا الوضع النهائي للتوصل إلى اتفاق سلام شامل. وقد جعل قراره آفاق السلام أكثر تضاؤلًا، إذ كان بمثابة خروج عن السياسات الأمريكية القائمة منذ أمد طويل والمتمثلة في محاولة تجنب الإساءة إلى جانب أو إلى آخر من أجل الحفاظ على دورها كراعٍ لمفاوضات السلام ولكي لا تضر بمصداقيتها كوسيط للسلام في الشرق الأوسط.
وفي وجه هذه الخطوة المثيرة للجدل، بإمكاننا، نحن المعتدلين الفلسطينيين والمعتدلين الإسرائيليين، أن نرفع صوتنا ونندد بها، أو أن نتظاهر احتجاجًا، أو أن نظهر إذعاننا ونقف متفرجين، أو أن نحاول تغيير ميزان السلطة عبر ما يعرف بممارسة "الجودو" التي نستغل فيها قوة خصمنا لنجعله يفقد توازنه. فنحن نرى أن السكان الفلسطينيين في القدس يملكون بالفعل أدوات قوية لتبديل الوضع الراهن لصالحهم.
وما لا شك فيه أن الموارد والسياسة وقدرات الشرطة التي تملكها إسرائيل بين يديها تشكل أسلحةً قويةً أيضًا، ولكن التركيبة السكانية أكثر قوةً بعد. وهذه هي الحقيقة، شرط أن نعرف كيف نستمد منها الفائدة القصوى التي تقدمها.
يشكل السكان الفلسطينيون في القدس حوالي 40٪ من مجموع سكان المدينة. وتتمتع هذه الفئة من السكان بوضع قانوني خاص يكون السكان بموجبه، سكانًا في المدينة، ولكنهم ليسوا مواطنين في الدولة. ولذلك، لا يُسمح لهم بالتصويت في الكنيست (أي البرلمان الإسرائيلي)، ولكنهم يتمتعون بحق التصويت في الانتخابات البلدية. وكما ذكر آنفًا، إن نسبة 40٪ هي قوة هائلة، غير أنها لم تتبلور بعد لأن "السلطة الفلسطينية" تحث السكان الفلسطينيين على عدم المشاركة في الانتخابات البلدية في القدس لأن ذلك يعني، بحسب مفهومها الخاطئ، منح صفة الشرعية إلى الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المدينة. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يشكلون 40٪ من سكان المدينة، لقد عانوا، بسبب اتخاذهم القرار بعدم المشاركة في الانتخابات البلدية، من الضرائب بدون تمثيل وتخلوا بذلك عن المدينة ليتم حكمها بدون حصولهم على ممثلين ليدافعوا عن رفاهيتهم ومصالحهم. وبالتالي، لم يخصص لهم إلا 10 في المئة فقط من الميزانية. ولقد خدم هذا السلوك، أكثر من أي شيء آخر، مصالح جناح اليمين الإسرائيلي الذي يتمتع بمطلق الحرية في تنفيذ رؤيته الخاصة المشوهة للمدينة.
وليس السكان الفلسطينيين وحدهم الذين يترددون في المشاركة في الانتخابات البلدية. فبغض النظر عن أعدادهم، يشكل معسكر اليسار في المدينة حوالي 10٪ من الناخبين، وبالتالي يشكلون معاً معسكرًا مشتركًا كبيرًا وواسعًا. بالإضافة إلى ذلك، تقيم في المدينة نسبة كبيرة من المعتدلين، الذين يعتبرون أنّ القدس مدينة الله وبالتالي، قد يجدون هذا الائتلاف أكثر جاذبيةً من الائتلاف الحالي.
وتتمثل الآثار الملموسة لهذه التركيبة السكانية في أنه إذا تعاون الفلسطينيون مع معسكرات اليسار الإسرائيلي وترشحوا معًا للانتخابات البلدية بجدول أعمال يهدف إلى المصالحة والتسامح والتعايش، قد يتمكنون من تحرير شؤون المدينة من قبضة أحزاب جناح اليمين واستلام الحكم فيها.
وإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة انقسام الناخبين اليهود نفسهم إلى عدد من الأحزاب المختلفة في المدينة، فإن فرص نجاح جناح اليسار الفلسطيني - الإسرائيلي المشترك هي بالفعل واقعية.
فيمكن أن يشكل الفلسطينيون كحد أدنى أقليةً صوتية في المجالس التشريعية للبلدية في المدينة. وبالنظر إلى أعدادهم الضخمة، قد يتحقق ذلك حتى ولو لم يشارك الفلسطينيون بأعداد هائلة أو لم يصوتوا ككتلة واحدة، وحتى لو لم يتماشوا مع أي لائحة يهودية.
وستمثل هذه الخطوة الاستجابة الأمثل لمكائد ترامب. ففي مواجهة الاستيلاء العدائي على الجزء الشرقي من القدس من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية، لا يستطيع السكان الفلسطينيون تغيير الحكومة في المدينة فحسب، بل باستطاعتهم أيضًا تغيير مجرى تاريخها، وذلك باستخدام الأدوات التي تتيحها "الديمقراطية" الإسرائيلية لهم. فإذا تراجع السكان الفلسطينيون في القدس عن مقاطعتهم الحالية للانتخابات البلدية وخرجوا للتصويت بأعداد كبيرة، سوف تقابَل جميع الاحتفالات اليوم المرحبة بإعلان ترامب بالاستجابة المناسبة بالفعل وليس في الكلام.
ولا شك في أن الوقت قد حان ليعيد الفلسطينيون النظر مرةً ثانية في موقفهم وأن يعتمدوا نهجًا عمليًا أكثر وأن يعلنوا ترشيحهم في الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر من العام المقبل، أي بعد 11 شهرًا من الآن. وأمامهم مجموعة متنوعة من الخيارات. فبإمكانهم تشكيل لائحة خاصة بهم، لكن إذا كان هذا الأمر صعبًا بالنسبة إليهم، لا يزال أمامهم خيارات أخرى: إذ يمكنهم أن يترشحوا في لائحة مشتركة مع اليسار الإسرائيلي، أو يمكنهم أن يختاروا عدم تشكيل تلك الأخيرة ويقومون مع ذلك بدعم مرشحين فلسطينيين مستقلين أو حزب اليسار الإسرائيلي ومرشحه الذين يضعون مسألة المصالحة والسلام على رأس جداول أعمالهم والذين سيقومون بكل تأكيد بتلبية احتياجات السكان الفلسطينيين ومصالحهم والتصويت لهم. وعلى الرغم من ذلك، تتيح خطوة ترامب لهم عددًا كبيرًا من البدائل. غير أنه لن يكون سوى عدد قليل منها مفيدًا لهم، ولذلك يعتبر هذا الأمر أحد الخيارات التي من شأنها خدمة مصالحهم الخاصة بصورة أفضل. وبالتالي يجب أن يقوموا بتعبئة جهودهم والترشح في الانتخابات البلدية المقبلة، ليؤكدوا بذلك حقوقهم في المدينة ويستعيدوا ما انتُزِع منهم. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تصبح القدس نموذجًا لبناء السلام والثقة يمهد الطريق أمام تسوية عادلة وشاملة ونهائية لهذا الصراع الذي دام طويلًا. وهذا طريق لم يسلكه الفلسطينيون حتى الآن، ولكنه يمكن أن يعود عليهم بمنافع سياسية مهمة.
.