- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الأسباب وراء معارضة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس
استولت إسرائيل- المنشأة حديثا- على القدس الغربية في أعقاب حرب العام 1948 والقدس الشرقية في حرب العام 1967، ولكن لم تحظَ أي من عمليتي الاستيلاء العسكريتين باعتراف دولي. إلا أن الكونغرس الأمريكي تبنى عام 1995 "قانون سفارة القدس"، الذي يعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل غير قابلة للتقسيم. ولكن كل إدارة أمريكية حينذاك، سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية، أجّلت تطبيق هذا القانون، مستشهدةً بمصالح الأمن القومي.
كذلك، سيُحسن الرئيس ترامب صنعًا لو لم يلتزم بتعهده الذي يقضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وذلك للأسباب الآتية:
أولًا، ستناقض إدارة ترامب في هذه الحالة السياسة الأمريكية القديمة التي تعتبر القدس مدينةً محتلة كجزءٍ من قرار التقسيم التي اتخذته الأمم المتحدة عام 1947 لجعل القدس منطقةً دولية وإبقائها مفتوحةً أمام الأديان السماوية الثلاثة.
ثانيًا، ستناقض إدارة ترامب الالتزام الأمريكي باتفاقية أوسلو لعام 1993 حيث تبقى قضية القدس إحدى القضايا الرئيسية الخمس الواجب تسويتها في مفاوضات السلام النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فالاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة غير مقسمة لإسرائيل من شأنه تقويض هذا الالتزام والحد من اندفاع إسرائيل لناحية سعيها إلى تسوية هذه القضية بشكل سلمي وكذلك إعطاء المتطرفين المسلمين حجةً لتصعيد الخطط الإرهابية ضد المدنيين في القدس.
ثالثًا، ستوسع هذه الخطوة الهوة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فبعد انتهاء مؤتمر السلام في الشرق الأوسط في باريس، أعربت فيديريكا موغيريني، رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن قلقها من أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيكون له "عواقب وخيمة"، ونصحت إدارة ترامب ضد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقالت إنها "قلقة" من أن يثير ذلك قلقا شعبيا في أنحاء العالم. " وأكدت موغيرينى أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على الإبقاء على بعثته في تل أبيب والاستمرار في احترام قرارات الأمم المتحدة التي تعارض ضم إسرائيل للقدس الشرقية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم في المستقبل. كما أعلنت موغيرينى خلال مؤتمر صحفي انه “من المهم بالنسبة لنا جميعًا أن نمتنع عن اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، وخاصة تلك التي لها عواقب وخيمة في قطاعات واسعة من الرأي العام في أجزاء واسعة من العالم." كما أضافت أنها “بالطبع قلقة من أن شرائح واسعة من الرأي العام في أجزاء كبيرة للغاية من العالم – العالم العربي وكذلك إفريقيا واسيا وأجزاء من أوروبا – يمكن أن يكون لها رد فعل على خطوة لن تكون منسجمة مع التوافق الدولي”. وترى موغيرينى أن تلك الخطوة من شأنها أن تؤدى إلى عزل الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية نظرا لأنها لا تتماشى مع الإجماع الدولي الذي نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 478/1980، والذي يعارض ضم إسرائيل للقدس الشرقية كجزء من "عاصمة موحدة".
رابعًا، ستؤدي هذه الخطوة إلى تراجع الدعم من قبل الأنظمة العربية المؤيدة للأمريكيين على غرار الأردن والسعودية والمغرب ومصر، وهي دول تحتاجها الولايات المتحدة كحلفاءٍ لها في حربها ضد الإرهاب وتنظيم "الدولة الإسلامية".
خامسًا، قد تولّد هذه الخطوة اضطرابات في الشارع العربي، مقوضه بذلك التعاون الخجول بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة. وإذا ما اتخذت عملية السلام المؤجلة منحًى عنفيًا، قد يُستهدَف المواطنون الأمريكيون والمصالح الأمريكية في المنطقة، ما يزيد من عزلة الولايات المتحدة في العالم العربي والمسلم. وكما أكد الملك عبد الله الأردني لترامب خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس "يهدد حل الدولتين ويزيد من حدة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
سادسًا، ستكتسي هذه الخطوة أبعادًا دينية عميقة في العالمين الإسلامي والمسيحي. ففي العالم الإسلام، ستعتبرها الجماهير جزءًا من الحرب التي تشنها إدارة ترامب على الإسلام، مما قد يدفع بالكثيرين إلى دعم إيديولوجية تنظيم "الدولة الإسلامية". وبدلًا من "اجتثاث الإرهاب الإسلامي المتطرف من على وجه الأرض"، كما تعهد ترامب في خطاب تنصيبه، ستؤدي تلك الخطوة إلى تقويته. أما في العالم المسيحي، فستُعتبر تلك الخطوة تنازلًا عن القدس لصالح الديانة اليهودية. كما ستشكل تجاهلًا لحقوق المسيحيين الدينية ومراكزهم الدينية في المدينة المقدسة.
وباختصار، ستلهب هذه الخطوة الأوضاع في المنطقة من دون داعٍ، فتعرّض المصالح الأمريكية والأمريكيين لخطر الهجمات من جهة وتتسبب بزعزعة الاستقرار السياسي في الأنظمة العربية المعتدلة من جهة أخرى. بالإضافة إلى انه لا يوجد العديد من الفوائد للولايات المتحدة من جراء ذلك وحتى لإسرائيل. والرئيس ترامب كونه رجل أعمال ذكي سيزن قراره بحرص وسيتصرف على هذا الأساس.