- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2780
سياسة الاستيطان الجديدة لنتنياهو: مزاياها وقيودها
في الثلاثين من آذار/مارس، أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعضٍ أعضاء مجلس وزرائه الأمني أن إسرائيل ستتصرف بتحفّظ فيما يخص أي نشاط استيطاني مقبل. وجاء هذا القرار في أعقاب مؤتمر صحفي مشترك عقده مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض في 15 شباط/فبراير حيث طلب منه الأخير أن "يعلّق النشاطات الاستيطانية لفترة وجيزة" في الضفة الغربية. كما جاء هذا القرار بعد الزيارة التي قام بها مبعوث البيت الأبيض جيسون غرينبلات إلى إسرائيل، وعشية الزيارتان التي قام بهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله إلى واشنطن. وفي حين قال نتنياهو إن التغيير في السياسة كان قراراً اسرائيلياً محضاً، إلا أن التصريح الذي صدر في وقت لاحق عن البيت الأبيض والذي رحب بهذه الخطوة يوحي بوجود بعض التنسيق مع واشنطن. وقد أجرى رئيس الوزراء وغرينبلات مناقشات في القدس دامت حوالي ثماني ساعات، ويبدو أنها تمحورت على الأقل إلى درجة لا يستهان بها حول قضية الاستيطان. وعلى الرغم من أن نتنياهو أطلع مجلس الوزراء بعد ذلك أنه لم يتم التوصل إلى تفاهمات ثنائية شفهية حول الموضوع، إلا أن التكهنات مستمرة.
تحديد الضبط
تتسم قضية المستوطنات بحساسية شديدة بالنسبة إلى ائتلاف نتنياهو اليميني الحاكم، إلى درجة أنه لم يصدر بعد أي بيان رسمي عن التصريحات التي أدلى بها في الثلاثين من آذار/مارس. وبالمثل، انتظر مساعدوه حتى وقت متأخر جداً من ذلك اليوم لإطلاع الصحفيين حول هذه المسألة، بعد أن سبق وأُرسلت صحف نهاية الأسبوع للطباعة، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذا التأخير لم يكن عرضياً. وحتى الآن، لم ينشر نتيناهو هذا القرار على أي موقع رسمي.
ووفقاً للتقرير الإعلامي الرسمي، تتضمن سياسة الضبط الجديدة الأحكام التالية:
عدم بناء بؤر استيطانية جديدة: بحكم تعريفها، تُبنى "البؤر الإستيطانية" [التجمعات المنفصلة] (مقارنةً بالمستوطنات الكاملة) من قبل بضع عشرات العائلات دون ترخيص حكومي. وقد وافق نتنياهو على حظر هذه الممارسة في إطار السياسة الجديدة. ومع ذلك، كانت إسرائيل قد تعهدت بالفعل منذ عام 2003 بتفكيك جميع البؤر الإستيطانية القائمة، دون الاكتفاء بمنع قيام تجمعات جديدة. ولكن الكنيست الإسرائيلي أقر في شباط/فبرار "قانون التنظيم" الذي أضفى الشرعية حتى على البؤر الإستيطانية التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية الخاصة (بعد دفع التعويضات للمالكين). بيد أن النائب العام أفيحاي ماندلبليت اتخذ خطوة استثنائية وأعلن أنه لن يدافع عن القانون أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، معتبراً على ما يبدو أن القضاة سينقُضون القانون حتماً.
عدم بناء مستوطنات جديدة باستنثاء عمونا: ينبع الاستثناء الوحيد عن التزام نتنياهو في نهاية إدارة أوباما ببناء مستوطنة جديدة لواحد وأربعين أسرة كان قد تم إخراجها حديثاً من موقع عمونا الاستيطاني. فقد أصدرت المحكمة العليا أمراً بإزالتها لأنها كانت تسكن بصورة غير مشروعة على أراضٍ فلسطينية خاصة. وعلى الرغم من أن نتنياهو كان قد أصرّ سابقاً على أنه لم يتم بناء مستوطنات جديدة في السنوات الأخيرة، إلا أن المسؤولين في إدارة أوباما اعترضوا على هذا الادعاء، لافتين إلى أنه تم إضفاء الشرعية على تسع عشرة بؤرة استيطانية خلال الفترة المذكورة. وتساءلوا أيضاً عمّا إذا كانت الثغرات في البناء تشكل مستوطنات جديدة.
