- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2744
وقف إطلاق النار الأخير لن يُغيّر دور «حزب الله» في سوريا
في منتصف كانون الأوّل/ ديسمبر، وفي أعقاب الهجوم العسكري الأخير على حلب التي شاركت فيه روسيا إلى جانب قوّات النظام السوري، أعلنت موسكو أنّ المدينة خالية من المتمردين. وبعد أسبوع واحد، وقّعت روسيا وتركيا على اتفاق لوقف إطلاق النار. ويبدو الكرملين حريصاً على الاحتفال برئاسة دونالد ترامب بجهد متجدّد لإيجاد حلّ سياسي ووضع حدّ للحرب، بدءاً من محادثات السلام المقرر إجراؤها في أستانة، كازاخستان، في نهاية كانون الثاني/ يناير.
غير أنّه بعد أيّام فقط من بدء وقف إطلاق النار، يواجه الاتفاق خطراً مع استمرار «حزب الله» وقوّات نظام الأسد في مقاتلة المتمردين في إثنين من ضواحي دمشق هما وادي بردى وشرق الغوطة. وبالفعل، هدّدت عشر فصائل متمرّدة بمقاطعة محادثات أستانة ما لم يتمّ تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل.
ويخضع وادي بردى لحصار منذ شهر تمّوز/ يوليو عندما قامت القوّات السورية و «حزب الله» بقطع طرق الإمدادات عن نبع يؤمّن معظم مياه العاصمة. وتحت توجيه راعيه الإيراني، واظب «حزب الله» في العمل بجد لتعزيز سيطرته على الضواحي تمشياً مع مخطط أوسع لتأسيس ممرّ خالٍ من الوجود السنّي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا. ويترتّب على ذلك تأمين دمشق عاصمة ًعلويةً وبقاء بشار الأسد رئيساً. وتهدف الجماعة إلى وضع اللمسات الأخيرة لهذا الممرّ قبل التفاوض حول أي تقسيم للسلطة في سوريا، لذلك تعمل على تجنّب وقف إطلاق النار قدر المستطاع.
ومن جهّتها، يبدو أنّ روسيا تريد حقّاً نجاح [اتفاق] وقف إطلاق النار، على الأقل حتّى اجتماع أستانة. غير أنّ إيران لا تسعى بجد لذلك، الأمر الذي يشير إلى أنّ لدى موسكو وطهران أولويّات مختلفة في سوريا. وكان تدخّل إيران في التمهيد للاتفاقية محدوداً، ففي حين أرسلت طهران وفداً إلى الاجتماع النهائي في موسكو، إلا أن التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار نفسه قد تم من قبل روسيا وتركيا.
بيد، لا يعني ذلك أنّه سيتمّ إخراج إيران وميليشياتها الشيعية من سوريا في أي وقت قريب، فالمخاطر هنا عالية جدّاً، ولا تزال كافّة الجهات الفاعلة الموالية للأسد بحاجة لبعضها البعض. غير أنّه حتّى إذا تخطّى النظام والمتمردين انتهاكات وقف إطلاق النار المحدودة، مما يبدو مرجّحاً نظراً للرغبة الشديدة عموماً للتوصّل إلى حلّ سياسي، تشير أفعال «حزب الله» وقوع خلافات محتملة بين روسيا وإيران حول مستقبل سوريا. فموسكو تفضّل حلّاً سياسياً يضمن سيطرة روسيا على مؤسسات الدولة في سوريا التي استثمرت فيها لسنوات. غير أنّ إيران ووكلائها يفضّلون حلّاً عسكرياً يأتي بتغيّرات ديموغرافية أسرع، بهدف تعزيز "الهلال الشيعي" الذي تعمل عليه منذ عقود.
