- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2939
الاستثناء الخاص بالأردن في المساعدات الخارجية الأمريكية
خلال اجتماع عُقد في عمّان في 14 شباط/فبراير، وقَّع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون على "مذكرة تفاهم" بشأن المساعدات الخارجية مع نظيره الأردني أيمن الصفدي. وقال تيلرسون "إن توقيع مذكرة التفاهم يُعد اعترافاً من الولايات المتحدة بهذه الشراكة العميقة مع الأردن، وإشارة للعالم أن الشراكة الأردنية الأمريكية أقوى من قبل". ويُعتبر تقييمه دقيق، على الأقل إذا قيس بالدولار.
وتُحدد "مذكرة التفاهم" التزاماً جديداً أمده خمس سنوات بقيمة 6.375 مليار دولار (1.275 مليار دولار سنوياً) ابتداءً من السنة المالية 2018 وانتهاءً بالعام المالي 2022 - بزيادة سنوية قدرها 275 مليون دولار مقارنة بالسنوات الثلاث السابقة. وفي الوقت الذي تُخفض فيه إدارة ترامب المساعدات الخارجية الأمريكية، يبقى الأردن من بين المتلقين الخمسة الأوائل لهذه المساعدات، إلى جانب العراق وأفغانستان وإسرائيل ومصر. وتضع "المذكرة" الأردن للمرة الاولى قبل مصر في إجمالي قائمة المساعدات المقدمة لهاتين الدولتين، مما يدل على مدى الأهمية التي تعيرها واشنطن في إعطاء الأولوية للاستقرار المستمر للمملكة.
وفي الوقت نفسه، لا تزال ميزانية الأردن في [مشكلة] دَيْن دائمة؛ ومع استمرار تدفق اللاجئين يحدث تغيّر في [تركيبة] السكان، كما أن الضغوط تشكل تهديداً مستمراً داخل البلاد وخارجها. ولذلك، تظل "مذكرة التفاهم" جزءاً واحداً فقط من السياسة الشاملة المطلوبة لمساعدة أحد من أكثر حلفاء واشنطن دعماً في الشرق الأوسط.
تاريخ مذكرة التفاهم
تأتي "مذكرة التفاهم" الأخيرة في أعقاب [التوقيع مسبقاً] على مذكرتين أخريتين تغطيان السنة المالية 2009-2014 والعام المالي 2015-2017. وهذه ليست وثائق ملزمة قانوناً، ولكنها ذات قيمة رمزية كبيرة من خلال تأكيدها على الطبيعة الدائمة للالتزام الاستراتيجي للولايات المتحدة [بدعم] الأردن. كما تساعد عمّان على تخطيط حصولها على الحد الأدنى من المساعدات الأمريكية، وهو رصيد سنوي ارتفع من 660 مليون دولار إلى 1 مليار دولار مع كل "مذكرة تفاهم"، ووصل حالياً إلى 1.275 مليار دولار.
كما قدّمت واشنطن أموالاً إضافية لمشاريع محددة تتجاوز المخصصات الأصلية، فضلاً عن مستوى خط الأساس للمساعدة الذي وضعته "مذكرات التفاهم". فمنذ عام 2013،على سبيل المثال، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية مبلغاً إضافياً قدره 100 مليون دولار من حسابها الخاص في "البرامج التعاونية للحد من التهديدات" للمساعدة في تثبيت الحواجز الأمنية ومعدات الكشف على طول حدود الأردن مع سوريا والعراق، وذلك جزئياً لمراقبة أسلحة الدمار الشامل. وبالمثل، منحت الحكومة الأمريكية مئات ملايين الدولارات منذ عام 2011 لمساعدة الأردن [على استيعاب] العدد الهائل من اللاجئين السوريين الذين دخلوا البلاد، وتمويل المشاريع التي تنفذها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية بالدرجة الأولى. كما ضمنت واشنطن قروضاً بقيمة 3.75 مليار دولار في الفترة 2013-2015 (بتكلفة قدرها 413 مليون دولار للولايات المتحدة)، التي لم يكن الأردن مؤهلاً لها بسبب وضعه الائتماني الضعيف. وبعبارة أخرى، على الرغم من أن "مذكرة التفاهم" السابقة قد حددت مليار دولار بشكل مساعدة سنوية، إلّا أنّ الولايات المتحدة قدمت بالفعل ما يقرب من 1.5 مليار دولار في كل عام من الأعوام القليلة الماضية.