ضوابط على المستوطنات القائمة: أفادت بعض التقارير أن نتنياهو أبلغ مجلس الوزراء أن إسرائيل ستوسّع المستوطنات القائمة "ضمن المناطق التي سبق تطويرها" فقط. والمصطلحات المستخدمة عادة في هذا السياق هي "المناطق المبنية" أو "خط البناء"، لذلك فمن غير الواضح ما إذا كان لنتنياهو قصدٌ آخر. وفي كافة الأحوال، فقد أعطى لهذه الضوابط أهمية كبيرة. أولاً، أشار إلى أنه في حال عدم توفر أي مساحة مناسبة للتوسع ضمن منطقة مطوّرة، ستعمل إسرائيل على البناء بمحاذاتها. ثانياً، وفقاً لما ذكرته صحيفة هآرتس، في الحالات "التي يتعذر استيفاء أيٍّ من هذه الشروط بسبب قيود قانونية أو أمنية أو طوبوغرافية، سوف تسمح إسرائيل بالبناء على الأراضي الممكنة الأقرب إلى المناطق المطورة". وبدا أن إسرائيل قد توصلت إلى اتفاق مماثل من حيث المبدأ مع إدارة بوش في الفترة 2003-2004، مما حدّ أعمال البناء بشكل ضمني في المناطق المبنية من المستوطنات وفي المناطق المتاخمة لها عند الضرورة. وعلى الرغم من أن هذا التوافق لم يتخذ شكل الاتفاق العلني، إلا أن الحكومتين وضعتا آلية تنفيذ لضمان الالتزام به في ذلك الوقت، مع أنه انهار في نهاية المطاف. والجدير بالذكر أن قرار نتنياهو الأخير لم يأتِ على ذكر مثل هذه الآلية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول كيفية ضمان الامتثال في المستقبل وتفادي أي مهرب قانوني منه.
عدم ضم المستوطنات: سوف تمنع السياسة الجديدة أي مطالب من قبل شركاء نتنياهو العنيدين في الإئتلاف بضم بعض المستوطنات إلى اسرائيل.
عدد أقل من اجتماعات التخطيط: تفيد بعض التقارير أن لجنة التخطيط التابعة لـ "الإدارة المدنية" لجيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهي الهيئة المسؤولة عن إقرار خطط بناء المستوطنات، سوف تجتمع بعد الآن مرة واحدة كل ثلاثة أشهر.
تجنب نهج الكتل الاستيطانية فقط
في الكلمة التي وجّهها نتنياهو للكنيست في أيار/مايو 2011، أعلن أنه سيركز على الإبقاء على الكتل الاستيطانية الإسرائيلية عند مناقشة عملية السلام الفلسطينية مع المسؤولين الأمريكيين، في إشارة إلى مجموعة المستوطنات الكبيرة القائمة داخل الجدار [الحاجز] الأمني في الضفة الغربية. ويقدر أن 76-85 في المائة من المستوطنين يعيشون في هذه التكتلات، التي تشكل نحو 8 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وهي متاخمة إلى حد كبير للمناطق الحضرية الإسرائيلية الواقعة داخل حدود ما قبل عام 1967، مع بعض الاستثناءات الملحوظة. وفي الواقع تتوافق هذه النظرة مع الرسالة التي بعث بها الرئيس بوش في نيسان/أبريل 2004 إلى رئيس الوزراء أريئيل شارون وجاء فيها أن أي اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين من شأنه أن يشمل على الأرجح احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على "المراكز السكانية الإسرائيلية الرئيسية القائمة" - وهي الشيفرة الدبلوماسية للتجمعات الاستيطانية. ومع أن الرسالة لم تناقش أعمال البناء الإسرائيلية في تلك المناطق قبل التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن إسرائيل فسّرتها على أنها ضوء أخضر ضمني لمثل هذا النشاط.
كثيرون يفترضون أن نتنياهو، سرّاً، لا يرغب في البناء خارج الكتل الاستيطانية لأنه يخشى من وقوع إسرائيل في واقع ثنائي القومية وتقويض هويتها كدولة يهودية. ولكنه لا يتحدث حالياً عن التجمعات كما كان يفعل في الماضي. وبما أن إئتلافه الحالي يُعتبر يمينياً أكثر من إئتلافاته السابقة، لذلك يعتقد على الأرجح أنه يفتقر إلى السلطة السياسية المحلية اللازمة لكي يطلب من ترامب تأييد رسالة بوش من عام 2004 - على الرغم من أنه اشتكى من عدم تأييد إدارة أوباما لها في عام 2009. وإذا ما ركّز حالياً على الكتل الاستيطانية وحدها، فقد يجازف بإثارة استياء نحو90,000 مستوطن يعيشون خارج الحاجز الأمني، فضلاً عن استياء رعاياهم السياسيين في الائتلاف، وهم حزب البيت اليهودي وجناح من حزبه الليكود الذي يتخذ موقفاً حازماً حول هذا الموضوع.
وبالتالي، يمكن وصف نهج نتنياهو الجديد بأنه "رسالة بوش ناقصة". وليس معروفاً ما إذا كان قد أعطى ترامب تعهداً سرياً عن طريق غرينبلات، إلّا أن منْع كافة أعمال البناء خارج التجمعات بشكل علني من شأنه أن يمنح ظاهرياً منافع دبلوماسية للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حتى لو أثار ذلك غضب المستوطنين خارج الكتل الاستيطانية. ومن خلال تعهد إسرائيل بعدم البناء في المستوطنات المعزولة خارج الجدار، تكون بذلك قد أشارت إلى استعدادها المحتمل للتفكير على الأقل في التخلي عن 92 في المائة من أراضي الضفة الغربية في المرحلة المقبلة، مما يحافظ بالتالي على قابلية تطبيق حل الدولتين. وفي الوقت نفسه، بوسع نتنياهو أن يظهر لناخبيه اليمينيين أنه ملتزم بزيادة النمو في المساحة البالغة 8 في المائة من الضفة الغربية حيث يعيش معظم المستوطنين.
