- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2724
الرئيس الأمريكي الجديد والشرق الأوسط
"في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب جمال خاشقجي، جمانة غنيمات، ديفيد هوروفيتس، نورمان أورنستين، ودينيس روس منتدى سياسي في معهد واشنطن. وخاشقجي هو رئيس تحرير "قناة العرب الإخبارية" (السعودية). وغنيمات هي رئيسة تحرير صحيفة "الغد" (الأردن). وهوروفيتس هو مؤسس ورئيس تحرير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل". وأورنستين هو باحث مقيم في "معهد أمريكان إنتربرايز". وروس هو مستشار وزميل "ويليام دافيدسون" المتميز في المعهد. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
جمال خاشقجي
عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، تُعتبر مواقف دونالد ترامب متناقضة، لا سيما في ما يخص إيران. ففي حين أن السعودية قلقة حتماً حيال وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، إلا أنها أكثر قلقاً إزاء أفعال إيران الشيعية. وقد جاهر ترامب بعداوته لإيران، لكنه يقف أيضاً في صف بشار الأسد في الصراع السوري، مما يعزز في النهاية هيمنة إيران على المنطقة. وبالتالي، فإن السعودية محقةٌ في قلقها إزاء تسلُّم ترامب سدّة الرئاسة.
إن التوقُّع بأن تكون مواقف "ترامب الرئيس" مختلفة إلى حدّ كبير عن مواقف "ترامب المرشح" هي مجرد آمال زائفة في أحسن الأحوال. على السعودية أن تستعد لبعض المفاجآت التي قد تبرز على الأرجح على شكل خطابات سلبية تُصدرها إدارة ترامب. وفي نهاية المطاف، تحتاج المملكة إلى إقامة تحالف من الدول السنّية ليكون حصناً منيعاً في وجه ترامب إذا ما اتخذ مقاربةً معادية للسنّة.
جمانة غنيمات
يشكّل انتخاب ترامب انتكاسةً كبيرة للقضايا الإنسانية، وقد صدم فوزه الأردن تماماً كسائر دول العالم. لكن هذا لا يعني أن الخبر أثار استياء جميع الأردنيين: ففي الواقع، رحّب الكثيرون به رغم خطاباته المتعلقة بالمسلمين والنساء والأقليات. ومع ذلك، يتمثّل مصدر القلق الأكبر بأن عدداً كبيراً من الأسئلة التي نطرحها حول مقاربته إزاء الشرق الأوسط ستبقى دون إجابة حالياً لأنه يفتقر إلى الخبرة في السياسة الخارجية بكل ما للكلمة من معنى.
من الأسلم أن نقول أن مؤسسات أمريكية مثل "معهد واشنطن" ستستمر في الحفاظ على قدرتها على التأثير في قرارات ترامب الخارجية. لكن إحراز تقدّم في قضايا على غرار الصراع الفلسطيني يبدو بعيد المنال؛ وعلى الرغم من أنه سيكون هناك دائماً أمل في وضع حد لهذا الصراع، من المستبعد جداً أن يبذل ترامب جهوداً من أجل السلام، وحقوق الإنسان، والمساواة في أي بلد، ناهيك عن منطقة الشرق الأوسط.
وبغض النظر عن كل ذلك، تبدو استمرارية العلاقات بين الولايات المتحدة والأردن مؤكّدة. ففي نهاية المطاف، يتوقّع الأردنيون أن تبقى العلاقة مستقرة، ونظراً إلى التاريخ الطويل بين البلدين، يأمل الكثيرون أن تصبح الروابط الثنائية أكثر وثوقاً.
ديفيد هوروفيتس
لا يثق الإسرائيليون كثيراً بالاقتراع، لذلك لم تأت نتائج الانتخابات كمفاجأة لهم. لكن بخلاف الأردنيين، كان الإسرائيليون سيصوتوا لصالح هيلاري كلينتون بفارق 15 في المائة وفقاً لبعض التقارير. وعموماً، يأمل الإسرائيليون أن يجمع الرئيس الأمريكي ثلاث سمات: التعاطف، والإدراك الجيد لمحاور الشر في المنطقة، والموثوقية المضمونة كحليف (عسكري). وفي حين أظهر ترامب تعاطفاً صادقاً مع إسرائيل والمصاعب التي تواجهها في الشرق الأوسط، لم يتمّ بعد اختبار العامل الأخير، أي أن يكون حليفاً يمكن التعويل عليه.
