- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
احتمالات حصول تقارب تركي- إيراني
في هذه المرحلة من المفاجآت الاستراتيجيّة الكبيرة في الشرق الأوسط، يبدو كلّ شيء ممكناً، بما في ذلك إعادة دخول روسيا العسكري الناجح إلى المنطقة، وشبه تخلّي الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس باراك أوباما عن التزاماتها في تلك المنطقة التي دامت 40 عاماً، وظهور دولة إسلامية إرهابيّة، ومواجهة سنيّة- شيعيّة محتملة.
وخلال هذه الفترة التي تتّسم بكثرة المتغيّرات، من المهمّ تفحّص ما يبدو أنّه افتراضات ثابتة، من بينها العداوة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وآية اللّه في إيران. ولهذا العداوة جذور تاريخية تعود إلى مئات السنين، إلى المواجهة بين الإمبراطوريّة العثمانيّة والإمبراطوريّة الفارسية الصفوية على طول الحدود الحاليّة تقريباً. إلاّ أنّ هذه العداوة اندلعت مجدداً على مدى السنوات الخمس الماضية، وفي المقام الأول حول مصير نظام الأسد في سوريا، الذي حرصت طهران على دعمه بينما تحدته أنقرة بصورة مستمرة. بالإضافة إلى ذلك، ولأسباب دينية وجغرافية - سياسيّة، يُنظر إلى تركيا على أنها جزء من معسكر "المناهضين لإيران"، لاسيما وأنّ غالبية سكّانها هم من السنّة تحت قيادة رئيسٍ على روابط وثيقة بـ جماعة «الإخوان المسلمين». كما تحافظ البلاد على علاقات مع دول الخليج والأردن، وعلاقات صعبة بل تاريخية مع إسرائيل، وروابط أمنية عميقة مع الولايات المتحدة، وجميعها دول لطالما احتشدت ضد إيران.
ولكن، يمكن لذلك أن يتغيّر، إذ تختلف ديناميكيّة العلاقة التركيّة-الإيرانيّة عن السعوديّة-الإيرانيّة. فلا تشعر تركيا بالتهديد من إيران على كلا صعيديّ "الدولة أو القضيّة"، كما قال يوماً هنري كيسنجر. وعلى الرغم من أنّ ما يصل إلى عشرين في المائة من سكان تركيا هم من الطائفة العلوية التابّعة للإسلام الشيعي، إلّا أنّ نظرتهم تختلف تماماً عن تلك التي يتمسك بها آيات الله الإيرانيين، ومن غير المرجّح بالتالي تجنيدهم من قبل إيران. ونظراً إلى أنّ تركيا هي الدولة الوحيدة الواقعة بين مصر وباكستان التي لديها عدد سكان موازٍ لإيران، وتتمتّع باقتصاد قوي لا يعتمد على مورد النفط المتقلّب وممرّات التصدير البحرية، ولديها جيش قويّ وتحالف مع الولايات المتّحدة، فإنّ "قلق تركيا تجاه إيران" تحت السيطرة.
وعلى الرغم من التوتّرات التي شهدتها الجمهورية التركية في السنوات الأخيرة، إلّا أنها كانت على علاقات جيّدة على نحو معقول مع إيران منذ عشرينيات القرن الماضي، فقد استفاد كلا البلدين من "مبدأ ترومان"، وكانا عضوين في "حلف بغداد الإقليمي" (الذي عُرف لاحقاً بـ "الحلف المركزي")، وشريكين وثيقين في التجارة. واشترت تركيا كمياّت كبيرة من الغاز الإيراني عبر خطّ أنابيب مدّ منذ أكثر من عشرين عاماً. ولم تتّجه العلاقات نحو الأسوأ إلا عندما واجه النظام التركي العلماني المحض نظاماً دينيّاً متشدّداً في طهران بعد سقوط الشاه عام 1979.
