- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
العراق: هل زعماء الشيعة على استعداد لتضميد الجراح الطائفية؟
غالباً ما يُفترض أن ظهور ما يسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») منذ عام 2013 قد جعل المصالحة الطائفية صعبة البلوغ في العراق.
فقد تم اجتياح العديد من السكان السنة في العراق في الحملة العسكرية التي قام بها تنظيم «الدولة الإسلامية»: وفي بعض الحالات انقلب هؤلاء السنة على الجنود الشيعة والمدنيين من مناطقهم وقراهم. وفي أسوأ حادث منفرد، عمل تنظيم «داعش» مع القبائل السنية المحلية لقتل 1566 طالب شيعي من "سلاح الجو العراقي" قرب مدينة تكريت في 12 حزيران/يونيو 2014.
وعلى الرغم من هذه الحقائق الرهيبة، وجدتُ أنه قد يكون هناك تأثير عكسي للحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، من خلال فتح نافذة للمصالحة الطائفية في البلاد. وخلال زياراتي الأخيرة للعراق، تولّد لدي انطباعان قويّان.
في أواخر العام الماضي، عدتُ بشعور بأن المجتمعات السنية أصبحت مستعدة للعمل مع الحكومة في بغداد لإعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية بعد التجربة الرهيبة التي عاشتها في ظل تنظيم «داعش».
وعند عودتي من زيارة أخرى في الأسبوع الماضي، بعد أن قابلت جميع زعماء الكتل السياسية الشيعية تقريباً، عدتُ مقترناً بشعور الإيمان بأن الزعماء الشيعة قد أدركوا أن هناك نافذة للمصالحة وهم حريصون على استطلاع ما يمكن تحقيقه.
مصالحة تدريجية تصاعدية؟
أظهرت الحياة تحت ظل تنظيم «الدولة الإسلامية» معنى شعور الظلم الحقيقي بالنسبة للمجتمعات السنية. فظهور تنظيم «داعش» كان بمثابة كارثة على أهل السنة أكثر من أي مجتمع آخر في العراق.
ويقوم السنة المحليون تحت ظل تنظيم «الدولة الإسلامية» بقتل إخوانهم من القبائل وسكان الجوار كل يوم. ويجري تدمير المدن والقرى السنية بسبب الحرب والخراب الاقتصادي الناجمان عن العزلة عن استلام الرواتب والحصول على الخدمات من الدولة العراقية.
وقد انكفأت القبائل على نفسها، كما أوضح ذلك أحد المحاورين السنة المتديّنين بقوله: "هناك عشائر سنّية تكره إخوانها أكثر من كراهيتها للشيعة حالياً، وتريد استخدام «وحدات الحشد الشعبي» للانتقام والحصول على نفوذ."
وفوق كل اعتبار، يريد هؤلاء السنة المتضررين العودة إلى ديارهم والعيش في سلام والحصول على الحماية والمساعدة في إعادة إعمار [مدنهم] من خلال التعاون مع الحكومة في بغداد. وتشكل الصدمة النفسية الواسعة الانتشار من احتلال تنظيم «داعش» لمناطق هؤلاء السنة بمثابة إعادة محتملة للوضع الأصلي في العلاقات الطائفية.
لقد كان التعاون على المستوى المحلي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» واسع الانتشار، وشمل كافة الطوائف. وفي نطاق تطهير الوجود «الداعشي»، كان هناك تعاون كبير بين العشائر السنية و «وحدات الحشد الشعبي». وعلى غرار نظرائها الشيعة، تشعر المقاومة العسكرية السنية المحلية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنها اكتسبت دوراً طويل الأجل في مجال السياسة.
وبالمثل، عمل المسؤولون المحليون - أي مدراء الاقضية والنواحي - بشراكة مع الحكومة و «وحدات الحشد الشعبي».
وبالفعل، قال لي أحد كبار المسؤولين في «وحدات الحشد الشعبي»: "إن رأب الصدع مع القيادة السنية أصعب من المصالحة مع أهل السنة".
