04/26/17
في الشهر الماضي، رفع حاكم كركوك نجم الدين كريم العلم الكردي في المحافظة، فأثار الجلبة في العراق والمنطقة. وندّد البرلمان العراقي بالقرار الأحادي الطرف رافضًا إياه على أنه غير دستوري. وسرعان ما أدانت محافظة كركوك نفسها هذا التدبير وطلبت إزالة العلم، كما أعرب السكان العرب والتركمان عن احتجاجهم. وفي غضون ذلك، استدعت الحكومة التركية القادة التركمان من العراق لاستشارتهم، في حين انتقدت إيران ما قام به الحاكم، معتبرةً أنّ ذلك سيؤدّي إلى المزيد من الاضطرابات في العراق. فأعاد كلٌّ من أنقرة وطهران التأكيد على سياستهما التي لطالما اعتمدتاها، وهي سياسة العراق الموحّد؛ مع أنّ البعض يعتبرون أن تركيا قد تدعم قيام دولة كردستان المستقلة في شمال العراق.
أمّا في كردستان، وعلى الرغم من الانقسامات السياسية الداخلية العميقة، لاقى رفع العلم الكردي دعمًا موحّدًا من كافة الأحزاب وكذلك من حكومة إقليم كردستان. ويعتبر الأكراد أنّ كركوك هي جزءٌ من أرضهم التاريخية. ففيما يبقى وضع كركوك القانوني غير محدّد، تخضع هذه المحافظة فعليًا للسيطرة الكردية منذ عام 2003: فكل الذين حكموها كانوا أكرادًا، والأكراد هم من يديرون الحكومة ويوفّرون الأمن والدّفاع ضد المجموعات المتمردة. أما النعمة التي يتمتع بها الأكراد في كركوك فليست النفط الموجود في المنطقة فحسب، إنما قوتها كرمز الوحدة والقومية الأكثر فعالية. وقد أمرت كركوك بالتنسيق بين القوات الكردية التي كانت لتبقى منقسمةً عبر خطوط المناصرين لولا ذلك.
ويطالب الأكراد بالعدالة لأجيالٍ من التشرد والتعريب. فبعد سقوط صدّام حسين عام 2003، اتفق الأكراد وبغداد على حل مسألة كركوك. ففي كانون الأول/ديسمبر 2007، وبموجب مادةٍ خاصة من الدستور، كان من المفترض أن يجري استفتاء حتى يقرر سكان المحافظة ما إذا كانوا يريدون الانضمام إلى منطقة كردستان أو البقاء كجزءٍ من الدولة العراقية الفدرالية. إلّا أنّ بغداد ماطلت في المسائل اللوجستية ولم تخصّص ميزانية مناسبة تسمح بإجراء استفتاء.
أمّا الحزبان الكرديان الأساسيان فهما "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي ينتمي إليه حاكم كركوك رافع العلم. وقد باشر الحزبان مؤخرًا برحلاتٍ مكوكية دبلوماسية داخلية للحث على إجراء استفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراقي. ويأتي اندفاع هذين الحزبين لإجراء استفتاء وسط جوّ يسوده الاستياء الاجتماعي أكثر فأكثر. وبالإشارة إلى التاريخ، يشكّل طلب الاستفتاء مناورةً سياسية تهدف إلى التصدي لتراجع شعبية المسؤولين وتفادي المشاكل الاقتصادية والسياسية الخطيرة من خلال إثارة القومية الكردية بهدف كسب أصواتٍ كافية تضمن بقاء حكم الأقلية في الانتخابات القادمة، وتعزز النفوذ ضد بغداد للانتخابات النيابية العراقية عام 2018.
