- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2779
الرئيس ترامب يناقش مع الرئيس المصري السيسي موضوع الإرهاب
مرّت سبع سنوات على آخر زيارة قام بها رئيس مصري للبيت الأبيض، إلا أن اللقاء المرتقب في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض للرئيسين ترامب وعبد الفتاح السيسي في 3 نيسان/أبريل يبشّر باستقبال حارّ في ربوع الوطن الأمريكي. وعلى الرغم من أن هذين الرئيسين اجتمعا سابقاً مرة واحدة فقط، قبل الانتخابات الأمريكية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في العام الماضىي، إلا أنهما أقاما علاقات جيدة وفقاً لجميع الروايات. وفي ذلك الوقت، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئيس السيسي بأنه "رجل رائع"، في حين لم يتوقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ ذلك الحين عن الإشادة "بمدى عمق تفهّم" نظيره للتطورات الجارية في الشرق الأوسط ومصر. ويبدو أن علاقتهما، تقوم إلى حد كبير، على مكافحة الإرهاب، وهي أولوية سياسية كان قد وضّحها كلا الزعيمين بشكل متكرر ومن المرجح أن تكون محور اجتماعهما يوم الاثنين. ونظراً إلى قضايا الإرهاب المستمرة في مصر، هناك الكثير الذي يجدر بالطرفين مناقشته في هذا الصدد.
مأزق سيناء
في عام 2016، أشاد ترامب بالسياسة التي ينتهجها السيسي لمكافحة الإرهاب، وأشار إلى أن "نهجه المتشدد" قد أخرج الإرهابيين [من مصر]. وقد دمّرت القاهرة بشكل منهجي البنية التحتية الاجتماعية والسياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، التي لا تزال صلاتها المزعومة بالإرهاب غير مؤكدة. إلا أن مصر لا زالت تواجه تحدياً إرهابياً فتاكاً، لاسيما في شبه جزيرة سيناء، حيث يشن ما يقدر بنحو 600 مقاتل من تنظيم «الدولة الإسلامية» حرباً على الدولة.
وبالفعل، لا يبدو أن الحملة التي تشنّها القاهرة ضد تنظيم «داعش » تسير على ما يرام. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، فيما أصبح حدثاً معتاداً، قُتل إثنا عشر ضابطاً في هجوم شنّه تنظيم «الدولة الإسلامية» في "شمال سيناء". ويبلغ معدل الضحايا ما يقرب من أربعة عشرين جندياً ورجل شرطة شهرياً في شبه الجزيرة، وهي خسائر مروّعة استمرت لسنوات. وتحظر مصر على الصحفيين دخول سيناء، ولكن الأخبار القاتمة لا تزال تتسرب منها. فعلى سبيل المثال، تنتشر الشائعات حول وقوع أضرار جانبية واسعة النطاق ناجمة عن الجيش. وفي أواخر شباط/فبراير، ظهرت تقارير مفادها أن المسيحيين الأقباط فروا من العريش، التي تعتبر أكبر مدينة في شمال سيناء، بعد أن ارتكب تنظيم «الدولة الإسلامية» عدة فظائع ضد أفراد هذا المجتمع. وفي هذا الشهر، بدا أن الصور التي انتشرت على مواقع إلكترونية جهادية تؤكد أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يسيطر على نقاط التفتيش الأمنية في المدينة ويضبط الأمن الأخلاقي في الشوارع. وفي حين ينحصر التمرد أساساً في شمال شرق سيناء، إلّا أن الوضع الأمني هشّ جداً إلى درجة أن إسرائيل حثّت مواطنيها - الذين يسافر الآلاف منهم إلى جنوب سيناء لقضاء عطلة عيد الفصح الطويلة - على مغادرة شبه الجزيرة.
وقد جاءت النجاحات الأخيرة للتنظيم في شبه الجزيرة في أعقاب سلسلة طويلة من الهجمات الملفتة للأنظار. ففي عام 2014، وهي السنة التي تعهد فيها المتمردون في سيناء بالولاء لتنظيم «الدولة الإسلامية»، أسقط التنظيم مروحية نقل مصرية من طراز "مي-17" فوق شبه الجزيرة، بصاروخ أرض-جو وفقاً لبعض التقارير، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وفي عام 2015، دمّر التنظيم دبابة قتالية من نوع "إم 60"، ثم أغرق سفينة حراسة مصرية قبالة ساحل العريش، باستخدامه في كلتا الحالتين صواريخ مضادة للدبابات روسية الصنع من طراز "كورنيت". وفي العام نفسه، تبنّى تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤولية تفجير طائرة ركاب روسية، الأمر الذي أسفر عن مقتل 224 مدنياً كانوا عائدين من إجازة في شرم الشيخ. وكان لذلك الهجوم تأثيراً عميقاً على السياحة والعمالة في جنوب سيناء، وهي منطقة كانت معزولة في السابق عن الآثار الاقتصادية للإرهاب في الشمال. وقد أظهرت هذه العمليات مجتمعة القدرات الفتاكة المتزايدة للتنظيم، والتي تعززها الأسلحة المتطورة التي يتم إمدادها عن طريق غزة، وفقاً المخابرات المصرية.
