- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2835
بعد مرور عام على الانقلاب الفاشل في تركيا
"في 13 تموز/يوليو، خاطب عمر تاسبينار، سونر چاغاپتاي، وجيمس إف. جيفري منتدى سياسي في معهد واشنطن. وتاسبينار هو أستاذ في "كلية الحرب الوطنية" وأستاذ مساعد في "مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة" في "جامعة جونز هوبكنز". وچاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد. وجيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا. وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاتهم".
عمر تاسبينار
في حين أن الميل الاستبدادي الذي يطبع السياسة التركية موثّق بشكل جيد في أوساط واشنطن، لا يزال الغموض يحيط بفتح الله غولن إلى حدّ كبير بالنسبة إلى معظم الأمريكيين (على الرغم من رحيله إلى المنفى منذ فترة طويلة في ولاية بنسلفانيا). وبالتالي، يوفّر الحديث عن خلفية زواج المصلحة الذي جمع «حركة غولن» بـ «حزب العدالة والتنمية» الذي يرأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سياقاً مهماً.
وإذا تعقبنا الأسلاف الفكريين لغولن ، يصل بنا المطاف إلى سعيد النورسي (1877-1960)، وهو عالم من شرق الأناضول كتب تعليقاً عن القرآن الكريم تألف من 6 آلاف صفحة، سلّط فيه الضوء على توافق الإسلام مع المذهب العقلاني. وتواصل «حركة غولن»، وهي جماعة تركية كبيرة، مشروع النورسي لتحديث الإسلام، من خلال دمج التركيز على العلوم والتعليم.
وتشجع «حركة غولن» أيضاً انتشار الطابع القومي للإسلام، في حين يؤكد الإسلام التقليدي على الأخوة المتسامية للأمة، وقد رأى المفكرون الإسلاميون السياسيون التأسيسيون مثل سيد قطب أن الإسلام السياسي يوحّد كافة المسلمين. وبالتالي، ساد السلام والوئام عموماً بين النورسي وغولن من جهة والدولة العثمانية والتركية من جهة أخرى.
وبالمقارنة، يستمد «حزب العدالة والتنمية» هويته من تقاليد جماعة «الإخوان المسلمين»، لا سيما من شخصية نجم الدين أربكان (1926-2011)، الذي أسس «حزب الرفاه»، سلف «حزب العدالة والتنمية». ولطالما كانت حركة أربكان، الذي أعطى الأولوية للحضارة الإسلامية على حساب الحضارة التركية، ذات طابع سياسي، في حين تطورت «حركة غولن» لتصبح قوةً اجتماعية وثقافية. وخلافاً لـ «حزب الرفاه» التابع لأربكان، لم تبدِ «حركة غولن» قط اهتماماً في السيطرة على الدولة - أو في "ثورة إسلامية". وعوضاً عن ذلك، شجع قادتها المسلمين الأتراك على كسب المال ودفع الضرائب والمساهمة في المنظمات الخيرية، مما أدى تدريجياً إلى تحويل الدولة لتصبح شبيهة بهم.
أما الجيش، فلطالما نظر إلى «حركة غولن» على أنها أكثر خطورة بكثير من أربكان، إذ اعتبر أن أجندتها التعليمية والثقافية والاجتماعية تشكل وسيلةً خفية للتغلغل في الدولة - وتهديداً وجودياً.
ومن خلال تأسيس «حزب العدالة والتنمية» لمواصلة إرث أربكان، رفض أردوغان أيضاً في البداية الإسلاموية السياسية، فسمح ببناء تحالف مع غولن، وفّرت في إطاره الحركة رأس المال البشري وأمّن فيه «حزب العدالة والتنمية» العناصر الضرورية لتأسيس حزب سياسي. وبالفعل، كان غولن يهيئ مفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي، وقام بإدخال البيروقراطيين منذ الثمانينيات، موفراً الكوادر التي احتاجها أردوغان لتأهيل حكومته.
ومن عام 2003 حتى عام 2011، رأى «حزب العدالة والتنمية» و«حركة غولن» أن النظام العسكري يشكل عدواً مشتركاً - وهو عدو حُرّما منه في محاكمات أرغينيكون، التي بدأت في عام 2009 وهمّشت الجنرالات. وقد بدأت هذه المحاكمات كمحاولة مشروعة لإحباط مخطط انقلابي، لكنها تحّولت إلى حملة ملاحقة استهدفت جميع خصوم «حزب العدالة والتنمية».
وعندما رفض أنصار غولن الخضوع لسيطرة «حزب العدالة والتنمية»، لاحقهم أردوغان من خلال إغلاق مدارسهم، ورد أنصار غولن من خلال إثارة فضيحة فساد حول أردوغان وعائلته في كانون الأول/ديسمبر 2013. ورداً على ذلك، شدد أردوغان حملة القمع ضد أنصار غولن الذين لجأوا أخيراً إلى استخدام نفوذهم في الجيش - الذي اكتسبوه من الفراغ الناتج عن محاكمات أرغينيكون - ليسدد لهم ضربة بالمقابل.
سونر چاغاپتاي
في السابق، شملت العلاقة التكافلية التي جمعت بين «حزب العدالة والتنمية» و«حركة غولن» رأس مال بشري وفره «حزب العدالة» وقائد يتمتع بجاذبية وحزب سياسي أمنتهما «حركة غولن». وعندما تعاونا لإسقاط سلطة المؤسسة العسكرية في عام 2011، نشأ صراع شرس على السلطة بين أردوغان وغولن أدت تداعياته الهائلة إلى المزيد من عدم الاستقرار في تركيا.
وبعد محاولة الانقلاب العدائية الفاشلة في تموز/يوليو 2016، سعى أردوغان إلى توسيع الخلافات مع جماعات المعارضة - بدلاً من الاضطلاع بدور الموحّد. وتخطت حملة التطهير اللاحقة أنصار غولن لتشمل في النهاية الليبراليين واليساريين والديمقراطيين الاجتماعيين والعلويين (الليبراليين المسلمين) والقوميين الأكراد. ونتيجةً لذلك، أصبحت تركيا أكثر استبدادية، مترافقة مع الفكرة الناشئة بأن نهوض الدولة التركية وإعادة إحياء الأمة أصبحا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بشخصية أردوغان. وعندما لا يدعم المواطنون نهج أردوغان - استناداً إلى ثلاثة مبادئ هي معاداة الغرب، والإسلاموية السياسية، والقومية التركية - فإنهم يصنَّفون على أنهم معارضون لتركيا والإسلام، وعملاء خارجيون، وبالتالي يتعرضون للاضطهاد.
ويستند استبداد أردوغان على محركَيْن رئيسيَيْن: الأول ينطوي على توطيد سلطته منذ عام 2003 الذي شمل قمع جماعات ديموغرافية لن تدعمه على الأرجح. ويشكل هذا التكتل الجماعي نصف تركيا، وقد اعتقد أردوغان أن بالإمكان السيطرة عليه من خلال اعتماد نظام الحكم الاستبدادي وحده. وينطوي المحرك الثاني على جذور الرئيس المنتمي إلى الطبقة العاملة في حي في اسطنبول يدعى كاسيمباسا، حيث جرت معاملة أفراد عائلته المحافظين والمتدينين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية عندما كان نظام الحكم علماني في البلاد. وتعرض هو وزملاؤه للسخرية والإهانة في المدرسة الدينية الحكومية التي كان يرتادها، كما أغلقت المحاكم العلمانية ثلاثة أحزاب سياسية إسلامية كان أردوغان قد انضم إليها.
وعلى الرغم من أن أردوغان قد أصبح في النهاية، أقوى سياسي منذ انتقال تركيا إلى نظام متعدد الأحزاب عام 1950، لا يزال أردوغان يشعر أنه ضعيف كمواطن. وما إن يُظهر هذا الضعف، كما يراه هو، حتى يتمّ رميه في المقلب الآخر مجدداً. وبالتالي، يقوم نهج أردوغان على نشر مبدأ مفاده أن الاستبداد ضروري لـ"جعل تركيا عظيمة مجدداً" واستعادة كرامة المسلمين - بقيادة أردوغان.
وقد شمل مشهد ما بعد الانقلاب في تركيا عناصر أورويلية. فقبل بضعة أشهر، تمّ إصدار فيلم يروي سيرة ذاتية مديحية عن حياة أردوغان، روجت له إدارته وحمل عنوان "الرئيس". وخلال الأسبوع الثاني من تموز/يوليو الحالي، أصدر منتج الفيلم فيلماً آخر بمناسبة الذكرى السنوية للانقلاب الفاشل. وعلى الرغم من أن المنتج يقبض راتبه من الحكومة، إلّا أنه اعتقل لتماديه في روايته.
ويرحب نصف تركيا من محبّي أردوغان بتنامي سلطته؛ أما النصف الثاني الذي يبغضه فلا يمكنه أن يقبل ذلك. وتتسع الدائرة الانتخابية المناهضة لأردوغان. فالمحافظات التي صوتت ضده تشكل 80 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" في البلاد. وكانت الفئة العمرية المتراوحة بين 18 و34 عاماً هي التي صوتت بالفارق الأكبر ضد أردوغان خلال الاستفتاء الذي جرى مؤخراً لتغيير نظام تركيا من برلماني إلى رئاسي. ومع ذلك، عندما يفقد الجمهور المناهض لأردوغان الأمل باستخدام الديمقراطية كوسيلة لمعارضته، فسيتنامى احتمال التطرف والعنف، الأمر الذي يوضح السبب لماذا ليس في الواقع من مصلحة أردوغان إنهاء الديمقراطية التركية.
