- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2784
روج آفا تسعى إلى الانفتاح على سوريا
ملاحظة: اضغط على الخرائط للوصول إلى الإصدارات العالية الدقة.
قابل الجيش السوري في شباط/فبراير «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد جنوب منبج، وهو تطوّرٌ وصفته السلطات الكردية بأنه وسيلة للربط بين منطقة عفرين، شمال-غرب البلاد وباقي أراضيها على طول الحدود السورية-التركية. وكان «حزب الاتحاد الديمقراطي»، الميليشيا الكردية التي تسيطر على «قوات سوريا الديمقراطية»، سيفضّل السيطرة بقواته على هذا الرابط عوضاً عن الاعتماد على نظام الأسد، إلّا أنّ العمليات التركية الأخيرة أعاقت تقدّمه نحو الغرب. ومع ذلك، يؤمّن هذا الوضع للأكراد السوريين في منطقة الإدارة الكردية في شمال سوريا، المعروفة أيضاً باسم "روج آفا" ["الغرب"]، طريقةً جديدة لمنع الجهات الفاعلة الأخرى من تحجيمهم سياسياً أو اقتصادياً، على الأقل في الوقت الحالي.
لا تزال روج آفا تابعة للمجال الاقتصادي في سوريا
على الرغم من أنّ التطورات الأخيرة ستسهّل تداول السلع بين عفرين والمناطق الأخرى في روج آفا، إلا أن أي تحرك من هذا القبيل لا يزال خاضعاً للنوايا الحسنة للنظام. ولحسن حظ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، هناك مصلحة مشتركة لبشار الأسد في توسيع العلاقات الاقتصادية مع الأكراد. فمناطق غرب سوريا بحاجة إلى القطن والقمح والنفط المُنتج في مقاطعة الجزيرة في أقصى شرق روج آفا، في حين يحتاج الأكراد إلى تصدير المواد الخام لديهم واستيراد السلع المصنعة. وبفضل هذا الرابط البري الجديد، سوف يصبح الأكراد السوريون أقل اعتماداً في إمداداتهم على «حكومة إقليم كردستان»؛ فلم يعد الممر الشمالي-الشرقي إلى فيشخابور في العراق يشكّل الطريق التجاري الدولي الوحيد المتاح لهم.
وبطبيعة الحال، كانت العلاقات التجارية الكردية مع غرب سوريا مستمرةً في زمن الحرب حتى قبل ربط عفرين في شباط/فبراير. فقد استمرّ تبادل السلع بين روج آفا والأراضي التابعة للنظام، مع فرض ضرائب من قبل الجيش السوري ومختلف الميليشيات المتحالفة مع الأسد وميليشيات المتمردين. فعلى سبيل المثال، فُرض على الشاحنات التي تنقل محاصل الحبوب من مقاطعة الجزيرة إلى المناطق الحكومية دفع عمولة لقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» لدى مرورها عبر أراضيها. وفي الأشهر الأخيرة، في كلّ مرةٍ تمّ فيها إمداد عفرين بالوقود من المصافي في منطقة الرميلان شرق القامشلي، استولى المتمردون المدعومون من تركيا بين المنطقتين على ما يصل إلى نصف الشحنة كـ "رسوم". إلّا أنّه منذ شباط/فبراير، تمكّن الأكراد من إرسال الوقود عن طريق ممر الجيش السوري بين منبج وعفرين عبر حلب. وقد أبقت قوات الأسد رسومها منخفضةً نسبياً من أجل تشجيع استخدام الطرق الخاضعة لسيطرة النظام. إن تسهيل العمليات التجارية مع روج آفا يساعد الأسد على الصعيد السياسي أيضاً، إذ يبقي الأكراد تحت سيطرته الاقتصادية، في حين يجلب الفائدة أيضاً لشركائه الرئيسيين وأفراد عائلته، ومنهم رامي مخلوف صاحب شركة الطيران الرئيسية التي تخدم القامشلي "فلاي داماس".
