- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2795
الانتخابات الرئاسية الإيرانية: توازن ما بين الدبلوماسية والمواجهة
تخوض إيران حرباً في سوريا والعراق واليمن. ومع ذلك، بالكاد تحدّث المرشحون الذين يخوضون حملات للفوز في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 19 أيار/مايو عن سياسات بلادهم الإقليمية والعسكرية. وصمتهم هذا خير دليل على النوايا الحقيقية للنظام السياسي الإيراني. فأياً يكن الرئيس المنتخب، لن يتمتع بأي سلطة على الجيش أو الأنشطة الخبيثة التي تنفذها الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران. فهل يجب أن تهتم الولايات المتحدة بالانتخابات؟ وكيف يجب أن تتعاطى واشنطن مع الفائز في التصويت الذي سيجري هذا الشهر؟
الرئاسة والنظام السياسي في إيران
منذ نشوب الثورة الإسلامية قبل أربعة عقود تقريباً، تطوّر نظام سياسي معقّد في إيران. فالحكومة المنتخبة، بما فيها الرئيس والبرلمان، تتولى مهمة الإدارة اليومية لشؤون البلاد، في حين يضطلع المرشد الأعلى والمؤسسات المعيّنة مثل «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» بدور "الأوصياء على الثورة"، حيث يضعون سياسات الانخراط الإيراني في الخارج ومعظم الأمور الأخرى. ولا يملك الرئيس أي سلطة على الركيزتين الأساسيتين لإستراتيجية إيران الإقليمية وهما: برنامج الصواريخ الباليستية لـ «الحرس الثوري» وفصيله من الميليشيات الشيعية العاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتؤثر الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي ينفذها «الحرس الثوري» ووكلاؤه تأثيراً مباشراً على أمن ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها، علماً بأن انتخاب (أو إعادة انتخاب) رئيس معتدل لن يقلّل من مستوى التهديد.
ومع ذلك، لا تزال الانتخابات تكتسي أهمية إلى حدّ ما. فإيران هي لاعب إقليمي مهم، لذلك تحتاج الولايات المتحدة وغيرها من الدول إلى الحفاظ على علاقات معها. وتمثّل الحكومة المنتخبة عموماً الجمهورية الإسلامية في محادثات إقليمية ودولية، في الوقت الذي يكون فيه الرئيس واجهة هذه الحكومة. على سبيل المثال، أظهرت المفاوضات التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015 أهمية الرئيس في توجيه دفة القضايا الدولية الحساسة. ويقيناً، لم تكن المحادثات قد بدأت، كما لم يكن قد تم التوصّل إلى الاتفاق لولا موافقة صريحة من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. إلّا أن فريق الرئيس حسن روحاني آمن في العملية وأظهر نوايا حسنة، كما لعب دوراً بالغ الأهمية في تسهيل المناقشات التي سبقت الاتفاق. وكان يمكن أن يكون رئيس آخر أقل حماساً في التوصل إلى اتفاق مع الغرب، وكان من الممكن أن يثير قضايا تمنع الاتفاق أو تؤخره.
كما تكتسي الانتخابات أهمية من الناحية الاقتصادية، وهي مكون رئيسي لاستقرار إيران، حيث يلعب الرئيس وحكومته دوراً هاماً في السياسات النقدية للبلاد، وسياساتها المالية إلى حدّ ما. على سبيل المثال، ورثت حكومة روحاني اقتصاداً كان يميل نحو التضخم المفرط قرب نهاية ولاية سلفه.
ولكن هنا أيضاً، تمارس المؤسسات الثورية قيوداً كبيرة على السلطة الرئاسية. فنصف أنشطة إيران الاقتصادية تقريباً تديرها نحو 12 هيئة ضخمة تخضع إما لسيطرة "مكتب المرشد الأعلى" أو «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». وقد تمّ جزئياً إنشاء هذا "القطاع العام غير الحكومي" كما يسمى، عبر مصادرة الأملاك الخاصة للنظام القديم من خلال المحاكم الثورية، وإلى حدّ أكبر عبر التحويل الكلي للممتلكات الحكومية إلى الهيئات الضخمة تحت ستار الخصخصة. وتضمّ أصول هذه الهيئات مصارف كبرى ومؤسسات مالية أخرى، إلى جانب شركات خدمات النفط والغاز، وشركات تصنيع سيارات، وشركات البناء، وكيانات النقل. إن الهيئات نفسها معفاة من كافة الضرائب. وفي الوقت نفسه، يُترك إلى الحكومة المنتخبة مسألة إدارة الأملاك المتبقية غير الخاضعة للخصخصة، والتي عادة ما تكون مشاريع خاسرة و/أو صناعات قديمة. ويشرف فريق الرئيس عموماً على مبيعات النفط أيضاً، غير أن "القطاع العام غير الحكومي" يُبرم أيضاً اتفاقات نفط خاصة به.
