- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
احتلال، وليس فصل عنصري
في العام 2014، حذّر وزير الخارجية الأمريكية جون كيري من خطر أن تصبح إسرائيل "دولةً ذات نظام فصل عنصري" ما لم يتم التوصل إلى حلّ إقامة دولتين. وفي تقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) في شهر آذار/مارس 2017 تحت عنوان "الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وقضية الفصل العنصري"، اتّهمت اللجنة إسرائيل بانتهاج الفصل العنصري في تعاملها مع الفلسطينيين.
ويشار إلى أن ريتشارد فولك وفيرجينيا تيلي اللذين أعدّا التقرير استندا في تعريف عبارة "دولة فصل عنصري" بالدرجة الأولى إلى المادة الثانية من المعاهدة الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لعام 1973 ومن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تشمل وتنطبق عبارة "جريمة الفصل العنصري"، على سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين المشابهة لتلك التي مورست في جنوب افريقيا، وعلى الأفعال اللاإنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة اثنية من البشر على فئة أخرى واضطهادها إياها بصورة منهجية. وتنص معاهدة مناهضة الفصل العنصري على أن جريمة الفصل العنصري هي فعل لاإنساني متميز لا يعتبر جريمة ضد الإنسانية إلا متى ارتكب عمدًا لتحقيق الغرض الجوهري من الهيمنة العنصرية، فيما يحدد نظام روما الأساسي في تعريفه وجود "نظام مؤسسي" يخدم "نية الهيمنة العنصرية". ويفيد التقرير ان البحث العلمي والأدلة المتعددة تشير بان إسرائيل مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري. وتقوم حجة الفصل العنصري في التقرير على "منحى السياسات الذي يصب في خدمة هدف الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية" على غرار "سياسة الأراضي" و"القانون الإسرائيلي الذي يمنح كافة اليهود في العالم حق العودة لإسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية بغض النظر عن دولتهم الأم وعن ارتباطهم بدولة إسرائيل أو عدمه، فيما يحرم الفلسطينيين من أي حق مماثل من العودة الى دولة فلسطينية، بمن فيهم الفلسطينيين الذين يملكون منازل مسجلة من عهد أجدادهم في البلاد". بيد أن الامثلة المذكورة في التقريرهي في الاغلب ناشئة عن سياسات الاحتلال وليس الفصل العنصري.
استنكرت اسرائيل التقرير وصرّح السفير الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة داني دانون قائلاً إن "محاولة ذمّ وتشويه صورة الدولة الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط بواسطة مقارنة خاطئة لهو عمل شائن وكذب سافر".
علميا، فإنّ اعتبار إسرائيل "دولة فصل عنصري" أو عدمه يعتمد على تعريف عبارة "الفصل العنصري" ومعناها. بشكل عام، تعني هذه العبارة "نظام مؤسسي من الفصل والتمييز العنصريين". وعلى العموم، ينتج عن الفصل العنصري فصل في المرافق العامة والفعاليات الاجتماعية، وتحديد فرص السكن والتوظيف بحسب العرق. بالتالي، لا بد من توفر العناصر التالية في الدولة حتى تعتبر دولة فصل عنصري:
1. يجب أن يكون التمييز منتهجًا بشكل مؤسسي وبمقتضى القانون.
2. يجب أن يكون سبب التمييز عنصريًا بمعنى أن ينطبق التمييز على المرافق العامة والفعاليات الاجتماعية وفرص العمل ومناطق السكن.
ولكن في حال لم يكن التمييز الذي تمارسه الدولة معتمدًا بشكل مؤسسي وبموجب القانون ولم يكن عنصريًا وغاب عنه الفصل الالزامي في المرافق العامة والفعاليات الاجتماعية ومناطق السكن، فهو بذلك لا يعتبر فصلاً عنصريًا كما هو الحال مع إسرائيل.
وهؤلاء الذين يتهمون إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري يخلطون ما بين سياسات الاحتلال و سياسات الفصل العنصري. فالجيش الإسرائيلي مثلاً قام بتفكيك مشروع بتمويل هولندي في الضفة الغربية على ضفاف نهر الأردن، بما في ذلك معداته وحظائره. وكان هذا المشروع الذي صرفت عليه هولندا نحو 10 ملايين يورو يُعنى بتعليم الفلسطينيين كيفية استخدام الأرض لزراعة محاصيلهم الخاصة. ان هذه سياسة احتلالية قمعية، وليست فصلاً عنصريًا. والجدار الذي بنته إسرائيل هو "جدار فصل" جاء في أعقاب الهجمات الانتحارية التي طالت المدنيين الإسرائيليين وكان الغرض الاساسي منه فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين لأسباب سياسية وأمنية وليس "جدار فصل عنصري" بهدف التمييز العرقي.
كما أن إسرائيل لا تقوم بأية استثمارات في البنية التحتية في منطقة "ج" التي يعيش فيها الفلسطينيون تحت السيطرة العسكرية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. وهذا يعتبر من طبيعة دولة الاحتلال. فدولة الاحتلال ببساطة لا تهتم بالاستثمار في منطقة محتلة. أضف إلى أن إسرائيل لا تمارس التمييز ضد الفلسطينيين بسبب جذورهم العرقية أو بسبب لون بشرتهم بل لأنها تريد استمرارية الاستحواذ على أراضيهم.
ولا يخفى على أحد وجود بعض القوانين التمييزية، ولكن هذه القوانين لا تعني أن إسرائيل هي دولة فصل عنصري. وصحيحٌ أن إسرائيل تتبع تمييزًا في قطاع الإسكان حيث يحظَّر على العرب استئجار أو شراء المنازل في بعض الأحياء اليهودية، ولكن هذه الممارسة ليست إجراءًا قانونيًا بل هي إجراء واقعي ناشئ عن السلوك الاجتماعي. والفلسطينيون يقومون بالأمر ذاته حيث أنهم يعتبرون بيع الاراضي لليهود من الجرائم الكبرى وعقابها الموت.
إن اتهام إسرائيل بالفصل العنصري لا يخدم القضية الفلسطينية، بل يصرف الاهتمام عن واقع أن إسرائيل هي دولة احتلال. فالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا يتعلق بفصل عنصري بين مواطني الدولة كما كان الحال في جنوب افريقيا وإنما هو احتلال جاء في اعقاب نصر عسكري. وما يطالب به الفلسطينيون ليس إنهاء الفصل العنصري في دولة اسرائيل بل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية والاعتراف بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم وحقهم باقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة وسيادية وعاصمتها القدس الشريف.