- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الطريقة الذكية لوقف سياسة "المال مقابل القتل"
أخيرًا بدأ الكونغرس بدراسة قانون لمنع "السلطة الفلسطينية" من التحريض على العنف. فلطالما قدمت "السلطة الفلسطينية" لأسر الفلسطينيين الذين يشنون هجمات ضد الإسرائيليين مكافآت مالية ترتبط بفترة بقائهم في السجون الإسرائيلية، إلى جانب الأسر التي يلقى أقرباؤها حتفهم خلال أعمال عنف ضد أبرياء. وقد بررت "السلطة الفلسطينية" هذه الممارسة إلى حدّ كبير من خلال الادعاء بأنها إن لم توفر هذه المزايا فحركة "حماس" ستفعل. إلا أن هذه الحجة واهية؛ ففي حين تتنافس "السلطة الفلسطينية" حتمًا على النفوذ السياسي مع "حماس" لا يمكنها اكتساب ميزة على خصمها الإسلامي من خلال اعتماد سياسة تبرر العنف.
ولا بدّ لهذه الممارسة من أن تتوقف، وهذا ما يحاول "قانون تايلور فورس" - الذي سُمي تيمّنًا بخريج مثالي من "ويست بوينت" ومحارب سابق قُتل في اعتداء إرهابي في إسرائيل العام الفائت - فعله. وبوضعه الحالي، سيقلّص القانون المساعدات الأجنبية الأمريكية إلى الضفة الغربية وغزة بكاملها في حال لم يتوقف "تسديد أي مدفوعات لقاء أعمال إرهابية ضد مواطنين أمريكيين وإسرائيليين إلى أي فرد سُجن بعد محاكمة عادلة وأُدين بارتكاب أفعال إرهابية مماثلة، بما في ذلك أي دفعات إلى أفراد أسرته". وأصبح التشريع حاليًا في مرحلة الصياغة أمام مجلس الشيوخ حيث من المزمع أن تقوم "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي" في وقت لاحق من هذا الأسبوع بمناقشة القانون وتعديله.
وفي حال تمّ تمرير القانون، سيحمل رسالة واضحة إلى "السلطة الفلسطينية" مفادها أن ممارسة تقديم المزايا إلى الذين ينفذون أعمال عنف ضد إسرائيليين أو أمريكيين مقيتة وغير مقبولة. ويقول المسؤولون الإسرائيليون الذين استجوبوا منفذي الهجمات الفلسطينيين إن العديد منهم صرحوا بأنهم أقدموا على فعلتهم لكي تحصل أسرهم على مكافآت. ولهذا السبب، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن تأييدها العام للقانون رغم أن أحد كبار المستشارين ذكر أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يدلي برأيه حول الأحكام الخاصة كيلا تتداخل مع العملية التشريعية الأمريكية.
لكن الصواب في هذه الحالة يختلف عن التصرف بذكاء حيالها. فالولايات المتحدة تريد من "السلطة الفلسطينية" أن توقف تشريع الإرهاب من خلال تقديم المزايا إلى مرتكبيه، لكن عليها التصرف بطريقة لا تتسبب في زيادة الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين سوءًا. فالتهديدات بخفض المساعدات إلى الفلسطينيين بشكل كبير قد تلحق الضرر بالقضية أكثر مما تساعدها.
ويتمثل أسوأ السيناريوهات في شعور "السلطة الفلسطينية" بأن القانون ملزم لها لإثبات أنها لا تخضع لضغوط خارجية، وبالتالي تقوّض مشروعًا تدعمه واشنطن بشدة: التعاون الأمني مع الإسرائيليين. فتطور مماثل ينذر بإطلاق شرارة وضع متوتر أساسًا في الضفة الغربية والقدس، ما يهدّد حياة الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين.
ولطالما تعاونت الأجهزة الأمنية التابعة "للسلطة الفلسطينية" والإسرائيلية، لأسباب جيدة، بغية إبقاء "حماس" والجماعات الجهادية خارج الضفة الغربية. وفي "مؤتمر هرتسيليا" السنوي حول الأمن والسياسة الخارجية الذي عُقد في حزيران/يونيو، صرّح رئيس أركان "جيش الدفاع الإسرائيلي" الجنرال غادي أيزنكوت علنًا بأن سلوك "جهاز الأمن الفلسطيني" يستحق الاحترام والتقدير، ما يعكس فهمه لمصالحنا المشتركة". ويتطابق قوله هذا مع عدة تصريحات في محادثاتنا أثناء رحلة إلى إسرائيل مؤخرًا مع مسؤولين عسكريين إسرائيليين يرغبون بشدة باستمرار التعاون الأمني.