مصالح متباينة
لطالما بدا تحالف إيران وروسيا في سوريا تحالفاً مؤقتاً، ففي حين يتفق البلدان على الحرب، إلا أنهما يختلفان على السلام. وغالباً ما تعامل طهران جيش الأسد كونه مجرد إحدى ميليشياتها في سوريا، الضعيفة في مهامها. فلا تثق بالجيش لتأمين "ممرّها الشيعي"، وتعتمد بدلاً من ذلك على «حزب الله» وميليشيات شيعية أخرى للمساعدة على تغيير التركيبة السكانية في المدن داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام. ويعتقد «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، الذي يشرف على الكثير من النشاطات العسكرية للمعسكر الموالي للأسد، أنّ أي حلّ مستقبلي في سوريا سيكون مرتكزاً على أسس طائفية. وبالتالي تفضّل طهران خطّة تقسيم تضمن دويلة شيعية تحت سيطرتها. كما تريد جعل دمشق حكومة عميلة بالكامل مع مؤسسات ضعيفة غير قادرة على اتخاذ قرارت مستقلّة، على غرار ما لديها في لبنان. وهذا من شأنه أن يؤمّن لإيران، من بين أمور أخرى، الوصول إلى الحدود الشمالية لإسرائيل عبر هضبة الجولان، مما سيوسّع وصولها الحالي عبر جنوب لبنان الذي يسيطر عليه «حزب الله».
وفي المقابل، ليس لروسيا أي مصلحة في التغيّرات الديموغرافية أو التقسيم الطائفي في سوريا. ولا يريد فلاديمير بوتين أن يتمّ استغلال سلطة الأسد وراء الكواليس من قبل قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» قاسم سليماني. وبدلاً من ذلك، يفضّل حلّاً سياسياً يؤدي إلى انتقال تدريجي للسلطة. فمؤسسات الدولة السورية هي أكثر أهمية لروسيا من الأسد وعائلته. إن التوسّط إلى حلّ قد يعطي بوتين فرصة لتأمين نفوذه على هذه المؤسسات، وربّما تعزيز موقفه التفاوضي مع أوروبا حول مجموعة متنوعة من المصالح الأخرى.
وهذه الاختلافات بين روسيا وإيران متضاربة قليلاً. فبوتين لا يمانع وجود ممر إيراني في سوريا طالما لا تحاول طهران تذليل قوّة روسيا في دمشق. وتعلم إيران أنّها بحاجة إلى موسكو نظراً لأنّ إدارة ترامب القادمة قد أشارت إلى موقف أمريكي أكثر صرامة حيال الاتفاق النووي ومصالح إيرانية أخرى. لذلك، إذا أرادت روسيا أن يكون لها القرار النهائي بينما تؤمّن إيران موقعها في شرق سوريا، فلن تعارض طهران ذلك بشدة - على الأقل في الوقت الحالي.
العقبات
يشكل دور تركيا البارز خوف إيران الأكبر حول وقف إطلاق النار. فموسكو تريد مساعدة أنقرة على استمالة المعارضة السنّية والشارع السنّي في سوريا، في حين تحتاج تركيا إلى روسيا لمساعدتها على حماية حدودها ضدّ القوّات الكردية. إلّا أنّ تركيا وإيران لا تزالان غير متّفقَتين. فعلى الرغم من أنّ أنقرة قد تخلّت عن إصرارها الماضي على الإطاحة بالأسد على ما يبدو، إلا أنه لا يزال لديها مشاكل مع وكلاء إيران.
وبعد فترة وجيزة من إعلان وقف إطلاق النار، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو إلى المراسلين في تركيا قائلاً: "على كل المقاتلين الأجانب مغادرة سوريا. على «حزب الله» العودة إلى لبنان". كما أعلن أنّ تركيا ستضمن امتثال المتمردين لوقف إطلاق النار، بينما ستضمن روسيا التزام الأسد، وستساعد إيران على مراقبة قوّات النظام والميليشيات الشيعية الحليفة.
وفي اليوم التالي ردّ «حزب الله» بسلسلة من التصريحات. فقد أعلن رئيس "المكتب السياسي" ابراهيم أمين السيّد أنّ الجماعة لن تغادر سوريا مع اتفاقية أو بدونها. وكذلك، قال قائد ميليشيا للإعلام اللبناني إنّ وجود «حزب الله» في سوريا هو لمحاربة الإرهاب وإنّ الحرب على الإرهاب لم تنتهِ بعد. وأضاف أنّ الجماعة دخلت إلى سوريا بعد التوصّل إلى اتفاق مع الحكومة السورية، ولن يُخرجها سوى اتفاق مماثل. أمّا بالنسبة إلى انتهاكات وقف إطلاق النار في وادي بردى، فقد ألقى اللوم بذلك على المعارضة.