وفي عام 2016، أدّى تدهور الوضع الأمني إلى إقناع إدارة أوباما بإجراء بعض التعديلات على مواقع نشر «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» في سيناء. وتقوم هذه «القوة» بمراقبة تطبيق الأحكام الأمنية لمعاهدة السلام الإسرائيلية -المصرية منذ عام 1982، مع ما يقرب من 1,700 جندي - من بينهم 700 أمريكي - موزعين بين "المعسكر الشمالي" (بالقرب من رفح) و"المعسكر الجنوبي" (خارج شرم الشيخ مباشرة). وبما أن القاهرة لم تكن قادرة على توفير الحماية الكافية للقوة، فقد تم نقل معظم أفراد «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» إلى "المعسكر الجنوبي"، ويجري الآن تنفيذ أنشطة المراقبة في "شمال سيناء" من خلال المراقبة السلبية والروتينية لطائرات "بلاك هوك" التي تجوب الأجواء بصورة اعتيادية. وتسمح هذه الطائرات المروحية لـ «القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» بتجنب أكثر وسائل تنظيم «الدولة الإسلامية» فتكاً، والأجهزة المتفجرة المرتجلة التي ظهرت كتهديد رئيسي لقوات مكافحة التمرد المصرية. كما قامت الجماعة باستخدام المزيد من الشظايا المخترقة الذاتية التكوين (العبوات الخارقة للدروع) ضد الدروع المصرية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» ملتزماً بتوسيع المعركة خارج سيناء. وفي حين تَحسّن الوضع الأمني غرب قناة السويس بشكل كبير على مدى العامين الماضيين، إلا أن التهديد ما زال مستمراً. وفي كانون الأول/ ديسمبر، شن انتحاري هجوماً على كنيسة في القاهرة، مما أسفر عن مقتل أربعة وعشرين شخصاً. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أدى زرع قنبلة [عبوة ناسفة] في ضاحية المعادي الراقية في القاهرة عن مقتل شخصاً واحداً وإصابة ثلاثة آخرين بجراح. ومما يبعث على القلق أيضاً أن السلطات المصرية اكتشفت صاروخ أرض-جو من طراز "إس أي 7" - قادراً على إسقاط طائرة تجارية بالقرب من مطار القاهرة في كانون الثاني/ يناير.
التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل
في خضم الدمار، كانت إحدى الأخبار الجيدة القليلة من سيناء هي التعاون الاستراتيجي الإسرائيلي -المصري المعزز الذي يجري هناك. ففي ما يقارب من عشرين مرة منذ عام 2013، وافقت إسرائيل على طلبات القاهرة بنشر معدات وأفراد إضافيين فيما يتجاوز أحكام الملحق الأمني لمعاهدة السلام. وعلاوة على ذلك، يصف مسؤولون من البلدين تبادل المعلومات الإستخباراتية الجارية بينهما حول تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنه قوي وغير مسبوق. وعلى هذا المنوال، تقوم إسرائيل الآن بتحليق طائرات مسلحة بدون طيار وطائرات مقاتلة مأهولة في المجال الجوي المصري بإذن من القاهرة، تستهدف إرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية» كما تشاء.
إلا أن التوصل إلى تعاون مصري مع واشنطن حول سيناء قد تباطأ كثيراً. فلم تفلح الحكومة الأمريكية لسنوات في إجبار مصر على تبني نهجاً حديثاً لمكافحة التمرد في شبه الجزيرة، بما في ذلك الجوانب الحركية والاقتصادية. ولطالما قاومت القاهرة، حتى فترة قريبة، العروض الأمريكية للمساعدة التقنية والتكتيكية. إلا أن مصر نالت مؤخراً ما طلبته من مساعدة تتمثّل بالكشف عن العبوات الناسفة والتخلص من الذخائر المتفجرة. ومن أجل الحماية بشكل أفضل من العبوات الخارقة للدروع، تقوم واشنطن بتزويد مصر بسبعمائة واثنين وستين مركبة مدرّعة مضادة للكمائن والألغام كوسائل دفاعية إضافية، وذلك كهدية لمصر دون أي تكلفة. ووصلت أولى هذه المركبات إلى مصر في أيار/مايو 2016.