وهذا هو منبع فكرة "المصالحة المجتمعية" التي يشير إليها الزعماء الشيعة بشكل متزايد.
إلا أن تجربة "زيادة عدد أفراد الجيش الأمريكي في العراق" في الفترة 2007-2008 تعكس إمكانية نجاح المصالحة التدريجية وفقاً للنموذج التصاعدي، ولكن ليس إلى الأبد. فهناك حاجة إلى قيام إطار وطني شامل للمصالحة يَعِد بعقد مؤتمرات وإجراء تعديلات دستورية وقانونية ومنح ضمانات. وهذا أمر حيوي لتدعيم المكاسب وتقليل الآثار السلبية، التي يمكن أن يخلّفها السياسيون العراقيون ووسائل الإعلام التي تدور في فلكهم، على جهود المصالحة.
هل سيوافق تحالف عموم الشيعة على هذه المصالحة؟
وفقاً لما سمعتُه في بغداد في آذار/مارس 2016، اتضح للكتلة الضخمة لعموم الشيعة مدى التغيّر الذي طرأ على مشاعر السنة وهي تريد التحقيق في هذا الوضع.
ويشعر زعماء الشيعة بالتعب من الحرب ولكنهم يتمتعون حالياً بالقدر الكافي من الشعور بالأمان للتفاوض[من أجل التوصل إلى تفاهم]. وقد تطرق إلى ذلك أحد الوزراء الشيعة بقوله: "هناك تغيّر في مشاعر السنة على مستوى الشارع. وقد أثار ذلك فضول الشيعة لمعرفة ما يدور في هذا الصدد."
ويطمح بعض قادة "التحالف الوطني" بشكل واضح [بقيام تعاون مشترك] ويتصورون السنة العراقيين كشركاء سياسيين محتملين في عصر لا تكون فيه الطائفية [مصدر خلاف] في مجال السياسة.
وكما أشار أحد الزعماء الشيعة، "بغض النظر عن عدد السكان الشيعة"، لن يُسمح للشيعة بحكم العراق بشكل فعال طالما يكون الخيار الوحيد قيام حكومة وحدة وطنية شاملة وغير فعالة. ففي تفكيره، وتفكير زعيم آخر على الأقل لإحدى الكتل الشيعية، يمثّل الطريق الوحيد للمضي قدماً في تشكيل حكومة أغلبية متعددة الطوائف تضم زعماء من الشيعة والسنة.
وقد يتطلع الشيعة أيضاً إلى عراق في مرحلة ما بعد الأكراد، يشكل فيه السنة نسبة أكبر من سكان البلاد.
ومن المرجح أن تبدأ هذا العام محادثات مبدئية حول [ترتيب] شكل من أشكال الفصل الطويل الأمد يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض بين القسمين الاتحادي والكردي في العراق؛ وفي هذا الصدد يشدد الشيعة التركيز على تجنب تشكيل المزيد من الحكومات الإقليمية العرقية والطائفية في المناطق السنية أو البصرة. وقد دفع ذلك زعماء الشيعة إلى النظر في كيفية صياغة صفقة أفضل لأهل السنة باستخدام التشريعات القائمة المتعلقة بصلاحيات المحافظات.
ولا يزال هناك العديد من المشاكل بين الطوائف في العراق - وليس هناك أي معنى في تفهم حجم "تحدي الأجيال" المقبل. ولكن هناك فرص وعقبات محتملة.
وإحدى هذه الفرص هي أن الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، قد جددت الروابط المجتمعية بين المجتمعات الطائفية.
وقد أوضح أحد زعماء الكتل المتفائلين بأن مئات الآلاف من اللاجئين السنة عاشوا خلال العام والنصف الماضيين في مناطق ذات غالبية شيعية مثل كربلاء، كما أن أطفالهم ذهبوا إلى المدارس مع عائلات شيعية، دون أي مشاكل أمنية. وقد أعاد هذا [التأقلم] فتح أعين الناس تجاه بعضهم البعض بصورة ازدادت ندرة منذ عام 2003، لكنه يمكن أن يفتح الآن باب الأمل للمستقبل.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن.
"الجزيرة"