مطار القامشلي لا غنى عنه
على الرغم من تواجد مطار القامشلي في أعماق منطقة روج آفا، إلا أنه لا يزال خاضعاً لسيطرة الجيش السوري. فلم يحاول «حزب الاتحاد الديمقراطي» السيطرة عليه لأنّه يشكّل وسيلة اتصال لا غنى عنها لروج آفا. فالرحلتين اليوميتين إلى دمشق مليئتان بالشحنات الأساسية، وهو الأمر بالنسبة للرحلتين الأسبوعيتين إلى بيروت والرحلة الأسبوعية الواحدة إلى الكويت. كما أنّ هذه هي الطريقة الأسهل لسفر المدنيين المحليين إلى الخارج. فالمطار الدولي الأقرب هو مطار إربيل، على بعد يوم كامل بالسيارة. ويشكّل عبور نهر دجلة إلى فيشخابور عملية مضنية، إذ لا يمكن للمدنيين استخدام البواخر لأنها مخصصة للشاحنات المحمّلة بالبضائع. أضف إلى ذلك أن المعاملات الجمركية تتطلب وقتاً طويلاً.
وقبل شباط/فبراير، كان مطار القامشلي أيضاً السبيل الوحيد لوصول المدنيين الأكراد إلى المنطقة الغربية الخاضعة للنظام. وطوال فترة الحرب، ساد القلق في صفوف الآلاف من طلاب الجامعات في حلب ودمشق وحمص واللاذقية من عدم تمكنهم من العودة إلى ديارهم في روج آفا. كما أنّ القدرة على الوصول إلى دمشق أساسية لأسباب طبية أيضاً، إذ إنّ مستشفيات روج آفا غير مجهزة تجهيزاً جيداً، ومعظم أدويتها تأتي من المنطقة الخاضعة للنظام. حتى أنّه تم نقل الرواتب العامة والمعاشات التقاعدية الآتية من دمشق بالطائرة. وباختصار، لا تملك السلطات الكردية حتى الآن الوسائل اللازمة لاستبدال الدولة السورية في العديد من القطاعات.
الاستقلال الاقتصادي: الإيديولوجية مقابل الواقعية
أدّى استيلاء «حزب الاتحاد الديمقراطي» على محافظة الحسكة في عام 2012، وتدهور الاستمرارية الإقليمية مع منطقة النظام عندما سيطر المتمردون على وادي الفرات، إلى اضطراب نظام الاقتصاد المحلي بصورة تامة. ففي السابق، كانت الحسكة مسؤولة عن إنتاج المواد الخام، خاصة النفط والحبوب والقطن. فعلى سبيل المثال، كان إنتاج الحبوب يشكّل عادة حوالي نصف إجمالي إنتاج البلاد، مما ساهم في تأمين الاستقلال الغذائي لسوريا. وكانت الحسكة تنتج أيضاً 80 في المائة من قطن البلاد قبل الحرب. وقد غذّى هذا "الذهب الأبيض" صناعة النسيج القوية في سوريا، الذي تمّ تصديره مقابل أرباحٍ كبيرة. واضطر المزارعون إلى الالتزام بخطط إنتاجية صارمة للغاية فرضها النظام وكانت تستثني المحاصيل الأخرى. كما أن ن أنالمكاتب العامة للقمح والقطن كانت تزوّد هؤلاء المزارعين بالبذور وتشتري جميع محاصيلهم بأسعار تحددها الدولة. وبالطريقة نفسها، كانت الإدارات الزراعية المحلية تقوم بإمداد الأسمدة من المحطة الكيميائية الضخمة في حمص بتكلفة منخفضة.
