- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2863
الدور الأمريكي العاجل في كردستان بعد الاستفتاء
في الاستفتاء الذي جرى في 25 أيلول/ سبتمبر في «إقليم كردستان»، أيّدت الغالبية الساحقة من الأكراد الانفصال عن العراق إذ أجاب 92.7 في المائة من المصوتين بـ "نعم". وعلى الرغم من أن النتيجة لا تؤدي إلى أي تغييرات إدارية ولا تشكّل إعلاناً صريحاً للاستقلال، ردّت الحكومة المركزية والبرلمان في بغداد بشراسة على هذا الاستفتاء في حين تعمل الدول المجاورة مثل تركيا وإيران على تنسيق الإجراءات العقابية مع المسؤولين العراقيين. وقد تلحق بعض العقوبات المقترحة الضرر بالمصالح الأمريكية وتزيد من نفوذ إيران التي سيزورها الرئيس التركي رجب طيب أدوغان في 4 تشرين الأول/أكتوبر. وقبل هذه الزيارة لا بدّ أن تتصرّف الولايات المتحدة سريعاً لصياغة الحسابات التركية والعراقية المتعلقة بسياسة ما بعد الاستفتاء، ومن المفضّل أن تحصل على دعم "بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق" والتحالف الذي يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية».
الإجراءات التي يُنظر في اتخاذها ضد كردستان
في بغداد أصدر البرلمان المتقلب قراراً من ثلاث عشرة نقطة رداً على التصويت. وعلى الرغم من أن هذا القرار لا يشكّل قانوناً تاماً لأنه لم يصدر عن مجلس الوزراء، إلّا أنّه يتضمن مجموعة من الخطوات الخطيرة وهي: اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المناطق المتنازع عليها الخاضعة للسيطرة الكردية مثل كركوك، وإقالة موظفي الحكومة العراقية الأكراد الذين صوّتوا في الاستفتاء، وخلع حاكم كركوك نجم الدين كريم "بالقوة"، وإغلاق حدود «إقليم كردستان» بمساعدة الدول المجاورة، وقطع صادرته النفطية، وإغلاق القنصليات الأجنبية فيه، واتخاذ إجراءات قانونية ضد رئيس «حكومة إقليم كردستان» مسعود بارزاني، والقيام بالاستعدادات لعزل رئيس الجمهورية العراقية الاتحادية الكردي فؤاد معصوم.
ومن غير المرجح أن ينفّذ رئيس الوزراء حيدر العبادي طلب التصعيد العسكري، لكنه أشار إلى أنه ستُتخذ "تدابير اقتصادية"، وطلب من «حكومة إقليم كردستان» تسليم جميع نقاط العبور الحدودية والمطارات والصادرات النفطية. وأفادت "هيئة الطيران المدني العراقية" أن المجال الجوي الكردي سيُغلق أمام الرحلات الدولية اعتباراً من الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي في 29 أيلول/سبتمبر، ومن المحتمل أن تقوم شركات الطيران من مختلف أنحاء العالم بتعليق رحلاتها الجوية من «حكومة إقليم كردستان» وإليها.
ومن جهتهما، يبدو أن تركيا وإيران مستعدتان لدعم مطلب التسليم الذي تقدّم به العبادي. وتعمل بغداد بالفعل مع طهران وأنقرة لإنشاء مرافق جمركية رديفة داخل تركيا من أجل جباية الرسوم قبل أن تتمكن «حكومة إقليم كردستان» من تحصيلها. وتتماشى هذه المراكز أيضاً مع رغبة العراق وتركيا في منع قادة «حكومة إقليم كردستان» من مغادرة المنطقة دون إذن من بغداد. وفي غضون ذلك يُعاد توجيه طرق التجارة التركية مع الجمهورية العراقية الاتحادية عبر إيران، وقد تبدأ بغداد بقياس صادرات النفط الخاضعة لإدارة «حكومة إقليم كردستان» داخل تركيا. وفي الحالة الأخيرة، قد تنقل أنقرة حقوق الإشراف والتسويق الخاصة بنفط «حكومة إقليم كردستان» إلى "شركة تسويق النفط" الحكومية العراقية: وفي المقابل ستقدّم بغداد مدفوعات لموظفي القطاع العام في «حكومة إقليم كردستان».