كما أن إسرائيل على خلاف مع الرئيس أوباما حول نقطتين أساسيتين يمكن لترامب الاستفادة منهما: الاتفاق [النووي] الإيراني والصراع الفلسطيني. وعلى الرغم من أن ترامب لم يدلِ بأي تصريحات بشأن الصراع الفلسطيني، وأن شرعية رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، فلم تعُد هذه النقطة بالنسبة للإسرائيليين بنفس خطورة الاتفاق النووي مع إيران - وهي صفقة انتقدها ترامب مراراً وبشكل صارخ. ورغم أن الإسرائيليين يرغبون في رؤية القيادة الأمريكية في الخارج، لا تزال بعض الضبابية تحيط بمسائل الأمن الوطني الرئيسية بالنسبة لهم، ما يؤدّي إلى انحراف الأمور عن مسارها بعض الشيء.
ويستعدّ الكثيرون في الحكومة الإسرائيلية، والمعارضة مثل زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ، إلى الاستفادة من انتصار ترامب. أما بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فالأمور ليست كلها على خير ما يرام كما قد يعتقد المرء. فرغم أنه يفهم المسائل الحساسة في المنطقة ويرى ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، إلا أن اليسار واليمين على حدٍ سواء ينتقدون سياساته الاستيطانية (ولو لأسباب مختلفة جداً). ونظراً إلى عدم ممارسة إدارة أوباما ضغوطاً للحدّ من أنشطة الاستيطان، فإن برنامج ترامب اليميني قد يزيد من دعمه لليمين الإسرائيلي، الذي شكّل عائقاً أمام المناورات السياسية الوسطية لنتنياهو.
نورمان أورنستين
استحوذ برنامج ترامب المرتكز على "عدم الثقة بواشنطن" بوضوح على عقول أعداد كبيرة من الأمريكيين، وقد عزا الكثيرون منهم سبب ذلك إلى الشعبوية الغاضبة والتعصّب الحزبي. وفي حين اشتكى المواطنون بشكل واضح من مسائل على غرار تفاوت الثروات، وقانون أوباما للرعاية الصحية، وفرص العمل المحدودة، كان انحيازهم الحزبي السلبي إلى حدّ كبير مجرد ردة فعل: وكأنهم قالوا من خلال تصويتهم "نحن نكره الجانب الآخر".
وفضلاً عن مهارة ترامب في المناورة بالموجة المناهضة للسلطة الحاكمة، أتقن مؤيدوه الجمهوريون دورهم في اللعبة، فضمنوا لأنفسهم السلطة على مجلسي النواب والشيوخ. وبات تعيين القضاة في "المحكمة العليا" من صلاحية حكومة جمهورية موحدة، مما سيؤثّر على السياسة الاجتماعية على مدى السنوات العشرين إلى الثلاثين القادمة. وفي نهاية المطاف، ستكون النتيجة أشبه بوصول فريق يفتقر إلى الخبرة والدراية للمضي قدماً.
