- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2927
رسم الطائفية في الحرب السورية
"في 6 شباط/ فبراير، خاطب فابريس بالونش وأندرو تابلر منتدى سياسي في معهد واشنطن. وبالونش هو مدير أبحاث في "جامعة ليون 2" وزميل زائر في "مؤسسة هوفر". و تابلر هو زميل "مارتن جي. غروس" في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. ومَثّل هذا الحدث نشر دراسة جديدة لبالونش من قبل المعهد بعنوان "الطائفية في الحرب الأهلية السورية: دراسة جيوسياسية". وفيما يلي موجز المقرر لملاحظاتهما".
فابريس بالونش
لن يسقط الرئيس بشار الأسد بسهولة بسبب النزعة الطائفية المتجذرة التي يتسم بها نظامه. فقد تبيّن أن الفكرة القائلة إن سوريا ستحذو حذو تونس خلال "الربيع العربي" أو الجزائر خلال انتفاضتها ما هي إلا وهم، إذ أن هذا النوع من التغيير مستحيل لأن المجتمع مجزّأ إلى حدٍ مفرط ما بين الطوائف والطبقات الاجتماعية الاقتصادية. إنّ الثورة لم تكن ديمقراطية حقاً، حتى أنها كانت مناهضة للعلويين ومعادية للشيعة في بعض المناطق. واليوم تكتسب الولاءات الدينية والعشائرية أهمية تفوق تلك التي تتمتع بها الهوية القومية السورية.
وبطبيعة الحال، إن الطائفية ليست ظاهرة جديدة في سوريا. فالعثمانيون كانوا أوّل من قسّم المجتمع السوري على أسس طائفية، واستعان آل الأسد بهذه التقسيمات نفسها لحكم البلاد منذ سبعينات القرن العشرين. ولطالما عيّن الرئيس بشار الأسد أبناء العشائر وإخوانه من الأقلية العلوية في مناصب رئيسية، في حين وازن إدارته بشخصيات معينة من الأغلبية العربية السنية. ويتركز العلويون داخل المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، مما يفسّر سبب استغراق الأمر وقتاً طويلاً قبل انفجار الوضع في البلاد. وعندما اندلعت الحرب في عام 2011، كان العلويون يشكلون قرابة السبعين في المائة من موظفي الدولة، وقد حال الأمان الذي شعروا به خلال وجود الأسد في السلطة دون انضمامهم إلى المعارضة. وعندما كان النظام ضعيفاً في المراحل الأولى للحرب، اقتصرت المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد على معاقل الأقليات وخاصة دمشق، حيث لم يتمكن المتظاهرون - الذين كانوا بمعظمهم من السُّنة في البداية - من اختراق الطوق الطائفي الذي يحيط بالمدينة.
وفي المقابل، تتجلى الانقسامات الطائفية في البلاد في جغرافيتها. فالنصف الشرقي من سوريا، بخلاف نصفها الغربي، لا يزال يفتقر إلى التنمية والتطور لأن الأسد لم يبذل الكثير من جهود التنمية الحكومية فيه. أما في الجنوب، فيتألف سكان درعا بمعظمهم من السنة وبعض المسيحيين، ولذلك تدنت فيه مستويات العنف الطائفي، فالتظاهرات التي انطلقت من درعا توقفت عند جبل الدروز حيث بقي معظم السكان موالين للأسد. وفي وقت لاحق، أصدر التظيم الجهادي للعرب السنة المعروف بـ «هيئة تحرير الشام» حكماً بالإعدام على الدروز الذين انضموا إلى المعارضة، ليعطي بذلك العبرة بأن الولاء للطائفة هو الأهم وأن الخيار الآخر الوحيد المتوفر هو مغادرة سوريا.
فضلاً عن ذلك، لعبت الانقسامات الاجتماعية والعشائرية دورها في الحرب، وحلب هي خير مثال عن الصدوع الاجتماعية. فالطبقتان العليا والمتوسطة من سنّة المدينة لم تدعما حركة المعارضة التي نشأت في صفوف الطبقة الدنيا من السنة. وفي الواقع، سارع أثرياء السنة في غرب حلب إلى الإعلان عن ولائهم للنظام خوفاً من اندلاع انتفاضة. وعلى النحو نفسه تميل العشائر السورية إلى دعم أي جانب يبدو أكثر احتمالاً للفوز. وقد اتَهمت المعارضة العشائر بموالاتها للنظام، وهو اتهام صحيح.
وفي الوقت الراهن، يشعر السكان العرب في شمال سوريا وشرقها باستياء خاص من «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي الذي أطاح بالقيادة العشائرية واستحوذ على العديد من المناطق وتجاهل إلى حد كبير توصيات المجالس القبلية في منبج وغيرها من البلدات. وحتى في الرقة، تلك المدينة التي لا يوجد فيها عدد كبير من السكان الأكراد، أصبحت إشارات الطرق المكتوبة بالعربية تشمل حالياً كتابة باللغة الكردية، بينما يرأس المجالس مسؤولون أكراد. ويبدو أن قادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» يعتقدون أن من واجبهم تعليم العرب أسلوب الحكم السليم، ويتعاملون مع احتلالهم على أنه مشروع "تحوّل ديمقراطي". ومع ذلك، فإن الوضع مستقر الآن لأن القوات الكردية توفّر الأمن في المنطقة.
