- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
لماذا يتوجب على اسرائيل الاصغاء لوجهة النظر الاردنية فيما يتعلق بالحرم القدسي
هناك خلاف كبير حول كيفية التعامل مع الوضع المتدهور في القدس في ما يتعلق بالأمن والسياسة. وكان من الممكن تجنب أزمة الحرم القدسي الأخيرة إذا كان هناك تقييم سليم للحالة على المستوى السياسي. ومن شأن النظر بشكل أقوى إلى التعاون مع الجانب الأردني حول قضايا من هذا القبيل أن يساعد إسرائيل على إيجاد حلول فعالة لحالات مماثلة في المستقبل.
نظرة إلى الوراء:
عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، قرر وزير الدفاع حينذاك موشيه دايان انه سيكون من الأفضل إذا ما واصلت وزارة الأوقاف الأردنية إدارة الموقع من اجل تجنب حدوث نزاع أكبر مع العالم الإسلامي. وقرر بان يسمح لليهود بالزيارة، ولكن ليس للصلاة. يطلب الأردن من إسرائيل دوما الحفاظ على الوضع الراهن ذاك والذي يكرس بصورة قانونية ورسمية أيضا في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية التي وقعت عام 1994 حيث نصت المادة التاسعة منها على أن: “إسرائيل تحترم الدور الخاص الحالي للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. وعندما تجري مفاوضات حول الوضع الدائم، ستعطى إسرائيل أولوية عالية للدور التاريخي الأردني في هذه الأماكن”. كما تأكد هذا الوضع في اللقاء الذي جمع الملك عبد الله ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عمان نوفمبر 2014 حيث التزم نتنياهو بعدم المساس بالوضع القائم والسماح فقط للمسلمين بالصلاة ولليهود بالزيارة فقط. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في اكتوبر 2015 قد أعلن صراحة وبشكل لا لبس فيه عن منع اليهود من الصلاة في الحرم القدسي وهو ما لم يعلنه أي رئيس وزراء سابق في تاريخ إسرائيل.
أما بالنسبة لموقف الفلسطينيين من الوضع الراهن فقد أقروا بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية من خلال الاتفاقية التي وقعت في عمان 2013 بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس والتي تم بموجبها التأكيد على حق الأردن في الإشراف على المقدسات لغاية قيام دولة فلسطينية، كما تضمن أيضا قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية عام 1988استثناء الأماكن المقدسة في القدس من هذا القرار.
إذا كانت إسرائيل تعتقد أن السلام مع الأردن هو ذخر استراتيجي فيتوجب عليها مراعاة قلق ومخاوف الأردن من دخول أطراف عربية وإسلامية (تركيا، قطر، تنظيمات إسلامية) على خط الأزمة من اجل توسيع نفوذها على حساب الدور والنفوذ الأردني. تسعى هذه الأطراف إلى توتير الأوضاع في القدس من اجل الضغط على الأردن لاتخاذ خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، ربما تصل إلى مستوى سحب السفراء – سحبت الأردن سفيرها من تل أبيب في نوفمبر 2014 على خلفية مشابهه وهي التوتر في الحرم القدسي. لذلك فان تأزيم العلاقات بين عمان وتل أبيب هو وضع يجب تجنبه حيث المصالح المتبادلة بين البلدين تقتضي الحفاظ على إطار للاختلاف فالأردن لا يستطيع ممارسة وصايته على المقدسات وحماية نفوذه فيها خارج العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، كما أن ليس لإسرائيل مصلحة في تواجد نفوذ غير أردني في الحرم الشريف.
ليس هذا فحسب، حيث ترى الأردن أن إجراء تغييرات في محيط الحرم القدسي مثل نصب بوابات الكترونية على مداخل المسجد الأقصى أو تقييد حرية دخول المصلين من خلال السماح لإعمار محددة ومنع أخرين، كل ذلك يعتبر من وجهة نظر الأردن تغييرا في الوضع الراهن ومحاولة إسرائيلية لفرض حقائق جديدة على الأرض تخلق ليس فقط توترا مع الأردن وإنما مع كل العالم الإسلامي، حيث من زاوية معينة، يعتبر المسجد الأقصى المكان الأكثر قدسية والقاسم الأكثر اشتراكا بين الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي، ومن شأن خطوات أحادية الجانب من قبل إسرائيل في محيط الحرم الشريف أن تجر على إسرائيل والمنطقة توترات دامية وكذلك زعزعة ثقة الجمهور العربي والإسلامي بقدرة الأردن على حماية المقدسات الإسلامية في القدس كونه الوصي والحامي والمسؤول عنها .هذا من ناحية سياسية، أما من ناحية قانونية فان إجراءات إسرائيل أحادية الجانب سوف تعمل على إهدار المراكز القانونية المكتسبة للأردن الناشئة عن معاهدة السلام (المادة 9)، وكذلك الحقوق التي ترتبت له أيضا في الاتفاقية الموقعة مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
الجهات الأكثر تشددا في منطقة الشرق الأوسط يرون في عملية القدس الأخيرة فرصة لتحطيم التقارب بين الدول العربية السنية المعتدلة وبين إسرائيل، وليس هناك من سبيل أخر لتحقيق ذلك الهدف أسهل من استخدام الحرم القدسي وزج المسجد الأقصى إلى لب الصراع، وتحويل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من صراع وطني قومي إلى صراع ديني ومن مناورات سياسية إلى مواجهة محتدمة مع كل العالم الإسلامي وهو ما لم تستطع الأردن السيطرة عليه، وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما.