أين يذهب المال
تنقسم المساعدات الخارجية الأمريكية بشكل عام، بين "صناديق الدعم الاقتصادي" و"التمويل العسكري الأجنبي". وفي حين أن المساعدة لبعض الدول المجاورة للأردن تتكون أساساً من "التمويل العسكري الأجنبي" (على سبيل المثال، 100 في المائة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، و 85 في المائة في حالة مصر منذ أن تم إعادة المساعدات العسكرية بعد انقلاب عام 2013)، تطوّرت حزمة المساعدات المقدمة إلى عمّان على مدى العقد الماضي من تقاسم "صناديق الدعم الاقتصادي"/"التمويل العسكري الأجنبي" بالتساوي تقريباً، إلى تركيز قوي على المساعدة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، تُحدد "مذكرة التفاهم" الجديدة الحد الأدنى السنوي لـ "صناديق الدعم الاقتصادي" إلى الأردن بمبلغ 750 مليون دولار أمريكي و "التمويل العسكري الأجنبي" بمبلغ 350 مليون دولار، مما يترك [منحة] إضافية قدرها 175 مليون دولار يتم تخصيصها عند الحاجة. ويشير هذا التغيير إلى تقييم الإدارة الأمريكية بأن الدعم الحالي لـ "القوات المسلحة الأردنية" هو مساعدة وافية، وأن التقلب الاقتصادي والضغط الناجم عن زيادة اللاجئين السوريين يشكلان التهديد الحقيقي للاستقرار في المنطقة.
ويُخصَّص أكبر مكوّن من "صناديق الدعم الاقتصادي" لمساعدة الموازنة المباشرة للحكومة الأردنية التي بلغت أكثر من 230 مليون دولار في العام المالي 2016. وتُموّل الأردن حوالي 12 في المائة من ميزانيتها عن طريق المنح المباشرة، حيث عادة ما تقوم الولايات المتحدة بالدور الرائد في تقديم هذا الدعم بعد السعودية التي تأتي في المرتبة الأولى ولكن مساعداتها متذبذبة. (وعلى الرغم من أن الدول الأخرى في «مجلس التعاون الخليجي» قدمت دعماً للميزانية في الماضي، إلا أنها تركز حالياً على تمويل الاستثمارات الرأسمالية لدعم مشاريع إنمائية محددة في الأردن). وتنقسم "صناديق الدعم الاقتصادي" الأمريكة المتبقية بين المشاريع التي تركز على التعليم، ونمو فرص العمل، والقضايا البيئية، والمياه، والطاقة، فضلاً عن دعم المجتمع المدني والحَوْكمة.
ولكن حتى مع هذه المساعدة السخية، لا يزال الأردن يعتمد اعتماداً كبيراً على المعونة الخارجية وهو مُثقل بكاهل الديون الكبيرة. وفي عام 2017، بلغت نسبة الدَيْن إلى "الناتج المحلي الإجمالي" 94 في المائة، وهي نسبة مرتفعة للغاية نظراً لمعدل النمو المنخفض في الأردن. والأسوأ من ذلك أن التكلفة السنوية لخدمة هذا الدَيْن تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار، أي ما يقرب من 11 في المائة من الإنفاق الحالي.
وتهدف "مذكرة التفاهم"، كما أوضح الوزير تيلرسون، إلى "دعم جدول الأعمال السياسي لجلالة الملك عبد الله - والأهم من ذلك - إصلاحه الاقتصادي، فضلاً عن أنها تُقرب الأردن إلى تحقيق الاعتماد الذاتي الذي تسعى إليه". وبالفعل، يساعد الدعم الأمريكي في تخفيف الضغوط المحلية الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي نفذها الأردن بما يتماشى مع برنامج "صندوق النقد الدولي". ولكي تحد من ديونها، اتخذت عمّان قرارات مثيرة للجدل مثل إلغاء دعم الخبز (الذي لم يوصي به "صندوق النقد الدولي")، وزيادة أسعار الكهرباء، ورفع ضرائب المبيعات إلى ما بين 10-16 في المائة على مجموعة واسعة من السلع.
