- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
قرار المحكمة العليا في إسرائيل حول مخطط الغاز الطبيعي يلقي بظلاله على خطط البلاد في مجال الطاقة
في 27 آذار/مارس، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكماً بإلغاء أحد الجوانب الرئيسية لاتفاق "الإطار" المزمع من قبل الحكومة مع شركتين للطاقة تأملان في استغلال أكبر حقل للغاز الطبيعي البحري في البلاد. وكانت الشركتان المعنيتان - "نوبل إينرجي" التي مقرها في هيوستن وشريكتها الإسرائيلية "ديليك" - قد ضغطتا لضمان وجود بند تنظيمي يضمن استقرار الأسعار لمدة عشر سنوات لتسهيل الاستثمارات اللازمة - التي تبلغ حوالي 6 مليارات دولار - لتطوير الحقل العملاق «ليفياثان»، الذي يقع على بعد ثمانين ميلاً غرب حيفا في عمق البحر الأبيض المتوسط. ورفضت المحكمة هذا البند وحكمت بأنه ينبغي وقف تنفيذ الصفقة لمدة عام آخر وطالبت الحكومة بتعديل شروط الاتفاق والحصول على موافقة البرلمان.
وفي أعقاب القرار، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرار الحكم بأنه "غريب"، وقال عبر موقع "تويتر" أنه "يهدد بشدة تطوير احتياطيات الغاز في إسرائيل". وتابع: "يُنظر إلى إسرائيل كدولة ذات تدخل قانوني مبالغ فيه يجعل من الصعب ممارسة الأعمال التجارية. سنسعى إلى إيجاد طرق بديلة للتغلب على الأضرار الخطيرة التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي من جراء هذا القرار الذي يصعب فهمه". وبالمثل، وصف وزير الطاقة يوفال شتاينتز قرار الحكم بأنه "مؤسف"، في حين قال المدير التنفيذي لشركة "نوبل" ديفيد ستوفر بأن "قرار المحكمة ... أمر مخيب للآمال، ويمثل خطراً آخر على توقيت [استثمار حقل] «ليفياثان». إن تطوير مشروع بهذا الحجم، حيث يتم استثمار مبالغ كبيرة على مدى عدة سنوات، يتطلب قيام إسرائيل بتوفير مناخ استثماري مستقر ... والأمر الآن متروك لحكومة إسرائيل لتقديم حل يُلبّي على الأقل شروط "الإطار"، والقيام بذلك بسرعة". وإذا لا يمكن حل المشكلة، قد تلجأ "نوبل" إلى التحكيم الدولي ضد إسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى دفع تعويضات عقابية محتملة تصل إلى 12 مليار دولار.
إن النتيجة المباشرة لقرار الحكم هو تأجيل ثانيةً، تطوير حقل «ليفياثان»، حيث توقفت الشركتان عن عملهما فيه في كانون الأول/ديسمبر 2014 بعد أن كان منظّم قطاع البترول والغاز الإسرائيلي قد قرر فجأة عكس مسار الموافقة المبدئية على حل وسط كان من شأنه أن يُنقذ المشروع من أن يوصم بأنه احتكار . ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه القضية كرة قدم سياسية، حيث تدّعي أحزاب المعارضة والجماعات الناشطة بأن السعر المرجح لغاز «ليفياثان» سوف يكون مكلّفاً بشكل غير معقول كما أن أرباح شكرة "ديليك" وشركائها الإسرائيليين ستكون مرتفعة جداً. وقد ردّت حكومة نتنياهو، التي تتمتع بأغلبية مقعد واحد في البرلمان، على ذلك من خلال تركيزها على زيادة الناتج من الإيرادات الحكومية وحاجة إسرائيل إلى جذب الاستثمارات الأجنبية. وكانت الحكومة تعتزم طرح عطاءات جديدة هذا الصيف للقيام بالمزيد من العمليات لاستكشاف الغاز، إلا أن جذب شركات الغاز الأجنبية التي تتمتع بالمهارات اللازمة والاحتياطيات المالية للتنقيب في مياه على عمق 6,000 قدم - حيث حتى تكلفة حفرة فارغة تبلغ 100 مليون دولار - يمكن أن يشكل تحدياَ.
