- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2908
المحافظات تقود الوسط في احتجاجات إيران
اندلعت شرارة التظاهرات الأخيرة المناهضة للنظام في إيران في المحافظات الطرفية للبلاد، التي كانت بدورها مسرحاً لغالبية حالات الوفاة المعلنة. ولا يزال زخم التظاهرات على أشده في المحافظات الحدودية وليس في طهران، لا سيما في الشمال الغربي والجنوب الغربي من البلاد. ويشير اندلاع التظاهرات الواسعة الانتشار في أماكن مختلفة من البلاد - بما فيها المناطق الريفية وخارج المدن الكبرى - إلى أن هذا الحراك سيضع النظام أمام تحديات أكبر بكثير من تلك التي طرحتها احتجاجات "الحركة الخضراء" عام 2009، والتي تركّزت في طهران وتمتعت بقيادة واضحة يمكن كبتها وإخضاعها مباشرة.
وعلاوةً على ذلك، تشمل الاحتجاجات الحالية عنصراً عرقياً كان غائباً خلال انتفاضة عام 2009 ومن شأنه أن يسبب مشاكل إضافية للنظام. وعلى الرغم من أن هذا العامل ليس سوى أحد المظالم العديدة التي أججت حماسة المتظاهرين، إلّا أنّ حدة الاحتجاجات في المحافظات الحدودية تشير إلى أن ما يجري قد يطلق شرارة اضطرابات عرقية خطيرة. وتؤدي مظالم الأقليات إلى تفاقم المظالم الاقتصادية التي هي أكثر حدة في المحافظات من تلك في العمق الفارسي. وقد ظهر في مقاطع فيديو تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي والتي أفادت التقارير أنها مسجلة خلال العديد من التظاهرات، أن المشاركين يستخدمون لغات الأقليات على غرار اللغة الكردية والأذربيجانية ليرددوا شعارات تبجل الفخر العرقي. وانطلاقُا من هذا الواقع، على المراقبين الأجانب إيلاء المزيد من الاهتمام للعامل العرقي عند محاولتهم التنبؤ بالتطورات المستقبلية في إيران وتقييم استقرار النظام وثباته.
هيكلية المحافظات والتركيبة العرقية
تتألف إيران من 31 محافظة (بالفارسية: استان)، لكل منها محافظ تعيّنه الحكومة المركزية. وفي حالات عديدة، لا يكون هؤلاء المسؤولون من أبناء المناطق التي يتولون حكمها كما أنهم لا يتحدثون اللغة المحلية. ويقع ثلث المحافظات عند الحدود مع دولة أجنبية واحدة على الأقل، ويتشارك معظم سكانها الأصول العرقية، وغالباً ما تجمعهم روابط أسرية بهذه الدول. وفي بعض المحافظات، تنافس التعاملات التجارية المباشرة مع الدول المجاورة التجارة مع مركز إيران أو حتى تتخطاها.
إن غالبية سكان معظم المحافظات الحدودية هم من غير الفارسيين، في حين أن وسط إيران فارسي عموماً (على الرغم من أن نصف سكان طهران نفسها مكوّن من أقليات). وفي المجموع، تشكّل الأقليات العرقية أكثر من نصف إجمالي عدد سكان البلاد البالغ 82 مليون نسمة، وفقاً للتقييمات الأكاديمية الرئيسية. وأكبر مجموعة من هذه الأقليات هي تلك المكونة من الأذربيجانيين (حوالي 24 مليون)، تليها الأكراد (8 ملايين)، واللور [أو لُر أو الأكرد الفيلية] (3 ملايين)، والعرب (3 ملايين)، والتركمان (3 ملايين)، والبلوش (3 ملايين).