وبالمثل، أطلق علي أكبر ولايتي، المستشار المقرب من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تصريحاً في 3 كانون الثاني/يناير شدّد فيه على أنّ «حزب الله» سيبقى في سوريا حتّى بعد وقف إطلاق النار. وبعد يومَين، قال السفير الروسي في بيروت لصحيفة "المدن" اللبنانية إنّ موسكو لن تطلب من الجماعة مغادرة سوريا لأنّهما شريكَان في محاربة الإرهاب.
وباختصار، إنّ تركيا هي الطرف الوحيد الذي يدعو «حزب الله» إلى الانسحاب، وهو واقع لن ترضى عنه إيران. وعلى الرغم من أنّ أنقرة تفهم الحاجة العسكرية الحالية للميليشيات الشيعية في سوريا، إلّا أنّها لا تزال تريد إشارة أو ضمانة إضافية بأنّها ستغادر في النهاية. كما على روسيا إيجاد طريقة لضمّ السعودية وقطر. ولن يكون من السهل استمالة هاتين الدولتين الداعمتين السنّيتين طالما أنّه لا يزال يُعترف بالأسد رئيساً لسوريا، كما أنّهما أكثر قلقاً من محاولات إيران ترسيخ الهلال الشيعي في المنطقة.
وهناك حجر عثرة آخر وهو اتفاقات روسيا الأحادية الجانب مع مقاتلي المعارضة في مناطق معينة، لا سيما حول دمشق. وتضمن هذه الاتفاقات بقاء المقاتلين في بلداتهم إذا احترموا وقف إطلاق النار، إلا أن إيران تريد خروج جميع السنّة من هذه المناطق لأسباب ديموغرافية، وسيكون لديها قدرات أكبر لتحقيق هذا الهدف بعد تحرير القوّات الشيعية بحكم الانتصار في حلب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا عقدت روسيا إذاً هذه الاتفاقات مدركةً أنّ إيران ستحاول خرقها؟ لعلّ موسكو أمِلَت الحفاظ على ماء الوجه تجاه المعارضة السورية وغالبية السكّان السنّة. وكما ذُكر سابقاً، قد تستطيع تركيا مساعدتها في ذلك وفقاً لرد فعل السعودية وقطر الذي لا يزال غامضاً.
ما يتخطى وقف إطلاق النار
على الرغم من أنّ إيران وروسيا قد تجدان طريقاً لتسوية خلافاتهما في الوقت الحالي، إلّا أنّ مجموعة من التحدّيات طويلة الأمد تلوح في الأفق. فلم يتمّ تحديد مصير الأسد، كما سيستلزم أي حلّ سياسي وجود جميع الأطراف في أستانة لصياغة تفاهمات حول ذلك والعديد من القضايا الإشكالية الأخرى، بما فيها وجود الميليشيات الشيعية ومسألة من سيعيد إعمار سوريا ليتمكن اللاجئون من العودة. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتمّ دعوة قوى الخليج ذات الصلة إلى المؤتمر، لذا من غير الواضح كيف سيكون ردّها على أي قرار يتمّ التوصّل إليه هناك. وفي غياب إشراك هذه القوى في العملية أو أي نوع آخر من الضمانات حول مصير الأسد والميليشيات الشيعية، سيكون لمبادرة الأستانة فرص ضئيلة للنجاح وستبقى جميع المشاكل الأخرى عالقة.
ومن جهّتها، كانت الولايات المتحدة غائبة عن كامل عملية وقف إطلاق النار ولم يكن لها أي ردود فعل تُذكر عندما تمّ الإعلان عن الاتفاق. غير أنّ إدارة ترامب ستتولى مهام منصبها قبل اجتماع الأستانة، وفي حين يُعدّ التوقيت محدوداً جدّاً، ربما ما زال هناك مكاناً للمسؤولين الأمريكيين على طاولة المفاوضات إذا أرادوا ذلك.
حنين غدار، صحفية وباحثة لبنانية مخضرمة، وزميلة زائرة في زمالة "فريدمان" الافتتاحية في معهد واشنطن.