وفي الوقت الحاضر، تعتمد إسرائيل على الغاز من حقل «تامار» البحري، الذي كانت قد حفرتْه شركة "نوبل" في عام 2009 ودخل مرحلة الإنتاج منذ عام 2013. وحيث أن حجمه أقل من نصف حجم «ليفياثان»، فهو يغطي ما يقرب من 60 في المائة من انتاج الكهرباء في إسرائيل. وتتمثل خطط الحكومة - التي تأخرت الآن إن لم تكن قد خرجت عن مسارها - في زيادة عدد محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز للاستخدام المنزلي والصناعي، في الوقت الذي تقوم فيه بتصدير الغاز الفائض. وسوف تحصل الأردن المجاورة على كمية صغيرة من غاز «تامار» ابتداءً من العام المقبل، على الرغم من أن الخطط المتعددة السنوات لبيع كميات كبيرة من الغاز من حقل «ليفياثان»، معلّقة حالياً.
وفي الوقت نفسه، يستمر تطوير الغاز في أجزاء أخرى من شرق البحر الأبيض المتوسط بعد سنوات من التشجيع الهادئ من قبل الولايات المتحدة. وفي قبرص، اكتشفت "نوبل" حقل «أفروديت»، الذي يقع بشكل رئيسي في "المنطقة الاقتصادية الخالصة" للجزيرة ويمتد جزئياً إلى داخل "المنطقة الاقتصادية الخالصة" لإسرائيل أيضاً. ويحاول المسؤولون القبارصة حالياً جذب المزيد من الشركات للتنقيب هناك. وفي العام الماضي عثرت شركة "إيني" الايطالية الضخمة على حقل «ظهر» في المنطقة الاقتصادية الخالصة" لمصر، والذي هو حتى أكبر من حقل «ليفياثان»، ويقع على بعد ثلاثة أميال فقط من الحدود المصرية البحرية مع قبرص. وقد وضعت مختلف الجهات الفاعلة مخططات محكّمة لإسرائيل، وقبرص، ومصر، واليونان للتعاون في مجال استخدام وتصدير هذا الغاز. وحتى تركيا التي تعتمد حالياً على غاز باهظ التكاليف تستورده من روسيا، وإيران، وأذربيجان، تفكر في شراء الغاز من إسرائيل - وهو قرار تجاري يتطلب تقارب سياسي مع كل من القدس وقبرص، ويمكن أن يتزايد تعقيداً من جراء الحكم القضائي الأخير.
باختصار، إن آمال إسرائيل بأن تصبح عملاقاً صغيراً للطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط قد تبخرت على ما يبدو لمدة تزيد قليلاً عن عام واحد. ويتعارض قرار السابع والعشرين من آذار/مارس مع الحقائق التجارية الكامنة في مشاريع الطاقة ذات التكلفة العالية التي أمدها عشرين عاماً. ونظرياً، يمكن أن يقر "الكنيست" (البرلمان) الإسرائيلي قانوناً أمده عشر سنوات يسمح باعتماد بند يضمن الاستقرار، ولكن نتنياهو سيواجه على الأرجح معارضة من قبل شركائه في الائتلاف المتلهّفين لإرغام [الحكومة] على إجراء انتخابات جديدة. وقد تكون "نوبل" قادرة أيضاً على الحصول على مجموعة مختلفة من الضمانات المقبولة لجميع الأطراف. ومن دون تحقيق مثل هذا التقدم، سيتطلب حل المأزق بناء وعي مجتمعي أوسع نطاقاً حول فوائد ثروة الغاز الطبيعي وخلق توافق سياسي داخلي، إلا أن احتمالات أي منهما - ناهيك كليهما - تبدو ضئيلة.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.