ومن ناحية الأزمة في عفرين، فإن العديد من المقاتلين العرب في «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد لن يرغبوا في خوض المعارك هناك إذا طُلب منهم ذلك. فقد انضموا إلى تلك القوات للحصول على الرواتب، وليس بدافع أي شعور بالواجب. وحالياً ينتظر الأسد منهم ومن السكان العرب الآخرين رفض الزعامة الكردية، آملاً استغلال هذا الشرخ الطائفي قبل أن يحاول ضمان سيطرته على شمال البلاد.
وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في البقاء في سوريا، عليها استثمار جهودها في إرساء الاستقرار وإعادة الإعمار في جميع المناطق التي يسيطر عليها حلفاؤها. وفي الوقت الراهن، لا يمكن رؤية أي مساعدات من "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" في منبج أو الرقة على الرغم من الوضع الاقتصادي المذري فيهما. من هنا يجدر بواشنطن أن تضع مشروعاً اقتصادياً على نسق "مشروع مارشال" لإعادة إعمار سوريا - على ألا يفضّل هذا المشروع طائفة على أخرى، إنما يؤدي دور الوسيط بينها. يتعيّن على الولايات المتحدة الانخراط بصورة أكثر في الشمال والاستعداد بصورة أكبر لمواجهة التدخل الإيراني، وإلا انتهى أمر الأكراد. وإذا سادت الظروف الحالية، من الممكن أن يصل الجيش السوري إلى منبج قبل نهاية العام.
ومن جانبها، تواصل طهران بناء الطرق عبر الأراضي العراقية والسورية. إذ تجيد إيران استغلال الأقليات الشيعية والمحلية الأخرى من أجل منع الغالبية السنية من فرض سيطرتها، حتى أنها قد تكون مستعدة لمساعدة أثرياء السنة السوريين في الوصول إلى الأسواق العراقية.
وفي المقابل، لدى روسيا طرف مفضّل واضح وهو العلويون. وقد قرر الكرملين إنشاء قاعدة جوية جديدة على أراضيهم. لكن موسكو لا تزال تمارس اللعبة الطائفية مع الأكراد، لأن إبقاء «حزب الاتحاد الديمقراطي» شبه حيّ وناشط يمكن أن يساعد في الحفاظ على الضغط على تركيا. وبالمثل، لا يبدو أن العرب في البلدات الشمالية الغربية يرحبون ترحاباً حاراً بتدخل أنقرة وينظرون إلى القوات التركية من المنظار نفسه الذي ينظرون به إلى «الجيش السوري الحر». وبما أن منبج عرفت أسوأ أيامها في عهد «الجيش السوري الحر» حيث انعدم وجود الكهرباء ولم يَسُد القانون، فمن المرجح أن يتريث العرب هذه المرة حتى الإعلان عن الفائز.
أندرو تابلر
تُظهر الخرائط كيف استخدم نظام الأسد استراتيجية "فرّق تَسُد" للتمسك بزمام السلطة. وخلافاً للمحللين الروس ووسائل الإعلام الروسية، لم يقر المراقبون الغربيون بأهمية الفسيفساء الطائفية في البلاد واعتبروها غير جوهرية. ومع ذلك، استخدم النظام هذا العامل بالذات لتغيير مجرى الحرب واستعادة معظم الأراضي التي خسرها.
وطوال تلك الفترة حظي الأسد بفرصٍ عديدة من الولايات المتحدة. فقد تخلت واشنطن عن خطها الأحمر الخاص بالأسلحة الكيميائية، ولم تُقدّم سوى دعم ضيق لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، بينما كانت إيران وروسيا تدعمان النظام بقوة. وكان هذا الدعم الخارجي المحرك الرئيسي لاستراتيجية الأسد وتقدمه العسكري - وهذا عاملٌ لا تجسده تماماً الخرائط التي تبين هيمنة النظام، والتي غالباً ما تفشل في التمييز بين المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من إيران وغيرها من الجهات الفاعلة من غير الدول، والمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري.
ويكمن سر نجاح إيران في قدرتها على دعم الدول المتداعية. وفي الواقع أن طهران ووكلاءها يتحلون بمهارات عالية في هذا المجال، ولذلك سيتوجب على واشنطن تقديم المساعدات لمناطق سوريا الشمالية إذا ما أرادت من السكان المحليين أن يروا في أمريكا بديلاً مقبولاً عن إيران. لكن أي خطة من هذا القبيل ستنطوي على تحديات هائلة. فمساحة الأراضي التي يستحوذ عليها النظام في الوقت الراهن تفوق تلك التي توقع الغرب في الأصل أن يستعيدها النظام، والتقسيم الفعلي في سوريا أصبح أمراً واقعاً لا محالة.
أعد هذا الملخص جاكسون دورينغ.