- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
قرار الأردن الاستراتيجي بشراء الغاز الاسرائيلي
أعلنت الشركة الأمريكية المسؤولة عن تطوير أكبر حقل بحري للغاز في إسرائيل عن توقيع اتفاقية مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية لبيع الغاز إلى الأردن. ولا يريد معظم الأردنيين قيام بلادهم بشراء الغاز الإسرائيلي على وجه الخصوص، ولكن مفهوم قيام المملكة بشراء كميات كبيرة من الغاز من إسرائيل لتوليد الجزء الأكبر من احتياجاتها من الكهرباء، هو تجاري منطقياً ولكنه غير مريح سياسياً. بيد، أصبحت هذه الاتفاقية ضرورية من الناحية الاقتصادية، على الأقل في نظر الملك عبد الله. فلم يعد الغاز المصري متاحاً للاستيراد، مما يترك المملكة تعتمد على وصول ناقلات الغاز الطبيعي المسال إلى ميناء العقبة على البحر الأحمر - وهو اجراء مؤقت في أحسن الأحوال لأن المنشأة العائمة مستأجرة فقط والإمدادات معرضة لتقلبات الأسعار ولكرامة دولة قطر، المزوّد الحالي للغاز المسال. أما المقترحات [لبناء] محطات طاقة نووية من قبل روسيا أو [التوقيع على] صفقات غاز مع العراق فقد رُفضت على مايبدو كونها غير ممكنة عملياً (الأولى لأسباب مالية، والأخيرة لأسباب سياسية).
ونظراً لتوقيت الإعلان الذي صدر في 26 أيلول/سبتمبر - في أعقاب الانتخابات النيابية التي جرت في الأسبوع الماضي لانتخاب مجلس نواب جديد في الأردن - فيبدو أن عمّان قد أرادت المحافظة على الإتفاق من أن يصبح قضية انتخابية. وبالفعل، قال نائب رئيس الوزراء الأردني للشؤون الاقتصادية جواد العناني، في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز في 25 أيلول/سبتمبر، أن المملكة احتاجت إلى تنازلات من إسرائيل "للتخفيف من رد الفعل العنيف" الذي قد يولدّه بيع الغاز وفق ما توقّع.
وتشمل الاتفاقية مع شركة "نوبل إنرجي" التي مقرها في هيوستون، توريد 300 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز على مدى فترة خمسة عشر عاماً، مع خيار لشراء 50 مليون قدم مكعب إضافي يومياً. وهذه مدة عقد نموذجية للغاز الطبيعي لأن العملية تتطلب ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية. ويقوم الترتيب على مبدأ "التَسلُّم أو الدفع"، ويعني ذلك أنه سيتم دفع ثمن الصفقة إلى شركة "نوبل" وشركائها الإسرائيليين سواء قامت الأردن باستخدام ذلك الغاز أم لا. ويرتبط السعر بنفط برنت الخام المتداول على نطاق واسع، كما أن الإيرادات الإجمالية من العقد يجب أن تصل إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار.
أما في إسرائيل، فقد تأخر استغلال حقل "ليفياثان" الضخم، الذي اكتشف عام 2010، بسبب خلافات سياسية داخلية والحاجة إلى أكثر من 6 مليارات دولار لاستخراج الغاز من أعماق البحر الأبيض المتوسط على بُعد ثمانين كيلومتراً قبالة ميناء حيفا. ومن المقرر أن تتخذ شركة "نوبل للطاقة" قرارها المتعلق بالاستثمار في حقل "ليفياثان" في كانون الأول/ ديسمبرـ إلا أنها تحتاج إلى التزامات لشراء حوالي مليار قدم مكعب من الغاز يومياً. (وتملك منصة الإنتاج المخطط إقامتها قبالة الساحل الاسرائيلي، طاقة استيعابية قدرها 1.2 مليار قدم مكعب يومياً). أما الاتفاق الموقع مع الأردن فيجعل مجموع الكميات المتعاقد عليها حوالي 450 مليون قدم مكعب يومياً، لذلك يجب العمل على تأمين المزيد من المبيعات. ويسعى مسؤولو "نوبل" إلى إيجاد عملاء محتملين آخرين، بما في ذلك في إسرائيل ومصر، ويبدو أنهم يحاولون الآن الوصول إلى الرقم السحري لتبرير التكلفة.
وعندما يبدأ تدفق الغاز في أواخر عام 2019، فإن إنتاج حقل "ليفياثان" سيضاعف كمية الغاز المُنتجة قبالة سواحل إسرائيل. وبالفعل، يغطي إنتاج حقل "تمار" أكثر من نصف طاقة توليد الكهرباء في إسرائيل. وفي وقت لاحق من هذا العام، سوف يتدفق جزء صغير من امداداته إلى اثنين من المنشآت الصناعية في جنوب الأردن، بموجب عقد سابق. وقد أعلنت إسرائيل أيضاً عن التوصل إلى ترتيب - قامت به هولندا بدور الوسيط - لتوريد الغاز إلى محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة الذي تسيطر عليه «حماس»، على الرغم من أن السلطة الفلسطينية قد علقت اتفاقاً مفترضاً لتزويد [الغاز] إلى محطة جديدة في الضفة الغربية.
ولا تزال بعض التفاصيل المتعلقة بالاتفاق مع الأردن تحتاج إلى بحث. ومن المرجح أن تقوم الولايات المتحدة وربما غيرها من الدول المانحة بتمويل خط أنابيب يربط شبكة الغاز بين إسرائيل والأردن. والأمر الأكثر صعوبة هو طلب عمّان تصدير المزيد من السلع إلى الضفة الغربية، الأمر الذي من شأنه أن يقتطع من السوق الإسرائيلية هناك. بيد، سيكون تأثير ذلك التنازل صغيراً اقتصادياً في الظروف الحالية، لذا تظل دلالته السياسية موضع شك وتساؤل.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، ومؤلف تقرير "جيرمان مارشال فند": "خيارات إمدادات الطاقة في الأردن": احتمال واردات الغاز من إسرائيل".