- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
نصف الفلسطينيين في القدس يفضلون الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينية
تُعد قضية القدس واحدة من أكثر القضايا حساسية في الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات بين المسلمين واليهود والمسيحيين. وقد ساهمت أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها المدينة في بقائها تحت المجهر السياسي والإعلامي. ورغم جميع المحادثات التي تمت حول هذه القضية، نادراً جداً ما طُرحت أسئلة على الفلسطينيين في المدينة، البالغ عددهم ما يقرب من 300 ألف فلسطيني (غالبيتهم الساحقة من المسلمين)، حول المستقبل الذي يريدونه. ولهذا يعمل البحث الجديد الذي نحن بصدده هنا على سد هذه الفجوة بطريقة غير متوقعة تماماً.
لقد أظهر استطلاع أجراه "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي" (ومقره بيت ساحور في الضفة الغربية) في منتصف شهر حزيران/يونيو أن 52 بالمائة من الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية الخاضعة للحكم الإسرائيلي يفضلون أن يكونوا مواطنين لدولة إسرائيل مع التمتع بحقوق متساوية - مقارنة بنسبة 42 بالمائة فقط يفضلون أن يكونوا مواطنين للدولة الفلسطينية. وتؤكد هذه النتيجة اللافتة كما تمدّد اتجاه لوحظ للمرة الأولى منذ خمسة أعوام.
وفي استطلاع مماثل أُجري في أيلول/سبتمبر 2010، فضّل ثلث المواطنين [في القدس الشرقية] الجنسية الإسرائيلية على الجنسية الفلسطينية؛ وبحلول أيلول/سبتمبر 2011، ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 40 بالمائة؛ كما ارتفعت في الوقت الحالي لتزيد قليلاً عن النصف. وتختلف هذه النتيجة اختلافاً كبيراً عن النتائج في الضفة الغربية أو قطاع غزة، حيث لا تتعدى نسبة من يفضلون الجنسية الإسرائيلية عن 4 و12 بالمائة، على التوالي. واستند استطلاع الرأي الأخير على مقابلات شخصية أجراها متخصصون في المسح المحلي لعينة جغرافية عشوائية ممثلة مؤلفة من 504 فلسطيني من القدس الشرقية وعينات مماثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بهامش خطأ إحصائي يقدر بنسبة 4.5 بالمائة في كل منطقة.
وفي استطلاعات الرأي السابقة، غالباً ما استدل سكان القدس الشرقية في إجاباتهم بأسباب عملية لهذا التفضيل، على سبيل المثال: وجود وظائف ودخل ورعاية صحية أفضل وغيرها من المزايا الاجتماعية الأخرى، كحرية السفر وما شابه ذلك. وبالفعل، توفّر تصاريح الإقامة الإسرائيلية - ("البطاقات الزرقاء") التي يحملوها - هذه المزايا التي لا تتوفر لسكان الضفة الغربية، وهم يرغبون بشكل متزايد في الاحتفاظ بهذه المزايا لا سيما مع ازدهار الاقتصاد في إسرائيل وركوده في الضفة الغربية. وبالمثل، فقد أظهر الاستطلاع الحالي أن حوالي نصف السكان (47 بالمائة) يقولون أنهم قد يعملون داخل إسرائيل [إذا ما حصلوا] على وظيفة جيدة. ونظراً لتوافر هذه المزايا لهم اليوم، حتى دون حمل الجنسية الإسرائيلية، فإن المحظورات الاجتماعية والصعوبات العملية الكبيرة المترتبة على التقدم للحصول على هذه الجنسية تعني أنه ليس هناك سوى نسبة ضئيلة جداً التي حازت بالفعل على هذا الوضع الرسمي الكامل حتى الآن.
ولعل حرية وصولهم اليومي إلى إسرائيل قد جعل الفلسطينيين في القدس أكثر تفاؤلاً أيضاً حول مستقبل هذه البلاد على المدى الطويل. ويعتقد غالبية السكان (62 بالمائة) أن إسرائيل ستظل باقية، كدولة يهودية أو دولة ثنائية القومية، خلال الـ 30 أو 40 عاماً المقبلة بينما يعتقد ذلك 47 بالمائة فقط من سكان الضفة الغربية و42 بالمائة من سكان غزة. وهم أيضاً أكثر وعياً بتاريخ المدينة إلى حد ما، ولكن ربما ليس بالقدر المتوقع. ويرى 30 بالمائة من الفلسطينيين في القدس الشرقية، مقابل 18 بالمائة فقط من سكان الضفة الغربية، أنه كانت هناك ممالك ومعابد يهودية في القدس في العصور القديمة.
وفي بعض النواحي الأخرى أيضاً، اتخذ الفلسطينيون في القدس الشرقية مواقف معتدلة نسبياً تجاه إسرائيل. فهناك نسبة مذهلة تبلغ 70 في المائة تقول أنها ستقبل بصيغة "دولتان لشعبين" - الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي." بينما تبلغ النسبة المقابلة في الضفة الغربية 56 بالمائة و44 بالمائة في قطاع غزة. ويجدر بالملاحظة أيضاً أن 40 بالمائة من الفلسطينيين في القدس الشرقية يرون أن "لليهود بعض الحقوق على الأرض جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين" - مقابل نسبة 13 بالمائة فقط في الضفة الغربية، أو 11 بالمائة في قطاع غزة. وفيما يتعلق بالقدس نفسها، فإن 23 بالمائة فقط من سكانها الفلسطينيين يصرون على السيادة الفلسطينية على المدينة بأكملها - بينما يدعم الرأي ذاته نصف هذه النسبة فقط في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
ولا يعني ذلك أن الفلسطينيين في القدس الشرقية معتدلين تماماً. فعلى سبيل المثال، يرى 55 بالمائة أنه حتى بعد حل الدولتين، سوف يستمرون في رغبتهم في "تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخيّة" (ولكن ليس بالضرورة أن يتم طرد اليهود الإسرائيليين أو حرمانهم من حقوقهم). وقد يوحي ذلك، بالإضافة إلى تفضيل الفلسطينيين الحصول على الجنسية الإسرائيلية على نطاق واسع نسبياً، إلى ميل فلسطينيي القدس الشرقية نحو "حلّ الدولة الواحدة." ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، فإن الغالبية (61 بالمائة) تقدم الدعم الشفهي على الأقل "للكفاح المسلّح ولهجمات الدّهس ضدّ الإحتلال". ويقل هذا الرقم نوعاً ما بين سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولكن ليس بنسبة كبيرة.
إلا أن أكثر النتائج المفاجئة في هذا السياق هي تلك التي تتعلق بالعلاقة الحزبية؛ إذ يرى 39 بالمائة من فلسطينيي القدس الشرقية أن حركة "حماس" "تمثل أقرب ما يكون لإنتمائك السياسي." (وربما يعود ذلك جزئياً لكونهم متدينون نسبياً؛ بينما اختار 37 بالمائة "أن يكون المرء مسلماً جيّداً" كأولى أو ثاني أولوياتهم الشخصية، من قائمة تضم عشر خيارات متنوعة). وحتى أن نسبة أكبر (47 بالمائة) من سكان القدس الشرقية يقولون أن كل واحد منهم "مستقلّ" سياسياً. وقد تكون هذه الأرقام غير دقيقة إلى حد ما من واقع عدم السماح لحركة "فتح" والسلطة الفلسطينية بالعمل رسمياً في القدس.
ومن المثير للاهتمام، أن الدعم المعلن لحركة "حماس" يبلغ النصف فقط في قطاع غزة التي يعيش سكانها تحت حكم "حماس" فعلياً منذ عام 2007. وفي الضفة الغربية، حيث تفرض السلطة الفلسطينية سيطرتها وأحياناً تعتقل نشطاء من "حماس"، لا ينتسب لهذا الحزب علانية سوى 11 بالمائة فقط بينما يؤكد كل شخص ضمن أغلبية من الفلسطينيين نسبتها 44 بالمائة بأنه "مستقل".
وبالإضافة إلى الفائدة المتأصلة لهذه النتائج المفاجئة في المسح والتي توصلت إليها هذه الدراسة الاستقصائية، قد تظهر بعض الدروس السياسية الأوسع نطاقاً. أولاً، تشير النتائج إلى أن فوائد التعايش العملي قد تفرز عقليات أكثر اعتدالاً. ثانياً، قد لا يكون الانتماء الحزبي دليلاً جيداً على المواقف الأساسية. وثالثاً، وهو الأكثر أهمية، أنه يجدر بمن يهتمون بالديمقراطية والسلام إيلاء مزيد من الاهتمام لرغبات الفلسطينيين الذين يعيشون فعلياً في القدس من دون الاقتصار على من يدعون التحدث نيابة عنهم من خارج المدينة.
ديفيد بولوك هو زميل كوفمان في معهد واشنطن ومدير منتدى فكرة.
"منتدى فكرة"