مظالم الأعراق والمحافظات
يمكن للهوية العرقية أن تضطلع بمجموعة واسعة من الأدوار في إيران. فالعديد من المواطنين المنتمين إلى الأقليات يعرّفون أنفسهم تعريفاً تاماً على أنهم إيرانيون، وأن هويتهم العرقية هي ذات أهمية سياسية ضئيلة. وفي الواقع، تنحدر بعض أهم ركائز النظام من مجتمعات الأقليات بمن فيهم المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه، الذي هو من أصول أذربيجانية. غير أنه بالنسبة للكثيرين غيرهم، تُعتبر الهوية العرقية أساسية، وربما تتنامى رغبتهم في الانفصال بسبب مجموعة من سياسات النظام التي تؤثر على مجتمعاتهم على الصعيد المحلي والخارجي، وبسبب وسائل الإعلام الحكومية التي لا تنفك تعامل الأقليات بازدراء.
وفيما يخص الاضطرابات المندلعة حالياً، تدلّ مؤشرات عديدة على أن الانتماء العرقي أصبح عاملاً مهماً. فعلى سبيل المثال، انطلقت الاحتجاجات في الأساس من مدينة مشهد، التي تضمّ شريحة واسعة من التركمان وتقع على بعد ساعتين بالسيارة من الحدود مع تركمانستان. ومن هناك امتدت الاحتجاجات إلى العديد من المدن الصغيرة في الشمال الغربي والجنوب الغربي من البلاد، ومعظمها في المناطق الكردية والعربية. ولم تبدأ الاحتجاجات الكبيرة في طهران إلا في اليوم الثالث، كما اندلعت مظاهرات كثيرة في وسط البلاد في مجتمعات تسكنها الأقليات (مثلاً مدينة كرج التي يهيمن عليها الأذربيجانيون خارج العاصمة).
بالإضافة إلى ذلك، فإن عشرات التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد أظهرت المحتجين في بعض المحافظات وهم يطلقون مطالب عرقية - قومية مترافقة مع موسيقى في الوقت الذي يرددون فيه شعارات بلغات الأقليات مثل اللغة الأذربيجانية والكردية والعربية. وقد أصدرت عدد من المنظمات الأجنبية التي تنادي بحقوق الأقليات العرقية تصريحات مؤيدة للاحتجاجات، ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى تمثل هذه المنظمات المواطنين فعلياً على الأرض. ومهما كانت الحالة، يبدو أن مطالب [الجماعات] العرقية تمثّل محركاً قوياً لشرائح واسعة من السكان التي قد لا تكون ناشطة سياسياً.
كما تواجه المحافظات صعوبات اقتصادية أكثر من تلك في وسط البلاد. فمعدلات الدخل والخدمات الاجتماعية في المناطق المحيطة هي في مستويات أدنى، ومعدلات البطالة في مستويات أعلى، ويعاني العديد من السكان تحديات صحية ومعيشية باهظة ناجمة عن الأضرار البيئية. وسواء كان هناك ما يبرر ذلك أم لا، غالباً ما تحمّل مجتمعات المحافظات مسؤولية هذا الضرر على سياسات الحكومة المركزية.
فضلاً عن ذلك، لا يسمح النظام للأقليات العرقية باستخدام لغاتهم الأصلية في الأماكن الرسمية مثل المحاكم والمدارس، في انتهاك للحماية الدستورية. وربما نتيجةً لذلك، يقول العديد من مواطني الأقليات في المدن الكبرى إن الفارسية هي لغتهم الوظيفية الأقوى.
يُذكر أن الاحتجاجات الحالية ليست الإشارة الأولى إلى المعارضة في المحافظات الحدودية. فقد نَفذت عناصر من الاقليات العرقية عدداً من العمليات الإرهابية المحلية خلال الأشهر القليلة الماضية، بما فيها الهجمات الكردية على مبنى البرلمان وضريح الخميني في طهران خلال حزيران/يونيو الماضي، فضلاً عن الهجمات المتكررة ضد حرس الحدود في الشمال الغربي.
وفي غضون ذلك، يتجاوز عدد الإعدامات القضائية التي نُفذت في المناطق الكردية والبلوشستانية إلى حدّ كبير المتوسط الذين يشهده وسط إيران. وبينما يدّعي النظام أن هذه الإعدامات تتعلق بجرائم مثل تهريب المخدرات، إلّا أنّ وتيرتها غير المتناسبة تشير إلى أن السلطات ربما تلجأ إليها من أجل قمع نشاط المعارضة. بالإضافة إلى ذلك، اغتيل رئيس منظمة شتات كبرى تدافع عن حقوق العرب في إيران في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بينما كان يغادر منزله في هولندا. ولم تتبنَ طهران المسؤولية عن تلك العملية، ولا يوجد دليل دامغ على تورطها فيها، ولكن ليس هناك أي مشتبه بهم آخرين.
