- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وإيران تهدد السياسة الأمريكية في المنطقة
الأنباء التي وردت عن إعدام سبعة وأربعين رجلاً متهمين بجرائم إرهابية في المملكة العربية السعودية في 2 كانون الثاني/يناير، تمت الإشادة بها في كل من السعودية وبين حلفاء المملكة العرب ولكنها جاءت كصدمة لمعظم بقية دول العالم. ومن بين الرجال السبعة وأربعين الذين تم إعدامهم كان أربعة أشخاص فقط من الشيعة السعوديين، إلا أن مصير الشيخ نمر النمر قد هيمن على الأحداث اللاحقة. فالزعيم السياسي المتشدد من المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية، حيث تشكل الأقلية الشيعية في المملكة أغلبية محلية، كان قد اتُهم بالتحريض على العنف. وفي حين أن تورطه الفعلي في الإرهاب كان موضع خلاف، إلا أنه ليس هناك شك في انتقاده الصريح للعائلة المالكة السعودية.
وفي تعاقب سريع، تلت عملية إعدام نمر قيام مظاهرات - في اليوم نفسه - في المناطق الشيعية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وشملت تلك الأحداث نهب السفارة السعودية في طهران وإحراقها فضلاً عن مهاجمة القنصلية السعودية في مشهد. وفي الثالث من كانون الثاني/يناير، أعلنت السعودية عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وأعطت الدبلوماسيين الايرانيين مهلة ثمان وأربعين ساعة لمغادرة البلاد. وقد أفادت بعض التقارير أيضاً عن إطلاق صاروخ على السفارة السعودية التي أُنشئت حديثاً في بغداد. وفي الرابع من كانون الثاني/يناير، أعلنت البحرين أيضاً عن قطع علاقاتها الرسمية مع إيران - وتستضيف الدولة الأرخبيلية مقر الأسطول الخامس الأمريكي ولطالما اشتكت من الدعم الإيراني لتمرد شيعي مستعر في البلاد. وقد أعقبتهما بسرعة كل من السودان والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن خطوة دولة الإمارات قد اقتصرت على خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية.
وبصرف النظر عن خطر هذا التصعيد بين المنافسيْن الإقليمييْن - المملكة العربية السعودية وإيران - والذي يمكن أن يؤدي إلى عداء صريح، هناك احتمال مواز بأنه قد يتم تقويض العمليات الأمريكية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» واحتمال انهيار الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الصيف الماضي لتفكيك الكثير من البرنامج النووي الايراني. وبالفعل يشوب الاتفاق النووي بعض التوترات بسبب استمرار اختبار الصاروخ الباليستي الإيراني، الذي كان مدعوماً من شخصيات أمثال الرئيس حسن روحاني، الذي يُفترض أنه من أكبر المؤيدين للاتفاق النووي. وفي الأيام الأخيرة، تتبَّعَ حلفاء واشنطن في المنطقة بقلق [شديد] كيف تم الإعداد لفرض عقوبات إضافية على إيران ولكن بعد ذلك تم تأخير تنفيذها بصورة فجائية، الأمر الذي أحيى ذكريات تردُّد إدارة أوباما المتصوّر [في اتخاذ إجراءات] ضد استخدام الرئيس السوري بشار الأسد للأسلحة الكيماوية في عام 2013.
كما أن خطوة البحرين من الرابع من كانون الثاني/يناير، تشير إلى أنه يجب على واشنطن أن تتحرك بسرعة لمنع حدوث مواجهة دبلوماسية واسعة النطاق مع أبعاد عسكرية. وقد يكون الوقت متأخراً جداً. فقبل تسعة أيام، تم تقويض النظرة المتخذة عن الولايات المتحدة في المنطقة بصورة أكبر عندما قامت وحدات البحرية الايرانية بمناورات مفاجئة بالذخيرة الحيّة في مضيق هرمز الاستراتيجي بينما كانت الناقلة الأمريكية "هاري ترومان" تدخل الخليج. وإلى جانب تردد الولايات المتحدة حول العقوبات المتعلقة بالصواريخ الإيرانية، أشار الحادث لحلفاء واشنطن في الخليج عن تردد الولايات المتحدة وعدم رغبتها في مواجهة إيران، فضلاً عن عدم فعاليتها.