جيمس إف. جيفري
في الفترة بين 2015 و 2016، قبل محاولة الانقلاب، كان يمكن تحديد العلاقة الأمريكية - التركية الهشة بكلمة واحدة: الجنوب. ففي حين برز تقارب مصالح سطحي بين الولايات المتحدة وتركيا في سوريا، إلّأن هذه المصالح تباينت على أرض الواقع في كل شيء تقريباً. ومن جهتها، واجهت تركيا ثلاثة تهديدات من الجنوب: «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وهي جماعة سورية كردية، وتنظيم «الدولة الإسلامية»، والرئيس السوري بشار الأسد. ومن ناحية أخرى، يُعتبر «حزب الاتحاد الديمقراطي» - الذي تعزز بفضل دفاعه الناجح ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بدءاً بكوباني عام 2014 - فرعاً سياسياً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي مقره في تركيا، وعندما توقفت المحادثات بين أنقرة و«حزب العمال الكردستاني» في صيف عام 2015، أصبح الحزب الكردي يشكل خطراً شديداً يهدد تركيا.
وفي أواخر عام 2015، عندما دفعت الهجمات الإرهابية في باريس وسان برناردينو بالولايات المتحدة إلى اتخاذ تنظيم «الدولة الإسلامية» على محمل الجد، لم تكرس تركيا نفس القدر من الأهمية لهذه القضية، حتى أنها قدمت الدعم لجماعات [مماثلة] للتنظيم على غرار «جبهة النصرة». وفي إطار سياسة تركيا الرامية إلى الإطاحة بالأسد، أبقت البلاد حدودها مفتوحة، مما سمح للجهاديين المعادين للأسد وللولايات المتحدة على السواء بالعبور. وفي غضون ذلك، على الرغم من أن إدارة أوباما وافقت من حيث المبدأ على سياسة تركيا القائمة على فكرة أن "الأسد يجب أن يرحل"، إلّا أنها لم تدعم القضية بفعالية كافية، مخيّبة بذلك آمال تركيا.
وتُعتبر العلاقة الأوسع بين الولايات المتحدة وتركيا مهمة للغاية، في وقتٍ أدّى فيه تعاون تركيا دوراً في جميع الصراعات الأمريكية تقريباً. وعلى وجه الخصوص، كان دور تركيا أساسياً لانتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة. وعلى نحو مماثل، فمن دون الدعم الأمريكي الذي بدأ في أربعينيات القرن الماضي، لم يكن بوسع تركيا أن تبقى مستقلة خلال الحرب الباردة.
ويعود هذا الفتور الراهن في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا إلى انقطاع التواصل بين البلدين، حيث تتبنى أنقرة وجهة نظر تهكمية تقوم على الواقعية السياسية تجاه السياسة الخارجية، في حين تعتقد الولايات المتحدة أنها تدفع بالقيم العالمية قدماً. وتجدر الملاحظة أن عدداً كبيراً من الجماعات تمارس ضغوطاً في واشنطن ضد تركيا - على سبيل المثال، الجماعات الأرمنية واليونانية وحقوق الإنسان - وللحفاظ على هذه العلاقة الهامة، يجب على المسؤولين الأمريكيين المبالغة في مدح البلاد كأفضل حليف للولايات المتحدة على الإطلاق. وعندما تفسد تركيا هذه الصورة، يثير ذلك الشعور بالإحباط لدى الحكومة الأمريكية.
وتكون واشنطن عموماً على علم مسبق بالأحداث الهامة، لكن الانقلاب الذي وقع العام الماضى كان غير متوقع تماماً، الأمر الذي أدى إلى وقوف المسؤولين الأمريكيين عاجزين عن الرد. فقد كان الاعتقاد السائد بأن الانقلابات العسكرية لم تعد ممكنة في تركيا. وعلاوةً على ذلك، لم يدرك المسؤولون الأمريكيون أن فصيل غولن في الجيش - وليس جوهره العلماني التقليدي - كان وراء الانقلاب. وبينما انتظرت واشنطن المزيد من المعلومات عن أنصار غولن، أحجم المسؤولون عن الإدلاء بأي تصريحات لتقييم للانقلاب، وبدلاً من ذلك عملوا على صيانة المصالح الأمريكية، ولا سيما محاولة إعادة فتح "قاعدة إنجرليك الجوية" التركية أمام العمليات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وقبل الانقلاب، شعرت واشنطن بخيبة أمل إزاء رد أردوغان القاسي على احتجاجات "منتزه جيزي" في صيف عام 2013 وطريقة تعاطيه مع «حزب الشعوب الديمقراطي» («حزب ديمقراطية الشعوب») الموالي للأكراد عقب انهيار وقف إطلاق النار مع «حزب العمال الكردستاني». غير أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون تدعو إلى التفاؤل، كما بإمكان إدارة ترامب تحسين العلاقات من النقطة التي وصلت إليها خلال عهد أوباما. غير أن هذه التحسينات ينبغي ألا تسعى إلى نشوء حالة سابقة مثالية: فلطالما كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا معقدة.
أعدت هذا الملخص أويا روز أكتاس.