انتصار لتنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران؟
إذا تعرضّت «حكومة إقليم كردستان» لحصار اقتصادي فعلي، فإن التأثير السلبي على المصالح الأمريكية قد يكون شديداً. وستعاني أيضاً الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بما في ذلك عملية "الحويجة" الجارية التي تهدف إلى تقليص أكبر جيوب الجماعة وأخطرها في شمال العراق. وقد تتوقف مدفعية التحالف وجهوده الاستخباراتية واللوجستية التي مقرها في «إقليم كردستان» إذا ردّ الأكراد بقوة على الحصار. وما لم تعوّض بغداد بسرعة عن الخسائر المحتملة في عائدات النفط والجمارك فقد تتعرّض «حكومة إقليم كردستان» للإفلاس في غضون أسابيع أو أشهر، وسيؤدي ذلك إلى حالة عدم استقرار وقيام احتجاجات ونشوب قتال بين الفصائل. أما وحدات البشمركة المنتشرة على مسافات طويلة من خطوط المواجهة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» فقد تخسر رواتبها على الفور، وقد يضطر عدد كبير من عناصرها إلى المغادرة من أجل إعالة عائلاتهم.
وبالإضافة إلى فسح المجال أمام تنظيم «الدولة الإسلامية» لاستجماع قواه، سيزيد الحصار من نفوذ طهران التي تسعى إلى إنزال عقوبات شديدة بـ «حكومة إقليم كردستان» لتنظيمها استفتاء من شأنه إثارة حماسة الأكراد الإيرانيين. واستاء عدد كبير من مسؤولي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من التعقيدات الإضافية التي نجمت عن الاستفتاء، ولكن لا يجدر بهم الرضوخ لأي محاولات تهدف إلى القضاء على قدرة «حكومة إقليم كردستان» على اتخاذ الإجراءات بشكل مستقلّ، الأمر الذي قد يكون حيوياً إذا تعاظم نفوذ وكلاء إيران في العراق بعد الانتخابات الوطنية المقررة في نيسان/أبريل 2018. ولطالما اعتبرت الولايات المتحدة «حكومة إقليم كردستان» كـ "خطة بديلة" في العراق إذا ما انزلقت بغداد تماماً في المحور الإيراني، وتجدر الإشارة إلى أن الأكراد هم الوحيدين من بين الجهات الفاعلة المحلية الذين وقفوا في وجه قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» - ذراع العمليات التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ولا بدّ أن تحرص الولايات المتحدة على حماية الجائزة الكبرى، أي العلاقات مع بغداد، ولكن الخطة الاحتياطية القائمة على «حكومة إقليم كردستان» لا تزال تتمتع بأهمية كبرى بالنسبة للمصالح الأمريكية، وربما لتركيا أيضاً إذا ما تعثّر إعجابها المفاجئ ببغداد. ومن ثم، يتعيّن على إدارة ترامب اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على الثقة الدولية في «حكومة إقليم كردستان» وعلى الصلات معها.
توصيات للسياسة الأمريكية
يواجه أكراد اعراق حالياً واقعاً جديداً: فقد خلّفوا فجوة بينهم وبين أقرب حلفائهم ألا وهو، التحالف بقيادة الولايات المتحدة وكذلك وتركيا، سواء أكان ذلك مؤقتاً أم لا. وقد اختاروا المخاطرة من خلال إجراء الاستفتاء وعليهم الآن تقبّل العواقب. بيد، تشكّل حملة العقوبات التي تهددهم خطراً شديداً على مصالح الولايات المتحدة والتحالف في العراق.