التحدث مع السيسي حول الإرهاب
يعتبر الرئيس السيسي أن لقاء البيت الأبيض يشكّل فرصة لتسليط الضوء على تحسّن العلاقات المصرية مع واشنطن، وربما طلب تمويل عسكري إضافي يتجاوز التمويل العسكري الأجنبي السنوي التي تحصل عليه مصر والذي يبلغ حالياً ١٬٣ مليار دولار. وعلى أقل تقدير، سوف يَطلب السيسي من الرئيس ترامب أن يصادق مجدداً على قرار تمويل مصر عبر التدفقات النقدية، وهو بند استثنائي يمكّن القاهرة من إبرام صفقات ضخمة لشراء أنظمة أسلحة قديمة، وذلك أساساً باستخدام التزامات المساعدات المالية الأمريكية قبل عقد من استحقاقها، وهي بمثابة سلفة يتعين على مصر تسديدها لاحقاً. وكانت إدارة أوباما قد ألغت هذه الإكرامية في عام 2015 بعد الانقلاب العسكري الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من جماعة «الإخوان المسلمين» من منصبه. ومع ذلك، تبدو إدارة ترامب أقل قلقاً بشأن الآثار المترتبة على التنمية الديمقراطية في مصر، لذلك قد تكون متعاطفة مع استئناف تمويل التدفقات النقدية (على الرغم من أن المزيد من التمويل العسكري الأجنبي يبدو مستبعداً نظراً للرغبة المعلنة للإدارة الأمريكية في خفض ميزانية وزارة الخارجية).
وقد يكون هناك طريق أكثر أهمية للنقاش يتمثل في النكسات التي تعرضت لها الحملة المصرية لمكافحة الإرهاب في سيناء. فبعد سنوات من خوض الجيش المصري المعركة الدائرة في مصر، وفي ظل التقدم الضئيل الذي يحققه في ساحة المعركة، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ضعف أدائه ينمّ عن نقص في الإرادة أو المقدرة. وعلى الرغم من التدريب الواسع الذي تقدمه/توفّره الولايات المتحدة والتعاون الثنائي الوثيق على نحو متزايد مع إسرائيل، يمكن القول بأن التمرد هو أكبر [حجماً] وأكثر فتكاً مما كان عليه قبل عامين.
وفي أعقاب محادثة هاتفية جرت بين ترامب والسيسي في كانون الثاني/يناير أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر أن الإدارة الأمريكية ملتزمة بمواصلة المعونة العسكرية وضمان أن المساعدات الأمريكية "تدعم بفعالية الحرب التي يشنها الجيش المصري ضد الإرهاب". ولكن قد لا تكون القاهرة ملتزمة بما فيه الكفاية لاستخدام هذه المساعدة لشراء ما يلزمها لمكافحة الإرهاب. بمعنى، أن الجيش المصري لا يزال يفضّل أن ينفق ما يحصل عليه من التمويل العسكري الأجنبي لشراء الدبابات وقاذفات "إف-16" والصواريخ بدلاً من المعدات الأكثر ملاءمة لعمليات مكافحة التمرد ووضع حد للعمليات الأمنية الحدودية. ولعل الأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن قسماً هائلاً من النفقات العسكرية التقديرية للقاهرة، أي ما تقوم بشرائه من صناديقها الوطنية، قد ركّز على المعدات الأوروبية المخصصة للحرب التقليدية ضد عدو مجهول الهوية. وتشمل هذه المشتريات الرئيسية على نحو غير مفهوم أربع غواصات ألمانية، و 24 طائرة مقاتلة فرنسية من نوع "رافال"، وسفينة هجوم برمائية فرنسية من طراز "ميسترال".
من جانبها، تركز إدارة ترامب على هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما أن جهودها لفتح صفحة جديدة مع القاهرة سوف تتأثر بهذا الهدف. ومع ذلك، ففي الوقت الذي تستطيع فيه واشنطن أن تفعل الكثير لمساعدة مصر على انسحاب تنظيم «داعش» من سيناء، فإن السؤال الحقيقي هو ما الذي ستفعله القاهرة لمحاربة التنظيم. يتعين على الجيش المصري، الذي تبلغ ميزانيته السنوية أكثر من 8 مليارات دولار وما يقرب من 440,000 رجل مسلح، أن يكون قادراً على ممارسة حقوق السيادة على أراضيه، وخاصة إذا ما نفذ استراتيجية حديثة لمكافحة التمرد بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل. ولمساعدة واشنطن في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، يجب على مصر أن تساعد نفسها أولاً.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.