وعلى صعيد خفض المساعدة الأمريكية، حرص أولئك المسؤولون على ألا يُظهروا أنهم يدلون بآرائهم حول مسألة سياسية. وعليه، في حين يرغبون بإيصال رسالة شديدة اللهجة إلى "السلطة الفلسطينية" حول تداعيات التحريض على العنف، يريدون في الوقت نفسه منع أي تدهور في نوعية حياة الفلسطينيين خشية أن يؤدي ذلك إلى المزيد من التطرف. وقد عارض "جيش الدفاع الإسرائيلي" سرًا السياسيين الذين فضلوا أحيانًا العقاب الجماعي للتعامل مع منفذي أعمال العنف المنفردة - بحجة أن تضييق الخناق على كافة الفلسطينيين هو الطريق المؤكد إلى إطلاق شرارة انتفاضة أوسع نطاقًا.
وبالتالي سيؤدي وقف المساعدات الأمريكية بالكامل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة إلى عرقلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي يرى المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أنه يصب في مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين المتبادلة على السواء. كما أيدت إدارة الرئيس دونالد ترامب أجندة التنمية الاقتصادية لفلسطينيي الضفة الغربية، وحتمًا ستتأثر سلبًا في حال انقطع التمويل الأمريكي بالكامل.
لذا، تتمثل نقطة الانطلاق لتطوير سياسة أمريكية فعالة في فهم هيكلية المساعدة إلى "السلطة الفلسطينية" ومكامن نفوذ واشنطن. وبعدما أرغم الرئيس محمود عباس رئيس حكومة "السلطة الفلسطينية" سلام فياض على المغادرة في 2014، تمّ خفض المساعدات بشكل ملحوظ؛ فقد قلصت الولايات المتحدة دعم الميزانية بنحو 200 مليون دولار. كما أوقفت تحويل الأموال إلى حساب "السلطة الفلسطينية"، وجرى نقل الأموال بدلًا من ذلك عبر دفعات مباشرة إلى دائنين مدعومين من الولايات المتحدة. يُذكر أن مستوى التمويل الأمريكي الحالي إلى "السلطة الفلسطينية" يبلغ 260 مليون دولار سنويًا.
يمكن تقسيم هذه الأموال إلى ثلاث حقائب. الأولى تتألف من حوالى 70 مليون دولار وتخصص لرسوم الكهرباء والاستشفاء في الضفة الغربية. كما يخصص مبلغ 25 مليون دولار تقريبًا من هذه الحقيبة لدفع تكاليف العناية الطبية التي تقدمها المستشفيات إلى الفلسطينيين في القدس الشرقية. وكان شهود في أحدث جلسة عقدتها "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي" بشأن "قانون تايلور فورس" قد قدموا شهاداتهم، عاكسين اتفاق الحزبين على كون الدفعات المقدمة إلى المستشفيات شكلًا أساسيًا من أشكال المساعدات الإنسانية التي يجب الإبقاء عليها.
ويُدفع مبلغ 45 مليون دولار المتبقي من هذه الحقيبة مباشرة إلى شركات الكهرباء الإسرائيلية لتسديد ديون الكهرباء المتوجبة على "السلطة الفلسطينية" لقاء الخدمات المقدمة إلى مبانيها والديون المتراكمة على الفلسطينيين. وفي حال أوقفت الولايات المتحدة هذه المساعدة، ستُجبر "السلطة الفلسطينية" على إعادة تخصيص هذه الأموال من ميزانيتها من أجل الوفاء بالديون. بعبارة أخرى، إنها الحصة الوحيدة من المساعدة الأمريكية إلى الضفة الغربية وغزة التي يمكن استبدالها؛ ومن شأن وقف هذه الأموال أن يرغم "السلطة الفلسطينية" على تعديل ميزانيتها التي تتضمن دفعات إلى الأسرى وعوائل "الشهداء".
أما الحقيبة الثانية، البالغة قيمتها 85 مليون دولار، فتتألف من مساعدة أمريكية بالكاد ترتبط بـ"السلطة الفلسطينية"، حيث أن معظم هذه المشاريع تتعلق بالطرق وتحلية المياه والتعليم والحوكمة الجيدة. وعلى الأرجح، سيتمّ التخلي عن هذه المشاريع في حال سحبت الولايات المتحدة التمويل. فلن يتمّ إنجاز الطرق وستكون كميات المياه النظيفة المتوافرة أقل، ما يعزّز إمكانية اندلاع مواجهة أخرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكذلك، سيتمّ التخلي عن مشاريع الحوكمة الجيدة التي ترمي إلى التشجيع على أطر عمل قانونية وإجراءات شفافة ومشاركة القطاع الخاص، وهي عوامل من شأنها تمكين الإصلاح الاقتصادي، حيث ستكون تداعيات هذا الأمر ملموسة مع مرور الوقت.