ردود الفعل الأردنية
على الرغم من الأمل الذي وضعته عمّان في البداية على قيام واشنطن بزيادة خط الأساس للمساعدة إلى 2 مليار دولار، إلّا أنّ رد الفعل الرسمي الأردني على "مذكرة التفاهم" الجديدة كان مع ذلك جيداً جداً. وفي مؤتمره الصحفي المشترك مع تيلرسون، أكد الصفدي مراراً وتكراراً على الطبيعة "الأخوية" للعلاقات الثنائية وسعى إلى التقليل من شأن أي خلافات أو تجزئتها، لا سيما فيما يتعلق بقرار ترامب الخاص بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وحصلت زيارة تيلرسون على تغطية إيجابية في وسائل الإعلام الأردنية أيضاً، على الرغم من أنه كان عليها أن تتنافس مع عدد كبير من التطورات المحلية. وقد هيمنت عمليات تخفيض الدعم على عناوين الأخبار نظراً للإحتجاجات الصغيرة ولكن المستمرة ضدها، من بينها احتجاجات عرضية في مناطق عادة ما تكون موالية للحكومة في وسط الأردن وجنوبه. كما استعدت المملكة للتصويت على حجب الثقة عن حكومتها في البرلمان بعد بضعة أيام من توقيع "مذكرة التفاهم". بيد، نجت حكومة رئيس الوزراء هاني المالكي من هذا التصويت، لكن المالكي شعر بأنه مضطر إلى تعديل وزارته للمرة السادسة منذ أيار/مايو 2016. كما أضاف منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية؛ وتم ملء المنصب الجديد من قبل جعفر حسان، الذي شغل سابقاً منصب مدير مكتب جلالة الملك.
ولا شيء من هذه التطورات مثيراً بما يكفي لتهديد استقرار المملكة التي اعتادت على [مواجهة] الأزمات. ومع ذلك، فإنها تسلط الضوء بشكل جماعي على التحديات الاقتصادية والسياسية المستمرة التي يتم بموجبها تقديم المساعدة الأمريكية للأردن، وعلى ضرورة الحفاظ على الانخراط الوثيق.
مضاعفة أثر "مذكرة التفاهم"
ستعتمد فعالية زيادة المساعدة التي تقدمها واشنطن إلى الأردن على الحوار المنتظم بين المسؤولين الرئيسيين على مستوى الوزارات في كلا البلدين. ولضمان انفاق التمويل الجديد بشكل جيد، تحتاج الولايات المتحدة الى فريق فعال مشترك بين الوكالات، بالاضافة الى بعثة أمريكية تضم عدد كامل من الموظفين وتكون نشطة فى عمّان للعمل مع نائب رئيس الوزراء الأردنى الجديد للشؤون الاقتصادية وفريقه. ومن شأن ذلك أن يمكّن الإدارة الأمريكية من إجراء تقييم منتظم لمدى تلبية برامج المساعدة للاحتياجات الأساسية مثل خلق فرص العمل، وتشجيع الأردن على الحد من أوجه القصور في الحكومة، والتوسط في النزاعات المحتملة مع "صندوق النقد الدولي" بشأن توقيت الإصلاحات المالية الموصى بها ومضمونها.
أما بالنسبة للمبلغ الإضافي لـ "مذكرة التفاهم" البالغ 175 مليون دولار على شكل مساعدات غير محددة، فينبغي للمسؤولين الأمريكيين أن يرصدوه لمشروع متعدد السنوات يهدف إلى تحسين [فرص العمل] في الأردن بسبب البطالة المرتفعة في البلاد. ولم تكن الممارسة الخاصة بمَنْح قروض التمويل المتناهية الصغر لدعم بروز شركات صغيرة، ناجحة بشكل خاص في خلق فرص عمل كبيرة، لذلك يجب البحث في خيارات أخرى، من بينها قروض من "هيئة الاستثمارات الخاصة الخارجية" [شركات الاستثمار الخاص لما وراء البحار] للشركات الأمريكية كوسيلة لتشجيعها على الاستثمار وفتح فروع في الأردن.
وفي المقابل، يحتاج الأردن إلى اتخاذ عدة إجراءات تنظيمية وتوسيع فرص الحصول على التمويل من أجل التحفيز على خلق فرص العمل. وفي التقرير السنوي لـ "البنك الدولي" بعنوان "ممارسة أنشطة الأعمال"، تحتل المملكة المرتبة 110 عالمياً في "سهولة ممارسة الأعمال التجارية" (والعاشرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، وفي المرتبة 159 في الحصول على الائتمان (وهذا أدنى بكثير من متوسط المعدل في المنطقة، بعد مصر ولبنان). إن أي مشاريع إضافية تموّلها الولايات المتحدة ينبغي أن تهدف إلى تحسين فرص الحصول على الائتمان وتسهيل الاستثمار الأجنبي المباشر.
بين فيشمان، هو زميل مشارك في معهد واشنطن، وقدعمل مديراً لشوون شمال أفريقيا والأردن في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي في الفترة من 2012 إلى 2013. غيث العمري هو زميل أقدم في المعهد.