بيد أن نهجه الحالي هو أكثر تواضعاً، ويبدو أنه مصمَّماً على إظهار ما يكفي من الانضباط لإدارة ترامب دون إثارة متاعب مع الإئتلاف في بلاده. وبموجب السياسة الجديدة، فإنه يخبر مؤيديه المستوطنين بصورة أساسية بما يلي::
· بإمكانهم مواصلة البناء خارج التجمعات وتوسيع مساحة مستوطناتهم عند الحاجة.
· لن تُفرض أي قيود على أعمال البناء في الأحياء اليهودية التي تتخطى الخط الأخضر في القدس، وهذا نهج يلقى تأييداً واسعاً في إسرائيل.
· سيتم منح سكان عمونا مستوطنة جديدة على طول الطريق الواقع جنوبي شرقي مدينة أريئيل باتجاه وادي الأردن. ويشار إلى أن المستوطنين المتجمعين في هذه المنطقة (كمستوطنة عيلي وشيلو وشفوت راحيل) لم يُعَدّوا قط جزءاً من التجمعات الاستيطانية، ولكن من الواضح أن المستوطنين يريديون تغيير هذا الوضع. وعند أخذ جميع هذه الأمور في الحسبان، سيصبح التجمع الآن موطناً لما يقرب من10,000 شخص.
· هناك ما يقرب من ألفي وحدة سكنية جديدة معدة للبناء في مناطق الاستيطان، المتاخمة إلى حد كبير للحدود التي كانت قائمة قبل عام 1967 (وحول هذه الخطة أشار نتنياهو إلى أنها كانت في طور الإعداد قبل وصول ترامب إلى السلطة).
ترامب، الدول العربية، والمستوطنات
أعرب كل من ترامب ونتنياهو عن أملهما بأن تكون التهديدات المشتركة كإيران والتنظيمات الإسلامية المسلحة قد أنشأت تقارباً استراتيجياً بين إسرائيل ومختلف الدول العربية. كما وصفا هذا الأمر بالمقاربة القائمة "من الخارج إلى الداخل" للتوصل إلى حل الدولتين حيث تعقد إسرائيل سلاماً مع العالم العربي قبل أن تسعى إلى التوصل إلى ترتيبات مع الفلسطينيين. والافتراض الضمني هنا هو أن الدول العربية ستسخدم بعد ذلك نفوذها على الفلسطينيين للحصول على تنازلات على نحو لم تفعله أبداً من قبل لتسهيل الاتفاق مع إسرائيل.
بيد، إن أي مقاربة من هذا القبيل تعتمد على اتخاذ إسرائيل خطوات على الأرض تبرّر الانخراط الدبلوماسي الناشط للعرب. وبعبارة أخرى، تعتبر الإجراءات الإسرائيلية ضرورية لإغراء العرب بالانخراط بشكل أعمق. ومن هذا المنطلق، بدا أن إدارة ترامب قد حثّت نتنياهو خلال الأسابيع الأخيرة على التلميح إلى سياسة استيطانية جديدة قبل قدوم السيسي والملك عبدالله إلى واشنطن، لربما من أجل تمهيد الطريق لعقد اجتماع سلام متعدد الأطراف في وقت لاحق من هذا العام. ولكن من المستبعد أن يرى الزعماء العرب في نهج "رسالة بوش ناقصة" الذي تم الكشف عنه الأسبوع الماضي بمثابة قيود حقيقية.
ولا بد من اتخاذ المزيد من التحركات المتبادلة من أجل فتح المجال أمام مجموعة أكبر من الخطوات الدبلوماسية. ويشمل ذلك جهود من قبل الجانب الفلسطيني للحد من التحريضات، فضلاً عن تحركات مختلفة من قبل الدول العربية واتخاذ المزيد من الخطوات من الجانب الإسرائيلي بشأن ضبط الاستيطان. ومن الناحية النظرية، ينبغي على كل واحدة من هذه الخطوات أن تفتح مجالاً سياسياً للتصرف أمام الأطراف الأخرى. إلّا أنّ مثل هذا السيناريو لا يتصف أبداً بالسهولة في الشرق الأوسط الفوضوي بسبب القيود السياسية المحلية - بما في ذلك في إسرائيل، حيث يبدو ميزان القوة بيد المستوطنين. وإذا ما استجابت الدول العربية، من الممكن أن يجد نتنياهو نفسه عالقاً بينها وبين ائتلافه في البلاد، ومن الصعب معرفة كيف سيتمكّن من تذليل صعوبة هذه المهمة المستحيلة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.