ما تم بناءه في سنوات يمكن أن يتهدم في أيام، خاصة إذا دخل المتدينون إلى الميدان. التقارب السني العربي-الإسرائيلي ينكأ جراح إيران وحزب الله وتنظيمات إسلامية أخرى متشددة. ومن ثم، فان تفويت الفرصة على هذه الجهات هو بيد إسرائيل، فمنذ عام 1967 تم الاتفاق على أن إسرائيل ستكون مسؤولة عن الأمن حول محيط الموقع، في حين أن الأوقاف التي يسيطر عليها الأردن ستكون مسؤولة عما يحدث داخل الحرم. مسؤولية إسرائيل تقتضي حفظ الأمن وضمان حرية الوصول إلى أماكن العبادة بنفس الوقت دونما تغييرات في الوضع الراهن. من الممكن لإسرائيل تحقيق الأمن خارج محيط الحرم، أما نصب بوابات الكترونية لكشف المعادن وإجبار المصلين على الدخول من خلالها هذا يعني أنك تقول للعالم بأن الحرم القدسي تحت سيطرة إسرائيل وهو ما لن يقبله الأردن أولا ولا العالم الإسلامي ثانيا.
معضلة إسرائيل:
كان واضحا أن قرار نصب بوابات الكترونية تم فرضة على المستوى السياسي من قبل الأذرع الأمنية، وهذه ليست مشكلة في حد ذاتها فقط، ولكنها تعكس معضلة تاريخية مزمنة في السياسة الإسرائيلية حيث الاعتبارات الداخلية تقرر الأجندة الخارجية للحكومة في إسرائيل. حدث ذلك في القمة السرية التي عقدت في العقبة بين نتنياهو والملك عبد الله والرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2016. وجاء أن الوزير الأمريكي عرض خلال هذه القمة السرية خطة لسلام إقليمي يتضمن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية واستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بدعم من الدول العربية. تحفظ نتنياهو على هذا العرض وقال انه سيكون من الصعب عليه الحصول على تأييد من ائتلافه الحكومي لهذه الخطة. مرة أخرى فرضت الاعتبارات الداخلية نفسها على سياسة نتنياهو الخارجية عندما طرح أمام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سلسلة من الإجراءات التي يراها نتنياهو ستعيد الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، ومنها إعطاء التراخيص للبناء واسع النطاق في مناطق C من الضفة الغربية حيث السيطرة الإدارية والأمنية إسرائيلية بالكامل، بعد هذا اللقاء حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي حشد التأييد في الائتلاف الحكومي لتنفيذ خطته ، إلا أن أعضاء حزب البيت اليهودي في الحكومة، نفتالي بينت واييليت شاكيد، رفضوا هذه الأفكار وسرعان ما تراجع نتنياهو عنها.
وعليه، فانه لا يمكن التعامل مع موضوع الحرم القدسي انطلاقا فقط من الاعتبارات الداخلية للسياسة الإسرائيلية وإنما لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الاستجابة للمطالب القادمة من المملكة الأردنية ومصر ومن الدول العربية السنية الأخرى التي تتشارك مع إسرائيل نفس المخاطر الجيواستراتيجية الناتجة عن توسع النفوذ الإيراني في المنطقة.
المضي قدما:
يمكن للطرفين الأردني والإسرائيلي وبرعاية أمريكية من الجلوس ومناقشة وضع اقتراح أو ألية لإدارة الخلاف في المستقبل تتضمن تشكيل لجنة أردنية إسرائيلية على المستوى الرسمي وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني في كلا البلدين، وبمشاركة فلسطينية للتأكد من أن أية إجراءات امنيه أو إدارية مستقبلية سيتم اتخاذها لن تضر بالوضع الراهن وتحافظ على الواقع القانوني والتاريخي للاماكن المقدسة.
يجب مشاركة منظمات المجتمع المدني الأردني –الإسرائيلي-الفلسطيني في وضع إطار لإدارة الخلاف يمكن الجمهور من الاطلاع على ماهية الوضع الراهن، وكيفية الحفاظ عليه، ومعرفة حقوق وواجبات كل طرف فيما يتعلق بالأماكن المقدسة، هذه المعرفة تساعد على تبريد حملات التحريض والتشكيك وتهييج الرأي العام وسحب البساط من تحت الجهات المتطرفة التي تحاول إشعال حرب دينية في المنطقة.
كما ينبغي للإدارة الأمريكية أن تبعث برسالة واضحة لكل الأطراف في المنطقة أن الأردن فقط هو صاحب الوصاية على المقدسات وعدم السماح لأي طرف أن يكون له موطئ قدم في الحرم القدسي على حساب الدور الأردني.