- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2379
التعامل مع اتفاق نووي إيراني سيئ
من المرجح أن توافق قريباً إدارة الرئيس الأمريكي أوباما وباقي أعضاء «مجموعة الخمسة زائد واحد» على اتفاق لفترة محدودة مع إيران يهدف إلى منح فترة إنذار لحوالي سنة واحدة قبل أي تجاوز لعتبة قدرات الأسلحة النووية، وهي صفقة ستعتبرها إسرائيل والعديد من الدول الإقليمية الأخرى انتصاراً للجمهورية الإسلامية وخطراً على الجميع في نهاية المطاف. وفي هذه الحالة، من المرجح أن تواجه الإدارة الأمريكية أزمة متعددة الأوجه مع إسرائيل وحلفاء آخرين، ومع الكونغرس، ومع إيران التي لا تزال مبهمة النوايا. فعلى الرغم من الضجة في الخطابات التي لا مفر منها من قبل جميع الفرقاء، إلا أن الوضع خطير للغاية لكي يُنظر إليه من نطاق حزبي، إذ يتطلب تفكيراً جدياً بما يجب القيام به وما يجب الامتناع عنه. وهناك مكوّنان يتطلبان اهتماماً خاصاً هما: النتائج المترتبة عن الاتفاق النووي، والذي تم تسريب ما يكفي من التفاصيل عنه لتوفير صورة واضحة إلى حد كبير، والنتائج المترتبة عن اهتمام البيت الأبيض وإيران الممكن في إقامة علاقة ثنائية أفضل، الأمر الذي قد تعتبره الإدارة الأمريكية عامل استقرار محتمل للمنطقة حتى ولو لم ينظر إليه أي طرف آخر من هذا المنظار.
العقد شريعة المتعاقدين
إذا وقعّت الإدارة الأمريكية اتفاقاً مع إيران، لن يكون بإمكان الكونغرس أو الحلفاء الإقليميين اتخاذ خطوات تُذكر لإجبارها على التراجع. حتى إنه لا يجب على أي طرف أن يحاول القيام بذلك. فالولايات المتحدة تعتمد على حيز محدود من القانون الدولي وعلى العلاقات السلسة مع الأطراف الدولية الرئيسية لإدارة نظام الأمن العالمي الذي يحمينا جميعاً. وبمجرد أن تدخل أي إدارة في اتفاق دولي، لا سيما مع دول هامة مثل شركاء من «مجموعة الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا)، تبرز حجج مقنعة للتمسك بهذا الاتفاق إلا إذا تم خرقه.
وفي حين أنه لا بد من استشارة الكونغرس بشأن أي اتفاق، يمكن للإدارة الأمريكية و «مجموعة الخمسة زائد واحد» رفع عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران ضمن نطاق سلطتها الخاصة، في حين يمكن للرئيس أن يتذرع بـ "قانون إقرار الدفاع الوطني" لعام 2012 من أجل التنازل عن العقوبات الأمريكية الأكثر أهمية أو تعليقها، أي تلك المتعلقة بمعاقبة أي بلد ثالث يشتري النفط الإيراني، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وعلى ما يبدو، سيتم تخفيف العقوبات بشكل تدريجي في الاتفاق المقترح، لذلك من المفترض أن يكون التنازل الرئاسي عن العقوبات بدلاً من إلغاء الكونغرس النهائي كافياً لإيران في البداية. أما بالنسبة إلى العقوبات الأمريكية الأخرى، أي التي تتعلق بشكل رئيسي بالتجارة الثنائية، فإنها تتطلب موافقة الكونغرس لرفعها ومن غير المرجح أن يتم تعليقها في أي وقت قريب، حيث إنها فرضت بسبب دعم إيران للإرهاب وبسبب أنشطتها النووية على حد سواء. مع ذلك فإن هذه التدابير لا تلحق الضرر بإيران بشكل بارز، لذا قد يقبل النظام بتأجيلها. وباختصار، لن يتطلب الأمر تأييد الكونغرس الفاعل للتوقيع على اتفاق نووي وتنفيذه، على الأقل خلال فترة إدارة أوباما.
وبالطبع يمكن للكونغرس الأمريكي اتخاذ الإجراءات اللازمة لنسف الاتفاق، إما من خلال عقوبات جديدة أو عن طريق تجريد الرئيس من سلطة التنازل. إلا أن هذا سيشكل خطأً فادحاً. فعلى الرغم من أنه يمكن للرئيس الأمريكي أن يستخدم حق النقض على هذه الإجراءات أو، في حال تمريرها برغم إرادته، المراوغة في الامتثال، إلا أن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يثير الشكوك حول ما إذا كان الاتفاق سيصمد في عهد الرئيس المقبل. وحتى لو تم حل هذه الأزمة، فإنها ستدمر السلطة السياسة الخارجية الأساسية لكل رئيس. بالإضافة إلى ذلك، إذا سعى الكونغرس إلى إلحاق الضرر بإيران من خلال فرض عقوبات جديدة، فسيتعين عليه استهداف تجارة النظام وتداولاته المالية مع أي دولة ثالثة. يُذكر أن استعداد تلك الدول لدعم القانون الأمريكي خارج الحدود الإقليمية قد استُنزف عبر "قانون إقرار الدفاع الوطني"، ومن شبه المؤكد أنها ستقاوم عقوبات جديدة عندما يُنظر إلى إيران باعتبارها ممتثلة.
