- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2815
قانون انتخابي جديد في لبنان: استمرارية أو تغيير؟
في 21 حزيران/يونيو، تنتهي ولاية المجلس النيابي اللبناني. وفي ظل عجز الفرقاء عن التوصل إلى قانون انتخابي جديد، صوّت المجلس الراهن مرتين على التمديد لنفسه في عامي 2013 و2014. وبذلك، تكون الانتخابات التي جرت في 2009 هي المرة الأخيرة التي توجه فيها اللبنانيون فعلياً إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم. ومع اقتراب انتهاء ولاية المجلس بسرعة، فإن المفاوضات المتعثرة منذ فترة طويلة قد شهدت تقدماً في الأسبوع الماضي. فبدلاً من العودة إلى الوضع القائم منذ عقود، تمّ التوصل إلى اتفاق مبدئي لاعتماد نظام التمثيل النسبي لمرة واحدة فقط.
ويُعتبر هذا القانون الجديد نوعاً ما انتصاراً للميليشيا الشيعية المدعومة من إيران التي تعمل كحزب سياسي أي «حزب الله». غير أن الحزب لم يحصل على كل ما أراده، علماً بأن المجتمع المسيحي الآخذ في التقلص في لبنان قد يستفيد أيضاً من هذا القانون. وسواء استُكملت تفاصيل هذا الاتفاق بشكل نهائي أم لا، يبدو أن عملية التفاوض بين «تيار المستقبل» (السنّي) وخصومه السياسيين (المسيحيين) في «التيار الوطني الحر» قد قوّضت علاقات التيار بشريكه في التحالف، «حزب الله».
قانون جديد ومعقّد
في كانون الثاني/يناير، أبلغ الرئيس المنتخب حديثاً ومؤسس «التيار الوطني الحر» ميشال عون مجلس الوزراء بأنه لن يسمح للبرلمان بتمديد ولايته مرة أخرى من دون قانون انتخابي جديد، قائلاً إنه يفضل "الفراغ" على تمديد آخر إلى أجل غير مسمى. ولا شك أن نهج التفكير هذا ينبع من شغور منصب رئاسة الجمهورية نفسه لفترة طويلة - فقد استغرق البرلمان أكثر من عامين لملء هذا المنصب، إلى أن انتُخب عون أخيراً في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ومنذ ذلك الحين، يتفاوض السياسيون على صيغ مختلفة، الأمر الذي أدى إلى بروز قانون جديد معقد يحافظ على مبدأ المناصفة 50-50 بين المسيحيين والمسلمين (64 مقعداً لكل منهما)، الذي اعتُمد بعد الحرب الأهلية، لكنه ينص على ضرورة انتخاب النواب وفقاً للتمثيل النسبي في أقضية أعيد تنظيمها (مقابل النهج الحالي المتمثل بحصول "الفائز على كل الغنيمة").
وحتى الآن لم يتم التوصل إلى وضع كافة تفاصيل هذا الاتفاق، لكن التقارير الأولية تشير إلى أنه سيجري تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية مع تخصيص مقاعد وفقاً لكل قضاء على أساس الانتماء الديني. وسيكون أمام الناخبين صندوقان - أحدهما للحزب والآخر للمرشح المفضل من لائحة الحزب. وستخصص المقاعد حسب النسبة المئوية التي تحصل عليها اللائحة، حيث يحدد الناخبون ترتيب اللائحة من خلال تصويتهم الثاني. وفي إطار الاتفاق، سيتم تمديد ولاية المجلس النيابي الحالي لفترة تصل إلى عام لإفساح المجال أمام إعداد الانتخابات وتثقيف الناخبين. وسيحلّ القانون الجديد محل ما يسمى بـ"القانون السوري"، وهو ترتيب استمر لعقود كان الناخبون غير المسيحيين يختارون بموجبه نحو نصف النواب المسيحيين في عدة أقضية، مما أضعف الصوت المسيحي.
العقوبات وغيرها من المشاكل
على الرغم من أن «حزب الله» استفاد من الفراغ الذي دام سنوات طويلة في السياسة اللبنانية، إلا أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عارض بشدة فراغ البرلمان في 2 أيار/مايو، محذراً من أن البلاد تقف على "حافة الهاوية". واستناداً إلى مقال نشرته صحيفة "الحياة" العربية اليومية في 4 حزيران/يونيو، لم يتمّ التوصل إلى الاتفاق الأخير إلا بعد اجتماع "حاسم" بين نصرالله ورئيس «التيار الوطني الحر» وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل. وتردد أن نصرالله استغل الاجتماع كفرصة لرسم المبادئ العامة للقانون الجديد. ولطالما أيّد «حزب الله» النظام النسبي، لذلك فإن الترتيب الجديد مناسب له. وعملياً، كان الحزب ليفضل دائرة واحدة لكي يعزز هيمنته السياسية، ولكن هناك أمور أكثر إلحاحاً تشغله في الوقت الراهن.
وتجدر الإشارة إلى أن «حزب الله» اضطر إلى فتح مقبرة كبيرة ثانية في ضاحية بيروت الجنوبية لاستيعاب أعداد "شهدائه" الذين سقطوا في سوريا. وكانت الضاحية مركز معارك مسلحة بين مجرمين - بعضهم مرتبط بـ «حزب الله» - وعناصر الشرطة. ومحلياً، تعتبر هذه الحوادث من أعراض تزايد الضغوط الاقتصادية على المجتمع الشيعي التي تُعزى ربما إلى تراجع سخاء إيران تجاه «حزب الله» أو إلى ازدياد العقوبات الأمريكية المفروضة على الحزب.
إن " قانون مكافحة تمويل «حزب الله» دولياً" الذي أصدرته واشنطن عام 2015 قد أثقل كاهل الميليشيا بشكل خاص، إذ عقّد نفاذها إلى القطاع المالي وفاقم الوضع الاقتصادي الصعب في المناطق ذات الأغلبية الشيعية والخاضعة لسيطرة «حزب الله» في لبنان. وتجدر الملاحظة أن «حزب الله» و«حركة أمل» الشيعية قلقان من أن يؤدي القانون الأمريكي الجديد - الذي يحمل اسم قانون مكافحة تمويل «حزب الله» دولياً - II" - إلى زيادة الأمور سوءاً. وتعود هذه المخاوف جزئياً إلى أنه قد يردع الاستثمار الأجنبي المباشر. وفي حزيران/يونيو 2016، تم استهداف تفجير واجهة أحد فروع "بنك لبنان والمهجر" في بيروت، وهو من أبرز المؤسسات المالية في البلاد. وفي حين لم تقع أي إصابات جراء الانفجار الذي حصل ليلاً، اعتُبر الحادث إلى حدّ كبير بمثابة طريقة غير متقنة استخدمها «حزب الله» لتحذير "المصرف المركزي" بألا يطمح كثيراً إلى تطبيق العقوبات الأمريكية.
وعلى الرغم من استياء البعض من عامة الشيعة من الصعوبات الاقتصادية في لبنان والعدد المرتفع من الضحايا الذين يسقطون في سوريا، يبدو «حزب الله» واثقاً من وضعه. فبفضل مساعدة الحزب، استعاد نظام الأسد قدراته على الهجوم في سوريا المجاورة بدعم من إيران وروسيا والميليشيات الشيعية العراقية. أما على المستوى المحلي، فقد تفاخر الحزب مراراً وتكراراً بسيطرته المستمرة على الجنوب وعلاقة العمل الممتازة التي تجمعه بعناصر الاستخبارات الوطنية التي تقف على نقاط التفتيش الممتدة على الطريق المؤدي إلى الحدود. فعلى سبيل المثال، نظم في نيسان/أبريل جولة لأكثر من 12 صحافياً من وسائل إعلام دولية على حدود لبنان مع إسرائيل. وفي أيار/مايو، سلّم عدداً كبيراً من مراكز مراقبة الحدود السورية التي كانت تحت سيطرته إلى الجيش اللبناني. وعلى الرغم من أن هذا التسليم السلس والمفاوضات الودية المستمرة حول المواقع الحدودية الأكثر حساسية قد يوحيان إلى ازدياد قدرات الجيش اللبناني، إلا أنهما يشيران أيضاً إلى ارتياح «حزب الله» من مستوى التنسيق مع الجيش والتواصل ومنع وقوع صدامات معه. ومن خلال تسليم المراكز الحدودية، بإمكان الحزب أن يحرر أعداداً إضافية من الجنود والموارد لسوريا و/أو الجنوب.
انفراج مسيحي سني؟
في الوقت نفسه، ربما تزداد مخاوف «حزب الله» بسبب الروابط المتنامية بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل». فحين كان عون يتولى منصب رئيس التيار في شباط/فبراير 2006، وقّع مذكرة تفاهم وحّدت الصفوف بين تياره و «حزب الله». لكن حين انتُخب رئيساً في العام الماضي، تلقى عون دعماً أقل ما يقال عنه أنه بارد من «حزب الله». وتماشياً مع المذكرة، واصل عون الدفاع عن امتلاك الحزب لأسلحة خارج سيطرة الدولة وعن أجندة "مقاومته" لإسرائيل. لكن في مسائل أخرى، قد لا يتمكن الحزب من الاعتماد على الجنرال المتمرد السابق. فعلى سبيل المثال، يُقال إنه خيب آمال هذه الميليشيا باختياره قائد الجيش اللبناني والكثير غيره من كبار المسؤولين في الجيش، بمن فيهم رئيس الاستخبارات العسكرية.
وفي غضون ذلك، جاء انتخاب عون بموافقة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري رغم التناحر الطويل الأمد بين حزبيهما. ويتردد أن رئيس «التيار الوطني الحر» الحالي جبران باسيل يقيم علاقة عمل وثيقة مع مستشار «تيار المستقبل» نادر الحريري، كما يظهر من مشاوراتهما اليومية، والعطل المشتركة لعائلتيهما، والتنسيق الكبير بينهما بشأن قانون الانتخابات، والصفقات التجارية المتنوعة [المبرمة بينهما] والتي وصفها بعض النقاد بأنها غامضة. ويبقى علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان هذا الانفراج سيستمر - وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كان سيساهم في تعزيز المصالح التجارية المشتركة أو إعادة تنظيم التحالفات السياسية الراكدة.
ويكمن تطور آخر مثير للاهتمام في تقارب عون الواضح من خصمه السابق قائد الحزب المسيحي «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وفي حين يستمر جعجع في انتقاده اللاذع لأعمال الفساد الهائلة التي يُزعم أن باسيل وراءها، إلا أنه أصبح يتقبّل رئاسة عون، مما عزّز احتمالات وجود كتلة مسيحية أكثر توحداً في الانتخابات النيابية المقبلة. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان هذا القبول عبارة عن تغيير استراتيجي طويل الأمد أو خطوة تكتيكية مؤقتة في نزاعه مع باسيل من أجل أن يخلف الرئيس الثمانينيّ الذي يُزعم أنه مريض. وعلى أي حال، فوفقاً لصحيفة "الحياة"ربما شكّل تدخل نصرالله في القانون الانتخابي بمثالة رسالةً "من العيار الثقيل" إلى «التيار الوطني الحر» مفادها أنه "لا يجب أن يذهب بعيداً جداً في تحالفاته الجديدة" سواء مع «تيار المستقبل» أو «القوات اللبنانية».
التداعيات على واشنطن
خلال السنوات القليلة الأخيرة، ركزّت السياسة الأمريكية تجاه لبنان على فرض عقوبات على «حزب الله» وتسليح الجيش اللبناني وتدريبه وتقديم المساعدة المالية للاجئين السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون لاجئ في لبنان. وفي حين أن هذه المقاربة محدودة من حيث النطاق، إلّا أنها نجحت نسبياً في منع حدوث تدهور أكثر حدة داخل البلاد - وعلى الرغم من تدفق اللاجئين ومشاركة «حزب الله» المستمرة في الحرب السورية، حافظ لبنان إلى حد كبير على استقراره وأمنه.
وفي الوقت نفسه، واصلت بيروت تقرّبها من إيران. وقد برز هذا المنحى جلياً خلال الأيام الأخيرة من ولاية إدارة أوباما، حين ضاقت السعودية ذرعاً من هذا الميل الملموس إلى طهران، وخفضت المساعدات التي تقدمها إلى لبنان، ونأت بنفسها عن سعد الحريري، حليفها السنّي الرئيسي في البلاد.
وفي الوقت الراهن، لا يزال المسار الذي ستتبعه السياسة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب غير واضح المعالم. ومن شأن مشروع ميزانية وزارة الخارجية لعام 2018 الذي قدمته إدارة الرئيس الأمريكي مؤخراً أن يمسح تمويلاً للجيش اللبناني وأن يخفض بشكل كبير المساعدات المقدمة للاجئين السوريين في لبنان. ومع ذلك، ثمة خطوات أخرى بإمكان الإدارة الأمريكية اتخاذها لتعزيز مصالح الولايات المتحدة في تلك البلاد. ومن شأن فرض المزيد من العقوبات التي تستهدف المصالح الاقتصادية لـ «حزب الله» في لبنان والخارج أن تفرض ضغوطاً أكبر على الحزب. كما أن زيادة تكاليف مشاركة «حزب الله» في سوريا من شأنها أن تزيد من صعوبات الحزب مع ناخبيه في البلاد. ومن ناحية أخرى، بإمكان الإدارة الأمريكية الاستفادة من علاقاتها المتجددة مع الرياض للتشجيع على سخاء سعودي أكبر تجاه سعد الحريري الموالي للغرب و«تيار المستقبل» الذي يرأسه. أخيراً، على الدبلوماسيين الأمريكيين في لبنان أن يحاولوا الاستفادة من أحدث المؤشرات على تحسّن الوحدة المسيحية والروابط السياسية السنّية-المسيحية. وبصرف النظر عن المسار الذي سيأخذه مسلسل القانون الانتخابي، فإن إعادة تنظيم التحالفات السياسية اللبنانية يمكنها أن تساعد إلى حدّ ما في الحد من هيمنة «حزب الله» وإيران.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.