وبشكل منفصل، من غير المرجح أن تخفف الاستفزازات الإيرانية من القلق الدولي بشأن التكتيكات السعودية التي لا تعرف الرحمة. فالإعدامات التي نُفذت في 2 كانون الثاني/يناير، في اثني عشر موقعاً مختلفاً، كانت رمياً بالرصاص أو بقطع الرأس. ونقل بيان رسمي سعودي عما ورد في القرآن الكريم يؤكد أن الأشخاص الذين أعدموا قد تعدّوا حدود الله ورسوله، النبي محمد، وعاثوا فساداً في الأرض. وتابع البيان بالإدعاء بأن العقوبة المناسبة كانت إقامة حد الحرابة أو الضرب بالسيف - وفي المصطلح السعودي، يعني ذلك بأنه يجب أن يتم عرض الجثة علناً - أو قطع اليد من جانب واحد من الجسم والقدم من الجانب الآخر. وليس من الواضح ما الذي حدث في هذا السياق، إذا حدث، بما يتخطى مجرد القيام بعملية الإعدام.
ومهما كانت التفاصيل البشعة، فإن عمليات الإعدام قد قوّضت محاولات السعودية على الصعيد الدولي في التمييز بين أساليب العقاب التي تتبعها وبين تلك التي يقوم بها تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي حين أن المملكة تدفع عشرات الملايين من الدولارات إلى المصارف الاستثمارية وشركات الاستشارات الإدارية الغربية لتقديم المشورة بشأن كيفية إعادة هيكلة اقتصادها، يبدو أنها، في أحسن الأحوال، عديمة الزوق للانطباعات السلبية التي تتركها بعض الطرق التي يمارس فيها الإسلام في المملكة.
وفي الشهر الماضي، أعلنت السعودية عن تشكيل تحالفها الخاص المكوّن من البلدان ذات الغالبية المسلمة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من أن هذه الخطوة جاءت كمفاجأة، إلا أنها تناسب التفكير الأمريكي بأن القوة [المكوّنة من الدول] الإسلامية السنّية هي أفضل وسيلة لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتدميره في النهاية. ومن خلال الدعم اللوجيستي والاستخباراتي الذي توفره الولايات المتحدة ، تقود السعودية أيضاً تحالفاً عربياً في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، كما تدعم المقاتلين المناهضين للأسد في سوريا. لكن على الرغم من التاريخ الطويل للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، إلا أن هذه العلاقات تشهد ضغطاً كبيراً، وربما يعاد النظر فيها، على الأقل في الرياض. وكانت تقارير سعودية ترددت في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر قد أشارت إلى أنه من المحتمل أن يتم تنفيذ عملية إعدام جماعية كتلك التي جرت في نهاية الأسبوع الماضي. ومنذ ذلك الحين حذر دبلوماسيون أمريكيون على ما يبدو، نظرائهم السعوديين من العواقب الإقليمية المحتملة من شمل [الزعيم الشيعي] نمر بين الأشخاص الذين سيتم إعدامهم، ولكن احتجاجاتهم قد تم تجاهلها.
يجب على واشنطن أن تتحرك بسرعة لنزع فتيل التوتر في منطقة الخليج. إن ردع الشغب الإيراني بصورة أكثر علنية وبقوة أكبر يجب أن يطمئن السعودية حول الدعم الذي تقدمه واشنطن ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والتحدي الذي تمثله إيران - حتى لو يتم خلط هذا الدعم في بعض الأحيان مع الانتقادات.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.