- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الانتخابات في مصر (الجزء الأول): «حزب النور» يتخذ موقفاً دفاعياً
في الوقت الذي تَقرر فيه مبدئياً إجراء الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في 17 تشرين الأول/أكتوبر، يصوّر «حزب النور» نفسه على أنه صوت الإعتدال وأفضل ممثل للدفاع عن المصالح الشعبية في البلاد. وهذا «الحزب» هو أكبر فصيل سلفي في مصر والحزب الديني الوحيد المشارك في الاقتراع. وهذه المقاربة هي استجابة لتصاعد التدقيق من قبل الحكومة والجمهور في أعقاب الهجمات الإرهابية المحلية التي وقعت على نطاق واسع في الآونة الأخيرة.
وكانت سلسلة من الانفجارات قد هزت القاهرة في الأشهر الأخيرة، من بينها هجوم بسيارة مفخخة في 29 حزيران/يونيو أسفر عن مقتل المدعي العام هشام بركات، وانفجار سيارة مفخخة أمام السفارة الإيطالية في 11 تموز/يوليو، وتفجير سيارة بالقرب من مبنى أمن الدولة في حي شبرا في 20 آب/أغسطس. وقد وقعت هذه الهجمات على خلفية الإجراءات الواسعة الانتشار المدعومة من قبل الحكومة والتي تستهدف الحد من تأثير السلفية الإيديولوجية في المجتمع، لا سيما المكانة البارزة التي يتمتع بها «حزب النور».
وكانت أحدث هذه الإجراءات وأشهرها هي "قانون مكافحة الإرهاب" الذي أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي في 16 آب/أغسطس، وأثار جدلاً في جميع أنحاء البلاد في أعقاب التفويض المطلق المُتصوّر الذي قد يمنح الحكومة [في الإجراءات التي تتخذها] لقمع المعارضة بسبب التعريف الغامض لمفهوم "النشاط الإرهابي " الوارد فيه. وجاء هذا التشريع بعد مرور ما يقرب من شهر من الحظر الذي فرضه السيسي على تداول عدة نصوص سلفية في المساجد في مصر.
وفي غضون ذلك، شنت جماعات دينية ومكونات شعبية هجمات متزامنة على «حزب النور». ففي أوائل آب/أغسطس، قام المحامي البارز سمير صبري ونشطاء آخرين مناهضين للإسلاميين مثل حمدي الفخراني من حركة "تمرد" بتدشين حملة [شعبية باسم] "لا للأحزاب الدينية" ومقرها الإسكندرية، والتي يتمثل هدفها المعلن بحل هذه الأحزاب. وفي الشهر نفسه، أعلن المتحدث الإعلامي باسم الجماعة، دعاء خليفة، أن "«حزب النور» هو الامتداد السياسي للدعوة السلفية، والدعوة السلفية هي التي ولدت تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»". وفي وقت سابق من هذا الشهر، مارست الجماعة الضغط على وزارة الأوقاف لمنع الدعاة الذين يدورون في فلك «حزب النور» في الإسكندرية من التعليق على القضايا السياسية في خطبهم. وبالمثل، سعت الكنيسة القبطية إلى تهميش «حزب النور»، مع إعلان البابا تاوضروس الثاني في 1 آب/أغسطس أن الأقباط مُنعوا من الانضمام للحزب.
المصالح الوطنية لـ «حزب النور»
رداً على هذه الهجمات، شكك مسؤولون في «حزب النور» بشرعية المعارضين ودوافعهم، ودافعوا عن حزبهم بصفته ممثلاً لجميع المصريين. ووصف سكرتير الهيئة العليا لـ «حزب النور» أحمد رشوان، حملة "لا للأحزاب الدينية" بأنها "إفلاس سياسي"، موضحاً أن "حل الأحزاب السياسية لن يحدث بجرة قلم وإنما من خلال المحاكم" - في اشارة الى سلسلة محاولات فاشلة لتمرير التشريعات على مر السنين لحظر الأحزاب الدينية. كما كتب رشوان رسالة إلى رؤساء الأحزاب الأخرى، موضحاً أن "على الأحزاب السياسية الاهتمام بمصلحة البلاد وليس التركيز في حل «حزب النور»".
وفي الوقت نفسه، حاول «الحزب» تصوير نفسه على أنه شاملاً ومعتدلاً. ففي 20 آب/أغسطس، أشار الأمين العام المساعد لـ «حزب النور» محمد إبراهيم منصور أن «الحزب» سوف يروج للمرشح "الذي يحظى بشعبية، والذي تمنحه خلفيته ميزة تنافسية قوية في العملية الانتخابية، وكذلك شخص لديه الرؤية والقدرة على أن يكون مسؤولاً عن البلاد خلال المرحلة الحالية". وقد جاءت هذه التصريحات في أعقاب مبادرات شعبوية مختلفة ومحاولات للتمسك بمقوّمات «الحزب». على سبيل المثال، أطلق «حزب النور» حملة إعلامية بعنوان "مصر أقوى من الإرهاب"، بعد وقت قصير من اغتيال بركات. وفي 15 آب/أغسطس، عقد سلسلة من المحاضرات بعنوان "نحو القمة"، تهدف إلى تثقيف سكان الإسكندرية عن العملية الانتخابية. ووفقاً لزعيم «حزب النور» يونس مخيون، كان الهدف الأوسع من المحاضرات هو الإظهار بأن "مصلحة البلاد يجب أن تكون فوق أي مصالح شخصية أو حزبية".
المحصلة
على الرغم من أن الأحزاب الدينية في مصر قد واجهت عقبات منذ عام 2013، إلّا أن التحركات الأخيرة ضد «حزب النور» تشكل تطوراً جديداً - يعكس القلق المتزايد من عدم الاستقرار المستوحى من السلفية الجهادية ومن إمكانية تزايد شعبية «الحزب» ونفوذه السياسي. وبإدراكه هذه التهديدات التي تتعرض لها أيديولوجيته، يبدو أن «حزب النور» عازماً على زيادة احتمالات نجاحه إلى أقصى حد في الانتخابات المقبلة من خلال التقليل من التشدد في عقيدته، والتمسك بمقوّماته، وربما توسيع قاعدته الشعبية. ولا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة على أن استراتيجية «الحزب» تحقق النجاح المرجو منها. بيد، من الواضح أن الأمن الداخلي سيكون هو القضية الرئيسية للناخبين في الشهر المقبل، لذلك سيتم تحدّي مرشحي «حزب النور» أكثر من أي وقت مضى، لكي يقنعوا الجمهور أن باستطاعتهم ضمانه.
يعقوب أوليدورت هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن. نريد الإشارة هنا إلى أن جميع بيانات الوقائع أو الرأي أو التحاليل التي تم التعبير عنها في هذه المقالة هي آراء الكاتب فقط ولا تعكس مواقف أو وجهات النظر الرسمية للحكومة الأمريكية.