خيارات الكونغرس
ماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل بعد ذلك لتوليد الثقة في مثل هذا الاتفاق، سواء في الداخل أو في الخارج؟ في مقال نشرته مؤخراً صحيفة "واشنطن بوست"، وضع دينيس روس خطوات معقولة لتعزيز الثقة. إلا أن المشكلة تكمن في أن هذه الإدارة قد لا تتبع هذه الخطوات. لكن بإمكان الكونغرس اتخاذ خطوات خاصة به ستؤخذ على محمل الجد، نظراً إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
أولاً، يمكن للكونغرس مراجعة الاتفاق بعد التوصل إليه، كما يمكنه أن يُبقي على العقوبات المعلّقة أو التي تم التنازل عنها إلى أن يرضى عن الشروط أو عن امتثال إيران.
ثانياً، يمكنه أن يدرس عن كثب مسألة تنفيذ عملية عسكرية ضد إيران. وعلى الرغم من أن سياسة البيت الأبيض المعلنة تقوم على إبقاء كافة الخيارات على الطاولة، إلا أن مصداقيته محدودة لأن الإدارة الأمريكية لا تنفك تصف أي عمل عسكري أمريكي بـ "الحرب"، وذلك عمداً من أجل إثارة المخاوف حول الغوص في مستنقع جديد شبيه بما حصل في العراق. من الواضح أن أي هجوم على إيران سيكون أكثر خطورة اليوم من الصراع الأخير الذي دار ما بين العامين 1987 و 1988، ولكن من شبه المؤكد أنه لن يشمل قوات أمريكية على الأرض، أي السبب الرئيس للضحايا والتكاليف والمخاطر. وبينما تميل الإدارة الأمريكية إلى التشديد على قدرات إيران الهائلة غير المتكافئة في أي سيناريو للصراع، بما في ذلك الارهاب والهجمات الصاروخية على إسرائيل، يتجاهل هذا التركيز "هيمنة التصعيد" الأمريكية البارزة والقدرة المترتبة على الرد على الأوتار الحساسة في القيادة والبنية التحتية الإيرانية. ومما يدعو للتساؤل أيضاً، الحجة القائلة بأن الفائدة من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية شبه معدومة لأنه من المفترض أن يقوم النظام بإعادة البناء بسرعة ليكون بعد ذلك أكثر حماسة لبلوغ الأسلحة النووية، ففي عهد الرئيس العراقي صدام حسين، على سبيل المثال، ضربت الولايات المتحدة وإسرائيل العراق مراراً وتكراراً إلى أن تخلى في النهاية عن سعيه إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي، فإن النتيجة من كل ذلك هي أن "عصا" الجيش الأمريكي كانت حتى الآن تردع الولايات المتحدة بدلاً من إيران.
ثالثاً، كما يقترح دينيس روس، بإمكان الكونغرس أن يمنح الإدارة الأمريكية إذناً مسبقاً باستخدام القوة إذا خاضت إيران سباقاً على امتلاك قدرات الأسلحة النووية. ومن شأن ذلك أن يعزز مصداقية الولايات المتحدة ويعطي طهران سبباً وجيهاً للالتزام بالاتفاق.
حجة الصين
برزت مجموعة كبيرة من الأدلة الظرفية التي تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تأمل في استخدام الاتفاق النووي كوسيلة ضغط من أجل "قلب" إيران إلى دولة "الوضع القائم" أو حتى إلى شريك في تعزيز الاستقرار. وخلافاً لما هو الحال في اتفاق نووي، لم يُذكر أي التزام للإدارة هنا، كما أن استراتيجية الأمن القومي التي نُشرت مؤخراً لا تُعالج هذا الاحتمال. لكن الإدارة الأمريكية كانت تلمح بقوة إلى هذه النية، وذلك كما أوضح المسؤول الأمريكي السابق مايكل دوران في مقال له نُشر في مجلة "موزاييك" في 2 شباط/فبراير.
وبالطبع، من شأن مقاربة مماثلة أن تؤدي إلى حدوث تحول كبير في بنية الأمن الإقليمي: نحو الأفضل إذا دعمت إيران النظام الدولي، ونحو الأسوء بشكل مأساوي إذا قامت إيران بعد تخفيف القيود المفروضة عليها بمتابعة هيمنتها من دون تصدٍ أمريكي. وبالتالي، ينبغي أن يكون الرهان الذكي على هذه الإمكانية الثانية. في كتابه الذي صدر عام 2012 تحت عنوان "الأزمة النووية الإيرانية"، رأى حسين موسويان - إيراني معتدل قريب من الرئيس الإيراني حسن روحاني - أن أي انفراج في العلاقات مع واشنطن يجب أن يتضمن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والعراق والخليج العربي، وإيقاف شحنات الأسلحة الأمريكية إلى دول الخليج، و"إضعاف" إسرائيل، وترتيب الأمن الإقليمي ليكون مساوياً للهيمنة الإيرانية. إن وجهات النظر هذه غير مستغربة نظراً لأن طهران تسعى حالياً نحو هذه المقاربة ذاتها في جميع أنحاء المنطقة.
ويشير التاريخ الحديث للدول الأخرى الراغبة في أن تفرض هيمنتها على الصعيد الإقليمي إلى المشهد نفسه، من روسيا في عهد بوتين مروراً بالعراق في عهد صدام حسين وصولاً إلى صربيا في عهد ميلوسيفيتش. حتى إن الصين، التي تشكل النموذج المفترض عن نجاح عملية "القلب"، تُصنف للأسف في هذه الفئة. وقد كانت مناورة الرئيس نيكسون لحشد دعم أمريكا والصين في وجه الاتحاد السوفياتي بعد نهوضه، عظيمة من الناحية التكتيكية، ولكن من الناحية الاستراتيجية تُظهر النتائج عكس ما توصلنا إليه سابقاً، إذ لم يتم إقناع الصين بأن تلعب دوراً ليبيرالياً في الوضع الراهن، وهي حقيقة تصبح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى مع نمو قوتها.
والمفارقة هنا أن الحجج التي يقدمها العديد من الخبراء والتي تحفز على انفراج في العلاقات مع إيران تبدو مشابهة لتلك التي قدمها "أولئك الذين كانوا ملمين بالوضع في الصين"، والتي تبدو غير صحيحة في يومنا هذا. ووفقاً لهذا المسار من التفكير، لو كانت إيران هي الصين، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») هو الاتحاد السوفيتي الذي تأمل واشنطن التحالف ضده. إنه أمر غير منطقي لأن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يشكل تهديداً مقارنة مع الاتحاد السوفياتي، وبصرف النظر عن تشجيع الحكومة العراقية، لا يمكن لإيران أن تقدم أية مساهمة في محاربة التنظيم الجهادي. وأحد أسباب ذلك، أن مبادئ النظام الدينية تشبه مبادئ الارهابيين الذين ستقاتلهم، كما أشار هنري كيسنجر في كتابه "النظام العالمي" الصادر في عام 2014. ثانياً، إن أي محاولة إيرانية لمحاربة المسلحين السنّة في أراضيهم ستؤدي إلى وقوع انقسام في صفوف التحالف الذي يهدف إلى مكافحة «داعش»، ومن المرجح أن يشعل ذلك نيراناً إقليمية بين السنة والشيعة.
ما الذي يجب فعله حينئذ حيال هذه الرغبة الواضحة من قبل الإدارة الأمريكية في التشارك مع إيران؟ وإن لم يكن هذا هو هدف الرئيس، بإمكانه التخفيف من القلق عبر احتواء إيران بشكل أكثر فعالية على الصعيد الإقليمي، الأمر الذي من شأنه أن يعزز أيضاً من الدعم الموجه للاتفاق النووي. لحسن الحظ، حتى لو كانت نيته تقوم على التشارك مع طهران، فستكون فرصته ضئيلة لتنفيذ ذلك في الوقت القصير المتبقي له في منصبه. وعلى عكس التواصل مع الصين، فالحماسة الشعبية أو السياسية لمثل هذا الترتيب مع إيران محدودة جداً، كما أن الإدارة لم تبدأ بعد بإقناع الرأي العام بإمكانات طهران المزعومة باعتبارها عامل استقرار. وحتى مؤيدي أوباما الذين يمكن الاعتماد عليهم عادة، أظهروا شكاً في هذا السياق، مثل يوجين روبنسون في افتتاحية له في صحيفة "واشنطن بوست" في 26 شباط/فبراير.
إذا كان الرئيس الأمريكي بطريقة أو بأخرى على صواب حول الشأن الإيراني، عندئذ يفترض أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستدرك ذلك وتعزز من جهوده. ولكن، إذا واصلت إيران أساليبها المزعزعة للاستقرار، فإن الإدارة المقبلة ستبقى تتمتع بالأدوات لاحتوائها مرة أخرى، على الرغم من وهن مصداقية الولايات المتحدة. وقد لا تكون هذه المنهجية الأخيرة الطريق الأكثر بطولية لمعارضي سياسة الإدارة الأمريكية، ولكنها تشمل عاملاً إيجابياً يكمن في الاعتماد على الديمقراطية وعلى "الصبر الاستراتيجي" الذي غالباً ما يشيد به الرئيس أوباما بغية تصحيح الأخطاء الفادحة.
جيمس جيفري هو زميل زائر متميز في زمالة فيليب سولوندز في معهد واشنطن.