وعلى الرغم من هذه القيود، لا يزال دور الرئيس في العلاقات الخارجية والأنشطة الاقتصادية الإيرانية مهماً. وبالتالي، يصبّ انتخاب شخصية معتدلة لملء هذا المركز في مصلحة واشنطن وحلفائها.
الجانب الآخر للجمهورية الإسلامية
غالباً ما كان مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني يتوجه إلى الجماهير قائلاً إن الثورة لا تتعلق فقط بإيران بل بالمنطقة بأسرها. وتحقيقاً لهذه الغاية، تمّ إنشاء «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» لتكون المقر الرئيسي للقتالية الشيعية [التشدد الشيعي - Shiite militancy] في الشرق الأوسط. وأصبح الفيلق المنبثق عن الميليشيات التي تقودها إيران "جيش الثورة المخصص للحملات العسكرية التي تعمل خارج إيران"؛ واليوم ينخرط هذا الفيلق في كافة الحروب التي تشهدها المنطقة. وهذه القوات مسؤولة فقط أمام المرشد الأعلى، وتتخطى الإشراف الحكومي. ومن خلال إثبات نفسها في العديد من البلدان، تطورت لتصبح كياناً يمكنه الصمود أكثر من الجمهورية الإسلامية نفسها.
ونظراً إلى أن «قوة القدس» أصبحت تجسّد الطموحات الخارجية للمرشد الأعلى، فقد كُلِّف «الحرس الثوري» الأوسع نطاقاً بمهمة الدفاع عن الثورة ضد جميع الأعداء، الداخليين منهم والخارجيين - سواء كانوا حقيقيين أو خياليين. وفي الوقت الذي نظمت فيه «قوة القدس» فيالقها في الخارج، طوّر «الحرس الثوري» الإيراني ما يمكن القول بأنه أكبر قوة صواريخ بالستية في المنطقة. ومعاً، يُعتبر "جيش الحملات العسكرية التي تعمل خارج إيران" والقوة الصاروخية المدافعين عن الثورة الإسلامية الشيعية والناشرين لها، مما يشكل خطراً فعلياً وقائماً على أفراد المؤسسة العسكرية والمصالح القومية للولايات المتحدة وحلفائها.
موازنة الدبلوماسية والمواجهة
إن إقامة علاقات عمل مع الحكومة المنتخبة في طهران تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة حتى إذا لم يكن هناك سوء فهم حول الجهات الفاعلة التى تمارس سلطة فعلية على القضايا التي تؤثّر بشكل كبير على المصالح الأمنية الأمريكية. فقد سبق أن أظهرت واشنطن قدرتها على التواصل مع الحكومة الإيرانية عبر التفاوض بشأن الاتفاق النووي وتطبيقه. وفي حين يتضح أن هذا الاتفاق جاء على ما يبدو على حساب تخفيف القيود المفروضة على برنامج الصواريخ التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني وتقديم تنازلات أخرى، إلّا أنّه أبطأ وتيرة (على الأقل في الوقت الراهن) برنامج الانعتاق النووي [شبه الجاهزية النووية/اكتساب القدرة النووية] الإيراني.
وفي الوقت نفسه، تمثّل المؤسسات الثورية الإيرانية غير المنتخبة مصدر مخاطر أخرى بالنسبة للمصالح الأمريكية، لا سيما من خلال فيالقها الميليشياوية الأجنبية وترسانة الصواريخ البالستية التي تملكها. ففي 12 كانون الثاني/يناير 2016، أطلع قائد «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» اللواء محمد علي جعفري "وكالة أنباء فارس" على أن «قوة القدس» قادت أو دعمت نحو 200 ألف مقاتل شيعي مسلحين ومدربين بشكل جيد في جميع أنحاء المنطقة. وكما ذُكِر أعلاه، إن القيادة الصاروخية لـ «الحرس الثوري» هي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط.
وبناءً على ذلك، يجب أن يكون النهج الأمريكي تجاه الحكومة المقبلة معقداً ومزدوجاً في طبيعته كالنظام السياسي الإيراني نفسه. وهذا يعني الحفاظ على علاقات عمل مع الرئيس الإيراني وفريقه، لكن دون إهمال الجانب الآخر من السياسة: بشكل خاص مواجهة المرشد الأعلى و«الحرس الثوري الإسلامي» في ظل سعيهما إلى توسيع القتالية الشيعية في المنطقة. ولا يختلف هذا الأمر عن نهج واشنطن السابق إزاء الاتحاد السوفياتي. ففي حين كانت للولايات المتحدة علاقات عمل مع الحكومة السوفياتية، وحافظت على سفارة كبيرة في موسكو، إلا أنها لعبت في الوقت نفسه دوراً رائداً في النضال ضد الحركة الشيوعية في العالم. واليوم، لا ينبغي أن تحول علاقات أمريكا مع الرئيس الإيراني المقبل دون قيادتها الحرب ضد التشدد الشيعي المتزايد في الشرق الأوسط.
نادر أوسكوي هو زميل زائر في معهد واشنطن ومستشار أقدم في مجال السياسات للقيادة المركزية الأمريكية.