ولكن، حتّى في ذلك الوقت، لم تقف أيّ من الدولتين في مواجهة الأخرى بصورة جدّية. وفي الواقع، بعد أن شكّل [«حزب العدالة والتنمية»] بقيادة الرئيس أردوغان الحكومة بدءاً من عام 2002، تحسنت العلاقة بين البلدين - اللذين أصبح لكل منهما زعيم "إسلامي" في السلطة حتّى وإن اختلف المجتمعان بشكل جذري. وبلغ هذا التحسن أوجه مع توقيع "إتفاق طهران" عام 2010 حول برنامج إيران النووي، وهي مبادرة اتخذتها تركيا والبرازيل مع إيران، بدعم أولي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. فعندما رفضت الولايات المتحدة وغيرها من دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» التي كانت تتفاوض مع إيران هذا الاتفاق وطالبت بدلاً من ذلك بفرض الأمم المتحدة عقوبات على إيران، صوّتت كلّ من تركيا، التي كانت عندئذٍ عضواً في مجلس الأمن، والبرازيل ضدّ هذه العقوبات.
وعلى الرغم من أنّ الصراع بين الدولتين حول نظام الأسد هو أمر جدّي، إلّا أنّ هناك فرصة جديدة أمام الرئيس السوري للإستمرار في منصبه، ليس بسبب الدعم الإيراني، على الرغم من أهميته، بل بسبب التدخّل الروسي. لذلك يجب أن يقع لوم الرئيس التركي أردوغان على هذا التدخل، وليس على إيران، كونه السبب الرئيسي وراء بقاء الأسد. وبالإضافة إلى ذلك، أدّى التدخل الروسي إلى قيام أزمة طويلة بين موسكو وأنقرة بعد إسقاط الأخيرة طائرة روسية.
وتعدّ روسيا وإيران حليفين استراتيجيين ناشئين، كما قال الجنرال لويد أوستن قائد "القيادة المركزية الأمريكية" لمجلس الشيوخ الأمريكي في 8 آذار/مارس. إلا أنّ خلافاتهما بما في ذلك حول مصير الأسد لا زالت قائمة. بيد، تضغط واشنطن، في ظل إدارة أوباما، والتي هي حليفة تركيا، لتحقيق علاقات أفضل مع إيران. إن ذلك يعطي تركيا هامش مرونةٍ يخوّلها لعب لعبة الدبلوماسية الكلاسيكية، أي إيجاد توازن في العلاقات بين روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة. وإذا تدخلت روسيا لتحقيق "انتصار محدود" للأسد عبر منح حكومة سورية جديدة، بوساطة موسكو و الولايات المتحدة، دوراً ظاهرياً على الأقل، فإن ذلك سيمنح تركيا مجالاً للعمل على حماية الجماعات السورية التي تدعمها واستغلال الانقسامات المحتملة، بين روسيا وإيران حول مستقبل سوريا، لصالحها.
ويمكن أن تستفيد العلاقات التركية الإيرانية من مجالات أخرى أيضاً، بدءً من تجارة الغاز وإلى معارضتهما المشتركة للحركات الانفصالية الكرديّة التركيّة والإيرانيّة («حزب العمال الكردستاني» و«حزب الحياة الحرة لكردستان»). وأخيراً، ومع توجّه روسيا نحو العمل العسكريّ في شبه جزيرة القرم وأرمينيا وبحر إيجه وسوريا، ومع وجود تركيا في الوسط، ستحتاج الأخيرة إلى جيران ودودين من بينهم إيران.
ونظراً إلى طموحات إيران المستمرة للهيمنة [على المنطقة]، فإن "فصل" تركيا عن "الجبهة المناهضة لإيران" قد يضفي تعقيدات على النظام الأمني الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة. لكنّ واشنطن تقبّلت سابقاً تقرّب الرئيس التركي أردوغان من طهران، وقد يمتدّ هدف الولايات المتّحدة المتمثل بإدماج نظام إيراني أكثر اعتدالاً في العالم الحديث إلى ما بعد إدارة أوباما. وهكذا، قد تتمكّن الولايات المتحدة من التكيّف مع علاقات أكثر دفئاً بين إيران وتركيا، طالما تحافظ واشنطن على النية على تعزيز الأمن في المنطقة والقدرة على القيام بذلك، وطالما توازن تركيا أيّ تقرّب إلى الإيرانيين مع علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وإسرائيل.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولونز" في معهد واشنطن، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا.
"سايفر بريف"