هذا وتخصص الحقيبة الثالثة المؤلفة من مبلغ 106 ملايين دولار المتبقي مباشرة لمشاريع مستقلة تمامًا عن "السلطة الفلسطينية". وتتضمن هذه المشاريع عدة مبادرات تعليمية ومشاريع تطوير في القطاع الخاص. وترأس أحد أهم المشاريع في هذه الحقيبة منظمة "ميرسي كور" الأمريكية، وهو مشروع يهدف إلى التأثير في حياة مئات الآلاف من سكان غزة من خلال تحسين النمو الاقتصادي والتعليم والرعاية الصحية في القطاع. ويمكن القول إنه في حال اختارت الولايات المتحدة عدم تمويل هذه المشاريع، فلن تتدخل "السلطة الفلسطينية" لإحيائها. فسوف تختفي هذه المشاريع ببساطة من الوجود - في وقت تشارف فيه الظروف الإنسانية في غزة أساسًا على الانهيار، حيث يتمّ تزويدها بثلاث ساعات فقط من الكهرباء في اليوم.
في الواقع، ثمة حقيبة رابعة تتأتى من مجموعة مختلفة من الأموال. وهي عبارة عن دعم إلى الجنرال في الجيش الأمريكي فريدريك روديشيم، منسق الفريق الأمني الذي نجح ببراعة في العمل مع طرفيْ النظام الأمني الإسرائيلي والفلسطيني من أجل تسهيل التعاون الأمني الوطيد. ولا يتم النظر في وقف هذا الجزء من التمويل الأمريكي بموجب "قانون تايلور فورس". غير أنه في حال وقف المساعدة الاقتصادية، قد لا يكون التعاون الأمني - الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الفلسطينيين - مستدامًا من الناحية السياسية.
وبدلًا من قطع الجزء الأكبر من المساعدة الأمريكية، يجب سنّ القوانين لتحفيز "السلطة الفلسطينية" على إصلاح سلوكها - وليس تقليل روابطها أكثر فأكثر مع الولايات المتحدة وإسرائيل. يبدو أن هذا هو ميل كبار أعضاء الكونغرس من الحزبيْن. وفي هذا السياق، أشار السيناتور بن كاردين (الديمقراطي عن ماريلاند)، كبير الديمقراطيين في "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي"، خلال الجلسة الأخيرة إلى أنه يدعم بشدة مبادئ "قانون تايلور فورس" ولكنه شكّك في تداعياته غير المقصودة. وعلى نحو مماثل، علّق السيناتور بوب كوركر (الجمهوري عن تينيسي)، رئيس اللجنة، قائلًا "أعتقد أنه يوجد على الأرجح وسيلة أكثر توجيهًا للتعامل مع هذه المسألة".
قد يكون السيناتور كوركر على علم ببعض الأمور. كما أن "للسلطة الفلسطينية" أساليبها لدعم من هم بحاجة من دون تقديم مكافآت ومزايا مالية هائلة إلى عائلات الإرهابيين. على سبيل المثال، لديها مكتب إنعاش اجتماعي لدعم العائلات التي فقدت معيلها. ثمة فرق كبير بين توفير دفعات مماثلة لمن هم بحاجة وبين تقديم معاملة تفضيلية ومبالغ مالية أكبر بكثير لعائلات من ارتكبوا أعمالًا إرهابية. وكان مسؤولو الأمن الإسرائيليون قد أعلنوا في المجالس الخاصة أن هذه الخطوة ستكون الممارسة الأفضل لموازنة الحاجة إلى دعم العائلات مع تجنب أي محفزات لإثارة أعمال عنف.
وفي مسعى لوقف سياسة "السلطة الفلسطينية" المقيتة هذه، يتعين على أعضاء الكونغرس الذين يصيغون "قانون تايلور فورس" المضي قدمًا بحذر. وحتمًا يجب عدم اعتماد ممارسة "المال مقابل القتل"، غير أنه لا بدّ من أن تأخذ المقاربة في الحسبان أن ظلالًا رمادية تدخل ضمن التعامل مع مسألة مماثلة. الذكاء في هذا السياق أفضل من أن تكون على حق. كما أن المقاربة الذكية هي من بين تلك التي تقرّ بأن الفلسطينيين البريئين، الذين لم يتمكنوا من التصويت في أي انتخابات منذ أكثر من عقد من الزمن، يجب ألا يرغموا على دفع ثمن أخطاء حكومة لا يمكنهم التحكم بها.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. ليا وينر هي مساعدة باحثة في المعهد.
"فورين بوليسي"