وفي المستقبل لا ينبغي أن تلعب واشنطن دور محامي كردستان في بغداد. وبدلاً من ذلك لا بدّ أن تتركز جهود الوساطة الأمريكية على أنقرة، لأن خطوات تركيا المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لاستمرار قدرة «حكومة إقليم كردستان» على أداء وظائفها. وقد اجتمع أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة في 28 أيلول/سبتمبر وسيزور طهران في 4 تشرين الأول/ أكتوبر. ومن المفترض أن يقرّر بعد هذه المشاورات عدد الإجراءات العقابية التي ينبغي تنفيذها فوراً، وربما بحلول نهاية الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر. ومن المؤكد أنه ليس من مصلحة أمريكا أن تسمح لروسيا وإيران بالهيمنة على وجهات النظر التركية بشأن هذه الأزمة، لا سيّما وأن هاتين الجهتين الفاعلتين ليست لهما مصلحة في نجاح الحملة لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وكلتاهما تسعيان إلى الحدّ من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
وتتمثّل الخطوة الأكثر إلحاحاً لإدارة ترامب بإرسال مبعوث مدني ليس لديه خلفية سلبية مع الأتراك أو الأكراد أو بغداد لحلّ الأزمة. وينبغي أن يركز هذا المبعوث على الخطوات التالية:
· الاعتراف بالعوامل المحركة في السياسية المحلية. ينبغي أن تحدد الوساطة الأمريكية التدابير اللازمة للتعامل مع المخاوف السياسية المحلية الحقيقية التي أعرب عنها أردوغان والعبادي وبارزاني. وقد اتّخذ كل من هؤلاء القادة مواقف صارمة مؤيدة للاستفتاء أو معارضة له لإرضاء المناصرين السياسيين في بلدانهم في المقام الأول، ولا تزال هذه الأسباب صالحة. ولم يتم نزع فتيل الأزمة قبل التصويت لأن الجهات الفاعلة الرئيسية عجزت عن قراءة العوامل المحركة السياسية المحلية الخاصة ببعضها البعض على نحو صحيح؛ ويجب أن لا يكرر المبعوث الأمريكي الجديد هذا الخطأ.
· اتخاذ تدابير فورية للحدّ من التصعيد. يتعيّن على أردوغان والعبادي أن يظهرا لجمهورهما بأن الاستفتاء لن يؤدي إلى تحركات كردية قصيرة الأمد نحو الاستقلال الكامل أو الضم الدائم للأراضي المتنازع عليها. وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة أن تحثّ القادة الأكراد على التأكيد بسرعة وعلناً على أنهم لن يتّخذوا مثل هذه الخطوات. وقد لا يحصلون إلا على فرصة واحدة لاسترضاء أردوغان، لذالك لا بدّ أن تكون الرسالة واضحة. وتحتاج إدارة ترامب أيضاً إلى الثني عن أي خطوات من شأنها أن تزيد من استياء أردوغان، مثل التصريحات الداعمة للاستقلال الكردي الصادرة عن الكونغرس أو إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن أن تعمل على إبقاء الأكراد السوريين هادئين في الوقت الحالي.
· إنشاء لجنة تفاوض. من وجهة نظر بنّاءة، تتمحور مطالب بغداد حول نفس المخاوف التي عبّرت عنها «حكومة إقليم كردستان» وهي: التوصل إلى تسوية دائمة حول التحكم بالمجال الجوي، وصادرات الطاقة، وإدارة المناطق المتنازع عليها، وإتاحة المساعدة الأمنية الدولية للأكراد. وبالتالي، ينبغي أن يشكّل مبعوث واشنطن لجنة تفاوض بين الولايات المتحدة والعراق و«حكومة إقليم كردستان» للتركيز على الإدارة الفورية للأزمة فيما يتعلّق بالتدابير العقابية المحتملة التي قد تعطّل الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيرها من المصالح الأمريكية. ومع مرور الوقت وهدوء الأوضاع واستئناف السياسة العادية، قد تتطور اللجنة لتصبح آلية للتفاوض بشأن القضايا الجوهرية للنزاع بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان». وقد برزت حاجة ماسّة لمثل هذه العملية على مدى سنوات، وأدّى غيابها إلى تفاقم الخلافات المعتدلة وتحولّها إلى الأزمة الحالية. ومن خلال اتخاذ إجراءات فورية، لا يزال بإمكان الطرفين تحسين الأوضاع في العراق، والحرص في الوقت نفسه على حسن سير الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والحفاظ على أهمية التحالف في وجه التحديات الإيرانية والروسية.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن، وكان قد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد.