- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2427
انتصار «حزب الله» في القلمون: كسب المعركة، خسارة الحرب
في نهاية الأسبوع الماضي، ألقى زعيم «حزب الله» حسن نصر الله خطاباً حول النصر الوشيك للميليشيا الشيعية اللبنانية في منطقة القلمون الواقعة على الحدود السورية. فخلال حملة دامت أسبوعين، تمكنت قوات «حزب الله» المصطفّة إلى جانب نظام بشار الأسد من استبعاد ائتلاف الإسلاميين السنّة من مواقع رئيسية في المنطقة الاستراتيجية. ولكن رغم ادعاء نصر الله بالنصر في خطابه، إلا أن هذا النصر يُعتبر باهظ الثمن ومؤقتاً على الأرجح، إذ أن «حزب الله» والأسد قد كسبا المعركة ولكنهما في صدد خسارة الحرب في سوريا.
أهمية القلمون
في السنوات الأخيرة، بدأت قوى الثوار المعارضة باستخدام القلمون كقاعدة لعملياتها المحيطة بدمشق، وتشكل المنطقة أيضاً خط تواصل رئيسي مع داعميها السنّة في شرق لبنان. وفي الوقت نفسه، تعتمد قوات نظام الأسد المدعومة من «حزب الله» والميليشيات الإيرانية على الخط السريع بين الشمال والجنوب، الذي يمر بالقلمون ويربط دمشق بمحافظات أخرى، بما فيها حمص. كذلك تضطلع المنطقة بأهمية مماثلة كونها تربط دمشق بمؤيدي النظام الأساسيين، المعروفين بالعلويين الشيعة والذين يسكنون على الشاطئ. (لمعرفة المزيد حول هذه الأراضي العلوية، انظر المجهر السياسي 132 باللغة الإنكليزية: احتمالات قيام دويلة الأسد في سوريا).
في صيف العام الماضي، احتلت قوات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» وذراع تنظيم «القاعدة» - «جبهة النصرة» قرية عرسال الحدودية في لبنان واختطفت منها عشرات الجنود وضباط الأمن، علماً أن عرسال تضم ما يقرب من 40 ألف لاجئ سنّي سوري. وفي أواخر آب/أغسطس، قطعت عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» رأسي أسيرَيْن، أحدهما سني والثاني شيعي، وقتلت بعدها أسيرَيْن آخرين، بينما تحتفظ اليوم بحوالي 25 رهينة. وبعد شهرين من ذلك، سيطرت قوات «جبهة النصرة» على نقطة تابعة لـ «حزب الله» في منطقة بريتال، التي تقع على بعد ثلاثين ميلاً تقريباً جنوب غرب عرسال، في وادي البقاع في لبنان بجوار القلمون- وقتلت ثمانية عناصر ميليشياوية شيعية وجرحت عشرين آخرين.
وفي حين بقيت عرسال شوكة في خاصرة «حزب الله»، القادر ربما على تحملها، فإن النشاط الإجمالي لقوى الثوار في المنطقة زاد من الحاجة الماسة إلى ردة فعل شيعية ناجعة على طول الحدود. وقبل قيام «حزب الله» بشن هجومه في القلمون، نشر تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة»، ومقاتلون آخرون يدورون في فلكهما ما يقدَر بين 3 آلاف و5 آلاف عنصر على طول الحدود. وفي آذار/مارس، شنت قوى الثوار سلسلة من الهجمات على مواقع ميليشياوية شيعية في المنطقة، أعقبها في وقت لاحق تقدم ملحوظ شمال إدلب وحماة. وقد تحققت هذه المكاسب بفضل مستوى جديد من التعاون بين الميليشات السنّية المنضوية تحت لواء «جيش الفتح». فضلاً عن ذلك، شكل تقدم قوى الثوار في المناطق الجنوبية من القنيطرة ودرعا مصدر قلق إضافي لـ «حزب الله».
المعركة من أجل القلمون
منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أخذ الجيش السوري يستهدف بصورة نشطة المدن الرئيسية في القلمون بواسطة الضربات الجوية، في الوقت الذي يحارب فيه الثوار في ميدان المعارك إلى جانب قوات «حزب الله». ويُعد هجوم «حزب الله» الحالي، الذي توسع في 5 أيار/مايو ليشمل منطقتي النبك ويبرود في جبال القلمون، جهداً مضاعفاً لبسط سيطرة «الحزب» على الأراضي وإحكام قبضته عليها. وقد أشارت تقارير صحفية عربية إلى معارك تهدف إلى السيطرة على قمم تلال استراتيجية في المنطقة، ولكن ليس هناك تغطية إعلامية موثوقة ووافية لهذه الاشتباكات الفردية. وليس من المستغرب أن تنقل شبكة "المنار" التلفزيونية الفضائية التابعة لـ «حزب الله»، تقارير بصورة مستمرة حول سقوط أعداد كبيرة من الضحايا وحدوث انتكاسات تكتيكية في صفوف قوى الثوار. وفي الوقت نفسه، نظّم «الحزب» جولات صحفية في القلمون لصحفيين غربيين يتخذون من لبنان مقراً لهم. وفي 16 أيار/مايو، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة مفصلة عن إحدى هذه الجولات، تخللت وصفاً لدورية نظمها «حزب الله» على مراحل.
وبغض النظر عن الجانب الدعائي، يبدو أن قوى الثوار في القلمون هي فعلاً في صدد التراجع. فوفقاً لنصر الله، أعاد «حزب الله» ونظام الأسد فرض سيطرتهما على 300 كم2 من المنطقة، كما أن التقارير التي تشير إلى اقتراب «الحزب» حالياً من قرية الفليطة السورية تؤكد على ما يبدو صحة هذا الادعاء.
ولكن الثمن الذي يتكبده «حزب الله» جراء كل ذلك لا يزال غامضاً. فقد أقر نصر الله أن ثلاثة عشر عنصراً من مقاتليه لقوا حتفهم في الأسبوعين الماضيين، غير أنه يصعب تصديق هذا العدد القليل نظراً لوقوع عدد كبير من القتلى في صفوف الثوار كما يُزعم. وفي الواقع، نشرت صحيفة "النهار" اللبنانية في 20 أيار/مايو قائمة بثلاثة وعشرين عنصراً ميليشياوياً تابعين لـ «حزب الله» يُعرَف أنهم سقطوا في المعركة. وعلى نطاق أوسع، بدأ بعض المشككين اللبنانيين بالاشتباه بأن «الحزب» يحتفظ بجثث بعض مقاتليه في البرادات، مقللاً بذلك عدد الجنازات بينما تستمر الحرب، وذلك لاسترضاء الرأي العام الشيعي.
التداعيات
وفقاً لنصر الله، يهدف هجوم القلمون إلى طرد قوى المعارضة بكاملها من المنطقة، أو كحد أدنى دفعها مجدداً باتجاه عرسال، حيث ستوضع هناك تحت إمرة "القوات المسلحة اللبنانية"/الجيش اللبناني. وبالرغم من أن الجيش اللبناني يتمتع بسجل حافل من النجاحات والإخفاقات في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة»، إلا أن هذا المسار من التحرك من شأنه أن يخفف من حدة بعض الضغوط المباشرة على «حزب الله». وبالفعل يقصف الجيش اللبناني أهداف قوى المعارضة على مشارف عرسال على الحدود السورية. وبما أن قوات «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» تتقاتل فيما بينها في عرسال في حين تتوحد العناصر الإسلامية في أماكن أخرى لمهاجمة نظام الأسد، فإن ذلك قد يصب في مصلحة «حزب الله» والجيش اللبناني.
ولكن في نهاية المطاف، يبقى القتال الأوسع في سوريا رهناً بالأعداد. فقبل اندلاع الحرب، كان السنّة يشكلون 80 في المائة من سكان البلاد. وكانت الطائفة العلوية الشيعية - التي ينحدر منها الأسد والركيزة العسكرية لقواته المسلحة - لا تمثل سوى 10 في المائة من السكان وتقطن غالبيتها المدن وتسجل معلات ولادة منخفضة. وبينما أرخى الاستنزاف بثقله على الجانبين، استطاعت قوى الثوار أن تعيد تعبئة أعدادها من خلال تجنيد [متطوعين] داخل البلاد بالإضافة إلى الأجانب. ونظراً لاستنزاف الطائفة العلوية، كان لا بد للأسد من الاعتماد بشكل متزايد على «قوة القدس» الإيرانية و «حزب الله».
ولا تزال إيران حليفة قوية لنظام الأسد ولكنها تمسي مثقلة أكثر فأكثر بوطأة مغامراتها العسكرية في العراق واليمن. بالإضافة إلى ذلك، تبرز علامات الضعف في صفوف «حزب الله» بعد أربع سنوات من الحرب. وحالياً، لدى الميليشيا حوالي 5 آلاف جندي متمركز في سوريا. ووفقاً لـ "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، قُتل هناك ما يقرب من 700 عنصر من «حزب الله» قبل معركة القلمون، وتشير بعض المصادر إلى أن الرقم قد تزايد حالياً إلى أكثر من ألف.
وتترك الخسائر أثراً ملحوظاً على عمليات «الحزب». ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن «حزب الله» أصبح يجند عناصر أصغر سناً - ففي وقت سابق من هذا الشهر وفي خطوة غير مسبوقة دفن مقاتلاً يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، بعد أن قُتل وهو يؤدي "واجبه الجهادي" في سوريا. فضلاً عن ذلك، يُقال أن 400 جندي من حركة «أمل» - ميلشيا شيعية لبنانية منافسة - تم حشدهم للقتال إلى جانب «حزب الله» في القلمون. (في وقت لاحق نفى زعيم حركة «أمل» نبيه بري هذه القصص) .وتفيد تقارير لم يتم التحقق منها أيضاً أن «حزب الله» طلب من الجيش اللبناني المشاركة في عمليات قتال عبر الحدود في القلمون. وإذا كان هذا الخبر صحيحاً في الواقع، فإن الجيش اللبناني لم يستجب له - فانطلاقاً من حرص "القوات المسلحة اللبنانية" على وحدة الصف، فليس بإمكانها حتى التفكير في مثل هذه المهمة.
المحصلة
صحيح أن انتشار عناصر «حزب الله» في سوريا والضحايا التي سقطت قد تسببت ببعض التذمر في صفوف الطائفة الشيعية في لبنان، إلا أنه ما زال من الممكن التحكم بهذه الأصوات المعارِضة في الوقت الراهن. فالأمر الذي يقلق «الحزب» أكثر من غيره هو احتمال تحقيق قوى الثوار الموحدة - المتمثلة بـ «جيش الفتح» - المزيد من النجاحات ضد الأسد. وقد تواصل عناصر «حزب الله»، المنتشرة بأعداد ضئيلة على نطاق واسع، الاستيلاء على أراض هي الآن بأيدي الثوار، لكن من غير الواضح إذا كان بإمكانها المحافظة على خطوط التواصل انطلاقاً من لبنان، حتى في منطقة القلمون القريبة.
ويقيناً، أن القتال في سوريا قد قوّى عزيمة الجيل الجديد من عناصر «حزب الله» الميليشياوية، ولكنه استنزف من ناحية أخرى صفوف «الحزب» وقوّض صورته المنمقة كتنظيم مكرس لـ "مقاومة" إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن انخراط «الحزب» في حرب أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من السنّة، قد حث كل من «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» على استهداف الشيعة، والعلويين، وأعضاء «حزب الله» في بلدهم لبنان.
وتنخرط الميليشيا بكل قوتها في الحرب، في ظل الرهانات القائمة في سوريا، إذ أن سقوط الأسد سيعقّد بشكل ملحوظ خطوط إمدادات «حزب الله» من رعاته الإيرانيين. فعلى ضوء السنوات الأربع الماضية، سيتابع «الحزب» حربه ضد قوى المعارضة السنّية على طول الحدود وسيمثل قوات الأسد القمعية في مناطق تضطلع بأهمية استراتيجية. ولكن مع استمرار الحرب، ستتضح نقاط ضعف «حزب الله» والعوائق التي تواجهه على الصعيد العملي. وبفضل دعم طهران ونصر الله، قد يبقى الأسد في الحكم لفترة معينة، ولكن حتى حلفاءه الشيعة الأكثر أمانة قد لا يستطيعون الاستمرار في مساندته فيما يُظهر استنزاف الحرب بشكل متزايد مكامن ضعفه على المستوى الديموغرافي. وفي جميع الأحوال، إن العامل الوحيد الذي قد يؤخر سقوط الأسد المحتم على ما يبدو هو رفع العقوبات المقدرة بـ 60 مليار دولار التي يُفترض أن تحظى إيران [بأموالها أو بما يعادلها] بعد التوقيع على اتفاق نووي.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. عُلا عبد الحميد الرفاعي هي باحثة مساعدة في المعهد.