ونتيجة لهذه السياسات، أصبحت الحسكة تشبه مستعمرةً داخلية أُجبرت على تزويد غرب سوريا بالمواد الخام. وكانت إقامة المؤسسات الصناعية المحلية محظورة منذ زمنٍ بعيد. وفي حين أنشأت الدولة معملين للغزل في هذه المنطقة، إلا أن تجهيز معظم القطن في البلاد كان يتمّ في حلب والمنطقة الساحلية. بالإضافة إلى ذلك، لم تملك المحافظة أي قطاع يذكر للنسيج، في حين اقتصرت صناعتها المتعلقة بالأغذية الزراعية على عدد قليل من مصانع الألبان الحرفية ومطاحن الدقيق لتلبية الاحتياجات المحلية. وعلى الرغم من أنّها كانت تنتج ثلث نفط سوريا، لم تملك أي مصافٍ أو صناعة للبلاستيك. وكانت محطة الطاقة الحرارية في الرميلان تغطي الاحتياجات الاستراتيجية المتعلقة باستخراج النفط فقط، في حين كان معظم الطاقة الكهربائية الأخرى يأتي من سدود "البعث" و"تشرين" و"الثورة" على نهر الفرات. ومن خلال فرض مثل هذه التبعية الاقتصادية، كان النظام يأمل في تجنب أي محاولات انفصالية من قبل الأكراد – الأمر الذي يتعارض تماماً مع المنطقة الساحلية العلوية، التي وفّر لها والد بشار الأسد [حافظ] جميع البُنى التحتية اللازمة لإنشاء منطقة محمية مستقلة لهذه الطائفة إذا ما فقد النظام السلطة في دمشق يوماً ما.
واليوم، يدعو «حزب الاتحاد الديمقراطي» إلى اقتصاد مكتفٍ ذاتياً لتحرير نفسه من العلاقات غير المتكافئة مع دمشق. كما أنه يرفض النظام الرأسمالي ويسعى إلى تعزيز فلسفة زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان الذي لطالما كان مناصراً للسياسات المائلة إلى الماركسية. إلّا أنّه في الوقت الحالي، لا يمكن تطبيق هذه الأفكار إلا على نطاقٍ صغير في روج آفا، لذلك قد تشعر السلطات الكردية على الأرجح بأنها مضطرة لفتح أراضيها من أجل تصدير موادها الخام والمقايضة بالمنتجات المصنعة. وفي هذا السياق، فإن فتح طريقٍ تجاري ثان إلى العراق سوف يعزز استقلالية روج آفا بشكلٍ كبير، وبوتيرةٍ أسرع بكثير من عملية بناء اقتصاد الاكتفاء الذاتي البطيء وغير المؤكد.
هل هو مسار نحو الغرب بالنسبة لإيران؟
من شأن [إقامة] طريقٍ بري جديد بين الحسكة وكركوك أن يسمح لروج آفا بالتخلي عن اعتمادها على معبر فيشخابور الحدودي، الذي لا يزال تحت السيطرة الكاملة لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الفصيل الرئيسي في «حكومة إقليم كردستان». ومن المرجح أن يمرّ هذا الطريق من جنوب الجبال الأيزيدية قبل الوصول إلى تلعفر ومن ثم إلى كركوك عبر وادي دجلة، الخاضع في الوقت الحالي لسيطرة الجيش العراقي والميليشيات الشيعية الحليفة له. أمّا كركوك فتخضع لسيطرة «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وهو فصيل في «حكومة إقليم كردستان» المقرب من إيران وبغداد، خلافاً لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني».
ويقيناً، أن قابلية فتح هذا الطريق ليست مضمونة حتى الآن، إذ إنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» ما زال متواجداً في جنوب سنجار، في حين يشتبك كل من «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«حزب العمال الكردستاني» من أجل السيطرة على سنجار نفسها. بالإضافة إلى ذلك، يعارض كل من رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني والرئيس التركي أردوغان أي محور استراتيجي يفتح منطقة روج آفا على العالم الخارجي ويعزز أهميتها الجيوسياسية لإيران. ولكن إذا استمرت الاتجاهات الحالية، قد يتم إنشاء ممر بين الحسكة وكركوك، يربط أساساً أكراد سوريا بإيران عبر السليمانية. ومن الناحية النظرية، قد تصبح روج آفا آنذاك طريق عبور إيراني بين العراق وغرب سوريا وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، على الأقل عندما تغادر القوات الأمريكية شرق سوريا. وعلى الرغم من أن هذا ليس أقصر الطرق المحتملة غرباً بالنسبة لإيران، إلا أنه سيتمتّع بميزة الالتفاف من حول معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» على طول الحدود السورية-العراقية، التي من المرجّح أن يلجأ إليها الإرهابيون بعد طردهم من الرقّة والموصل. وبالتالي، إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يأملون بمنع طهران من إقامة مثل هذا الممر، فسيحتاجون إلى تعزيز نفوذهم في المناطق الكردية في سوريا.
فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن.