- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2531
تكلفة الحملة العسكرية الجوّية التي تشنها روسيا
في الأشهر الأخيرة، تقوم روسيا باختبار مهاراتها في العمليّات العسكرية، الأمر الذي يقتضي تنفيذ نشاطات عسكرية بعيداً عن القواعد الثابتة وتفصيل قوّة ترتكز على أهداف محدّدة. فمنذ غزو أفغانستان، لم تختبر موسكو قدرتها القتالية بهذه الطريقة - أي بين عام ١٩٨٩ وتدخّلها هذه السنة في سوريا، كانت جميع انخراطاتها العسكرية ضدّ أعداء على طول الحدود الروسية أو داخلها أو في الاتحاد السوفياتي سابقاً.
ويتجسّد منحى دقيقاً من نشر القوّة العسكرية في إدارة الدعم اللوجستي اللازم للإبقاء على العمليّات بعيداً عن منطقة الراحة المعتادة الخاصة بها. وهذا أمر مكلف.
وضع تكلفة لسوريا
حتّى الآن، نشرت القوات الجوية الروسية أكثر من ثلاثين طائرة مقاتلة متطوّرة لشنّ ضربات ودعم هجمات الجيش السوري البرّية من قاعدة "حميميم" الجوّية على الساحل الغربي الملاصقة لمطار باسل الأسد الدولي بالقرب من اللاذقية. وتشير التقارير إلى أنّ ركيزة رزمة ضربات "جوّ - أرض" تتألّف من عشرة إلى اثنتي عشر طائرة «سوخوي سو-٢٥ أس أم» و«سو- ٢٤ أس أم» لكل رزمة - حيث تُعرف الطائرة الأولى بقدرتها الجوّية الداعمة القريبة في حين تشتهر الطائرة الثانية بمفاعيل قصفها الدقيقة. إنّ هذه الطائرات، بالرغم من كونها قديمة الطراز، هي أكثر سهولة للإصلاح، وقد أثبتت فعاليتها في القتال "جوّ - أرض"، وهي تناسب متطلّبات المهمّة في سوريا.
وتضيف حوالي أربع طائرات «سو- ٣٠ أس أم» قدرة "جوّ- جوّ" كبيرة وتساند ضربات دقيقة. وتعمل على الأرجح على مرافقة القاذفات منذ إسقاط تركيا لطائرة روسية من طراز «سوخوي سو-٢٤» في ٢٤ تشرين الثاني/نوفمبر.
كما يبدو أنّ موسكو تختبر أداء مقاتلاتها القاذفة من طراز «سو-٣٤» الأكثر حداثة، وتشير التقارير أن عددها يبلغ ستة في سوريا. وتُعدّ طائرة «سو- ٣٤» البديل التالي لـ «سو- ٢٤»، وقد بدأ تشغيلها في روسيا خلال العامين الماضيين، وهي تقاتل للمرّة الأولى في سوريا. وتتمتّع هذه الطائرة بقدرة "جوّ- جو"ّ بمجال يتعدّى الثلاثين ميلاً وقدرة قصف دقيقة تصل إلى ستّ قنابل «KAB-500» ذكية شبيهة بقنبلة «بايفواي GBU-12» الأمريكية الموجّهة بالليزر.
كما أنّ طائرة «Il-20» الإلكترونية المقاتلة/المراقبة هي في البلاد أيضاً، وتقتضي مهمّتها جمع المعلومات الاستخباراتية. وتشير بعض التقارير إلى أنّ طائرات روسية بدون طيار موجودة في البلاد للهدف نفسه، مثل الطائرة التي أُسقطت فوق تركيا في شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر. وبالإضافة إلى هذه الطائرات الثابتة الأجنحة، تمّ نشر حوالي عشرين مروحية هجومية أو أكثر من طراز «Mi-24» ومروحية قيادة السيطرة/نقل من طراز «Mi-8».
وفي حين أنّه من الصعب تحديد مجمل عدد الأفراد بدقّة، قدّر "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" في بريطانيا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر أنّه ما بين ١٢٠٠ و١٣٥٠ طاقم من القوّات الجوّية الروسية موجودون حالياً في سوريا لدعم العمليّات الجوّية من بينهم طيّارين، وملّاحين، ومشرفين، ومراقبين للحركة الجوّية، ومدراء مطارات، ومراقبين للأحوال الجوّية، وضبّاط استخبارات. ومن خلال إضافة الوحدات البحرية والبرّية المعنيّة مباشرةً بالحملة العسكرية في سوريا، سيزيد هذا العدد بثلاثة أضعاف ليصل إلى حوالي ٣٥٠٠ شخص.
ووفقاً لأرقام ذُكرت بكثرة نشرتها مجموعة «آي آيتش أس جاينز» في تشرين الأوّل/ أكتوبر، إنّ الجهد الحربي بكامله - بما في ذلك النشاطات البحرية والبرّية والجوّية - ستكلّف روسيا حوالي مليار دولار في السنة، هذا باستثناء خسائر الطائرات المحتملة. ويقدّر البعض عدداً مضاعفاً يبلغ حالياً ثلاث مرّات ذلك الرقم. كما أنّ موسكو قد نشرت أصولاً إضافية للدفاع ضدّ الصواريخ منذ تقرير «جاينز»، بما في ذلك أنظمة «S-400» التي تستلزم المزيد من المركبات والأفراد.
وبالمقارنة مع ميزانية الكرملين الدفاعية الإجمالية لعام ٢٠١٥ والتي قدّرتها صحيفة «موسكو تايمز» بـ ٥٠ مليار دولار (3.1 تريليون روبل)، لا تبدو كلفة المغامرة السورية هائلة. إلّا أنّ هذه الميزانية هي بالفعل تحت ضغط كبير، فقد حُدّدت في الأساس بـ 3.3 تريليون روبل حتّى أزمة الركود وانهيار الروبل. وقد جاء هذا الاقتطاع في وقت كانت موسكو تتوقّع زيادة في الرواتب، وجهود تحديث أكبر لتحقيق أهدافها لإعادة التسلّح لعام ٢٠٢٠، إلى جانب تمارين تدريب أكثر «مباغتة» لتوجيه رسالة رادعة. ولا تبدو الميزانية الدفاعية لعام ٢٠١٦ أكثر من ذلك.
وبالإضافة إلى الكلفة المالية، تخسر موسكو فرصة استخدام هذه التجهيزات والأفراد في مكان آخر. فعلى سبيل المثال، أشار وزير الدفاع الروسي أنّ بعض عشرات القوّات الخاصّة التي تدعم العمليات الأوكرانية قد أُعيد نشرها في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر لتقديم الاستشارة للقوّات السورية البرّية وللمساعدة على تنسيق الضربات الجوّية. ومن المرجّح أن تستمر هذه العمليّات المتعلقة بإعادة التخصيصات.
هل من مخططات لقاعدة أخرى والمزيد من الطائرات الحربية؟
أشارت عدّة مصادر أنّ موسكو قد تنشر خمسين طائرة مقاتلة أخرى أو أكثر في سوريا في المستقبل القريب. إنّ الإبقاء على العمليّات الجوّية بحوالي ثلاثين طائرة مقاتلة تُستخدم بكثرة في بيئة عسكرية هو جهد كبير جدّاً، كما أنّ العبء سيزيد مع وصول المزيد من الطائرات. ووفقاً لمقالة نُشرت في صحيفة «يو أس أي توداي» تذكر وزارة الدفاع الأمريكية ومسؤولون في القوّات الجوّية، إنّ حوالي ثلث طائرات روسيا في سوريا قد توقّفت عن الطيران في وقت معيّن في غضون أسابيع من بدء العمليّات، وذلك إمّا بسبب المناخ المحلّي (الذي يختلف كلّياً عن المناخ في روسيا) أو بسبب نقص في قطع [الغيار] السهلة التوفر. وفي المقابل، إنّ معدّلات جهوزية طائرات القوّات الجوّية الأمريكية المقاتلة تتخطّى الـ٨٠ في المائة كمعدّل عام.
إنّ نشاطاً مؤخراً في "قاعدة الشعيرات الجوّية" التي تقع على بعد عشرين ميلاً تقريباً جنوب شرق حمص يشير إلى أنّه يتم ملأها بالمعدّات الروسية وتحصينها، كما يتمّ تحسين مدرجها، ربّما لدعم الطائرات ثابتة الأجنحة. وبالرغم من أنّ التقارير تشير إلى أنّ بعض القوّات الروسية تستخدم قاعدتَي "حماة" و "التياس" السوريتَين لعمليّات الدعم المروحية والبرّية، إلّا أنّ توفّر قاعدة جوّية للطائرات ثابتة الأجنحة تحت تصرّفهم سيؤمّن ما يزيد عن الحاجة إذا ما واجهت قاعدة "حميميم" عوائق تشغيلية، وسيسرّع ذلك زمن الردّ على أهداف الفرصة. إلّا أنّ نقل المعدّات من مرفأ طرطوس واللاذقية إلى "الشعيرات" قد يعني المرور بمواقع قريبة من المتمرّدين وليست بعيدة عن الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، الأمر الذي يزيد من احتمال تقطّع العمليّات.
أمّا بالنسبة إلى التكاليف، فإنّ إضافة قاعدة ثانية لزيادة الطلعات القتالية قد يضاعف بسهولة الكلفة العسكرية للحملة التي تقوم بها موسكو حالياً. كما قد يعني أيضاً زيادة عدد الأفراد الروس إلى حوالي ستّة أو سبعة آلاف شخص إن لم تستطع القوّات السورية أو الإيرانية الدفاع كما ينبغي عن "الشعيرات" وطريق إمدادها - مما يُعتبر غير مرجّحاً لأنّها ملتزمة بشكل كبير بتشكيلها عنصر الهجوم البرّي في الحملة. وبالإضافة إلى ذلك، سيحتاج الطاقم والطائرات الروسية إلى تبديل في النهاية، مما سيزيد من تكاليف العمليّات.
تكاليف أخرى ومخاوف استراتيجية
مع احتقان التوتّرات بين روسيا وتركيا، لا شكّ أنّ الكرملين يدرك جيّداً أنّ الطريق البحرية من البحر الأسود إلى البحر المتوسّط لإعادة إمداد اللاذقية وطرطوس تشكل عثرة للخدمات اللوجستية. إنّ المضائق التي تعبرها السفن الروسية تحكمها «معاهدة مونترو» التي وُقّعت عام ١٩٣٦، لكن هناك تفسيرات مختلفة بشأن كيفية إمكان تركيا التدخل ومتى يحدث ذلك من أجل حماية مصالحها الوطنية. إنّ التدخّل المباشر قد يكون استفزازياً جداً وخطراً، لذلك من المرجح أن لا تحاول أنقرة وقف السفن الروسية. لكنّ تأخيرها قد يوصل رسالة ويعرقل وسيلة إعادة إمداد بحرية نظامية إلى سوريا تشمل مشاركة عشرات الشحنات التجارية وسفن الإنزال العسكري كل شهر. إنّ مثل هذا التأخير سيزيد من الطلب على الجسر الجوّي وغيره من ممرات الإمدادات البحرية.
وفي خلال ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ حوالي عشرين قاذفة بعيدة المدى قد عبرت آلاف الأميال لضرب أهداف سورية في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر ومجدّداً هذا الشهر. وكانت طائرة «توبوليف تي يو- ٢٢ أم» الأكثر انتشاراً، لكنّ هناك قاذفات أخرى قد شاركت أيضاً، بما فيها «توبوليف تي يو- ٩٥ بير» و«توبوليف تي يو-١٦٠ بلاكجاك»، اللتَين تستخدم كلّ منهما مزيجاً من الذخائر الموجّهة وغير الموجّهة، إلى جانب صواريخ كروز. كما أنّ إطلاق صواريخ كروز من نوع «٢٦ كاليبر» من بحر قزوين في تشرين الأوّل/ أكتوبر قد لفت بالتأكيد انتباه أصحاب المصالح الإقليميين. وفي وقت مبكر من هذا الشهر، أطلقت غوّاصة روسية من نوع «روستوف- أون- دون» صواريخ «كاليبر» للمرة الأولى من البحر المتوسط.
وتشير هذه الضربات بعيدة المدى على أنّ روسيا تتمتّع بالقدرة على التخفيف من العبء عن طائراتها وذخائرها في سوريا بين الحين والآخر إذا دعت الحاجة لذلك. وستشكّل الذخائر نفقة حاسمة، إذ تكلّف حوالي ٧٥٠ ألف دولار في اليوم للضربات في سوريا فقط. ومع ذلك، فإن الخيار بعيد المدى هو مكلف أيضاً: إذ يتراوح سعر كل صاروخ كروز من نوع «3M14E» يتمّ إطلاقه من البحر ما بين 1.2 و 1.5 مليون دولار، مما يجعل منه خياراً عرضياً فقط. وإذا ما احتاجت روسيا شنّ هجمات مكثّفة بعيدة المدى، ستزيد النفقات العمليّاتية أضعافاً مضاعفة.
المحصلة
وفي حين يبدو أنّ إظهار القوّة العسكرية قد ثبت أنه استراتيجية فعّالة لفلاديمير بوتين على المدى القصير، إلّا أنّ هذا العرض يأتي بثمن أعلى ممّا يدركه العديد من المراقبين. وتدرك روسيا جيّداً أنّ تمديد العمليّات سيكبّدها تكاليف أكبر. كما أنّ المتطلّبات اللوجستية لقوّة عسكرية في الخارج قد تجبر موسكو على زيادة وقع وجودها في سوريا، مما قد يزيد من خطر تكبّد خسائر روسية. ومثل هذه الأعباء قد تكون فعّالة بينما تعمل واشنطن وأطراف أخرى على دفع بوتين نحو المزيد من التعاون مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا.
اللفتنانت كولونيل جون بارنيت (سلاح الجو الأمريكي)، هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن، وكان قد أكمل جولات قيادة في تركيا وجنوب آسيا. الآراء المعرب عنها هنا هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف سلاح الجو الأمريكي، أو وزارة الدفاع الأمريكية، أو حكومة الولايات المتحدة.