إذاً ما هي أفضل وأسوأ السيناريوهات المحتملة؟ نأمل أن تسير خطة ترامب الخاصة بالبنية التحتية على قدم وساق، حيث قد يتمّ استحداث وظائف للمجتمعات ذات الدخل المنخفض. ويبدو أيضاً أنه يرغب في استبدال قانون أوباما للرعاية الصحية بنموذج آخر منه وربما حتى توسيع نظام الرعاية الصحية الوطني. لكن بشكل أساسي تواجه أمريكا احتمال بروز نظام حكم فاسد [أو ما يسمّى بدولة اللصوص]، وهو ما أكّده رفض ترامب التصريح علناً بأنه سيضع كافة أصول ممتلكاته المالية في صندوق يدير الأمانات من دون إبلاغ صاحبه بسير الأمور أو بالاستثمارات. فما الذي سيحصل عندما يتعين عليه اتخاذ قرار جدي يؤثّر على أمواله الشخصية ومستقبل الولايات المتحدة على حدّ سواء؟
وقد أذكى ترامب أيضاً خطاب "الحرب على الإسلام"، وقد يؤدّي تنامي الخوف من الإسلام وكراهيته (المعروف بـ "الإسلاموفوبيا") الناتج عن ذلك إلى ازدياد تعذيب المسلمين الأمريكيين وفرض الحظر عليهم، والتفجيرات العشوائية في الشرق الأوسط - وجميعها أمور قد تفاقم مشكلة الإرهاب الدولي. وعوضاً عن ذلك، قد يميل ترامب إلى إسناد سياساته الخاصة بالشرق الأوسط إلى روسيا.
دينيس روس
لا يملك المجتمع الدولي أدنى فكرة حول ما يمكن توقّعه من ترامب، وتُعتبر هذه الضبابية الدبلوماسية تجربة مهينة في أحسن الأحوال. فعلى ترامب أن يطمئن حلفاء الولايات المتحدة قبل أن يستلم سدة الرئاسة؛ إذ إن التطمينات والتعهدات تكتسي أهمية مميزة في الأوقات الصعبة المماثلة لتلك التي نشهدها حالياً. فحلف شمال الأطلسي ("الناتو)" مهم، وهو الأمر بالنسبة للدول العربية السنّية. ونظراً إلى أن أحد أهداف ترامب القليلة الواضحة يتمثل بتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية»، فمن الضروري للغاية إشراك المملكة العربية السعودية ودول مماثلة في تحقيق هذا الهدف، حيث لا يمكن تجريد إيديولوجية التنظيم من مصداقيتها من دون هذه الدول.
وسيكون التودّد إلى روسيا جيداً من الناحية النظرية إذا كانت العلاقة متبادلة. لكن إذا أراد ترامب استمالة السنّة إليه، سيحتاج إلى توخي الحذر في تعامله مع الموضوع السوري. وحالياً، تبدو روسيا عازمةً على إخضاع شرق حلب عبر إمطارها بالقصف، ومن شأن أي حملة مماثلة أن تؤدّي على الأرجح إلى نزوح نحو 100 ألف لاجئ إضافي خلال الأسابيع القادمة. وبالتالي، عندما يتم تنصيب ترامب في كانون الثاني/يناير، فقد يكون في موقع جيد للدعوة إلى وقف إطلاق النار وإقامة روابط دبلوماسية - أي تمهيد الطريق بشكل أساسي أمام عودة الأسد إلى السلطة [الكاملة في سوريا]. وإذا كان هذا ما يصبو إليه فعلياً، عليه أن يُطلع موسكو بأن الولايات المتحدة ستردّ على ما يقوم به الأسد إذا واصل سجله الرهيب في مجال حقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، تدرك روسيا أن عدم إطاعة القواعد العالمية سيؤدي إلى فرض عواقب وخيمة.
وفي حين أعرب ترامب مراراً عن رغبته في عدم التدخل في شؤون الشرق الأوسط، غالباً ما يغيّر المرشحون مواقفهم عندما يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة لدى استلامهم سدّة الرئاسة. لكن النتيجة النهائية لأي أزمة إقليمية ستتوقّف إلى حدّ كبير على أعضاء الحكومة والمستشارين الذين يحيطون به. ومهما كان عليه الحال، نظراً إلى وضع المنطقة الراهن - حيث يبقى الفلسطينيون منقسمين أكثر من أي وقت مضى، ويميل الإيرانيون نحو التوسّع الإقليمي، في حين يجد السعوديون أنفسهم في قلب "ثورة مقنّعة بوجه الإصلاح الاقتصادي" - يحتاج الحلفاء التاريخيون للولايات المتحدة في إسرائيل والدول العربية السنّية الآن إلى أمريكا قوية أكثر من أي وقت مضى.
أعد هذا الموجز عمر الحاشاني.