كما هناك تداعيات محلية لسياسة إيران الخارجية تجاه الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، أدّت مساعي النظام لمعاقبة حركة الاستقلال الكردية في العراق في الخريف الماضي إلى إثارة السخط والاستياء في أوساط الأكراد الإيرانيين. بالإضافة إلى ذلك، قامتعاد أعداد أكبر من الأذربيجانيين الإيرانيين برحلات سياحية مستأجرة إلى جمهورية أذربيجان المجاورة خلال العام الماضي، وقد يكون بعضهم قد تأثر بتجربة الاستمتاع بلغتهم وثقافتهم الأم بعيداً عن القيود المفروضة عليهم في إيران.
كيف سيرد النظام؟
تتمثل قواعد اللعبة الاعتيادية التي يمارسها النظام للتعامل مع المعارضة العرقية وفي المحافظات في تحميل الأجانب مسؤولية بروزها في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحريض المجموعات المحلية ضدّ بعضها البعض. وقد سبق أن ألقى خامنئي اللوم على الأعداء الخارجيين في اندلاع الاحتجاجات الحالية. غير أنه في الحقيقة، يبدو جلياً أن الاضطرابات في المحافظات الإيرانية ناشئة من الداخل.
وكانت إثارة النزاع بين المجتمعات المحلية قد عادت بفائدة كبيرة على النظام الإيراني في الماضي، لذلك قد تحاول طهران الآن مفاقمة التوترات الكردية - الأذربيجانية - لا سيما في محافظة أذربيجان الغربية حيث تعيش هاتان المجموعتان معاً ولديهما شكاوى ضدّ بعضهما البعض. كما يمكن للنظام استمالة المشاعر القومية الإيرانية في أوساط النخبة الاقتصادية والسياسية. ويشمل ذلك نخب المعارضة - التي عندما واجهت احتمال اندلاع نزاع عرقي في الماضي، لم تكن العديد من هذه الشخصيات مستعدة للمخاطرة بسيطرتها على المحافظات أو هيمنة اللغة الفارسية لصالح معالجة مشاكل الأقليات أو تحقيق الإصلاح الديمقراطي.
أما بالنسبة لآفاق التحرك الدولي، فلطالما دعم الغرب حق الشعوب في التظاهر بشكل سلمي في بلدان مختلفة - ويكمن التحدي في كيفية جعل هذا الدعم فعالاً. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير، أوضحت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي أن واشنطن تحض مجلس الأمن الدولي على مناقشة الردود المحتملة إزاء الوضع في إيران. وتتمثل طريقة أخرى لدعم الشعب الإيراني في البث الدولي الذي يمنحهم معلومات موثوقة عما يجري في بلدهم، لموازنة الرقابة والتضليل في المحطات الإخبارية التابعة للنظام. وحتى الآن، لم تكن أي من "صوت أمريكا" و"إذاعة أوروبا الحرة"/"راديو ليبرتي" فعالة بشكل كبير في هذا الصدد، وخاصةٍ في بث أخبار تستهدف إيران بلغات غير الفارسية. ونظراً إلى المحفزات العرقية القوية على ما يبدو خلال الاضطرابات الأخيرة، يجب أن تدرس هاتان المحطتان زيادة برامجهما بلغات الأقليات.
البروفيسور بريندا شيفر هي زميلة أقدم في "مركز الطاقة العالمي" التابع لـ "المجلس الأطلسي"، وأستاذة مساعدة في "مركز الدراسات الأوروبية الأوراسية والروسية وأوروبا الشرقية" في "جامعة جورج تاون"، ومؤلفة كتاب "الحدود والإخوة: إيران وتحدّي الهوية الأذربيجانية" ( "إم آي تي بريس"، 2002).