ومن بين المشاكل الكثيرة التي يعاني منها إقليم كردستان، تُعتبَر أكثر مشكلة ملموسة هي شرعية مؤسساتها وشرعية المسؤولين المنتَخبين. فقد رفض رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني أن يتنحى على الرغم من انتهاء فترتيْ ولايته في عام 2013 وانتهاء فترة التمديد النيابي الذي حصل عليه لسنتين في آب/أغسطس 2015. وساهم انتشار الفساد وارتفاع نسبة البطالة والإحباط وخيبة الأمل أيضًا في فقدان القيادة الكردية للمزيد من شرعيتها. وأدى الخلاف السياسي في البرلمان بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"حركة التغيير" (كوران)، التي تعتبر نفسها حزب إصلاحي، إلى شبه غياب الرقابة على الحكومة.
يُتوقَّع أن تُجري حكومة إقليم كردستان الانتخابات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2017. ونظرًا إلى حالة الجمود السياسي والوضع الاقتصادي الخطير، يبدو أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" يحاولان كسب الأصوات من خلال التماس القومية وإجراء استفتاء بين الناخبين الأكراد العاديين. وتجدر الإشارة إلى أنّ استراتيجية هذين الحزبين ستُضعف على الأرجح "كوران" في الانتخابات القادمة، إذ صوّرا نفسيهما على أنهما بطلا الدولة الكردية المستقلة فيما بقيت حركة "كوران" خارج الساحة.
وما يدعو أيضًا للشك بشأن الدافع الكامن خلف الاستفتاء هو أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" هما من يقودانه بدلًا من أن تقوده حكومة إقليم كردستان. فقد أعادت مجموعة من النخبة السياسية القديمة المنتمية إلى هذين الحزبين تصوير نفسها على أنها السبيل لخلاص الأكراد وزارت أحزاب أخرى والتقت بدبلوماسيين في إربيل من أجل مناقشة الاستفتاء والاستقلال المحتمل. وادّعت وفود الحزبين أنها أثارت مسألة الاستفتاء مع رئيس الوزراء حيدر العبادي مؤخّرًا في بغداد. غير أنّ أحد الصحافيين الأكراد قال إنّه لم يتم التطرّق إلّا للعلم في كركوك وإنّ العبادي أبدى موافقةً صريحة.
وإذا كان ذلك صحيحًا، فقد تكون موافقة العبادي المزعومة بشأن علم كردستان مفيدةً له وللأكراد على حدٍ سواء. فتستطيع حكومة إقليم كردستان إحكام قبضتها أكثر على كركوك وربما إعادة كسب السلطة التي تتراجع في بغداد. وفي المقابل، يمكن أن يُبدي الأكراد الدعم السياسي للعبادي بعد الانتخابات النيابية عام 2018 في العراق، وخاصّةً إن كان ذلك سيعني منع رئيس الوزراء السابق المالكي من العودة إلى السلطة. وفي غضون ذلك، يمكن أن يتفادى الأكراد وبغداد المواجهة العسكرية بشأن الأراضي المتنازَع عليها. لذلك، قد تكون الصفقة رابحة بالنسبة إلى الطرفين.
وفي حال نجح "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" في إجراء الاستفتاء، سيستطيعان على الأرجح أن يبليا بلاءً حسنًا في الانتخابات الكردية القادمة. بيد أنّهما يبذلان التضحيات بهدف الاستقلال الاستراتيجي والبعيد الأمد مقابل أرباحٍ سياسية تكتيكية قصيرة الأمد، لا سيّما إذا استمرت عملية الاستفتاء بشكلها الحالي. فإذا كانا جدّييْن بشأن الاستفتاء، تتوافر طريقة أفضل وأكثر مصداقية لإجرائه وهي: أن يدعا حكومة إقليم كردستان تقود العملية وتصمم خارطة طريق مع رؤية استراتيجية للدولة الكردية كهدفٍ أساسي. ويمكن أن تقدّم الأحزاب الكردية الدعم من الخلف. فيتطلّب الاستفتاء والاستقلال على الأقل مستوًى من الشفافية والإجماع، ويفتقر الوضع الكردي إلى العنصرين. ومن دون هذين الامتيازين، ستكون النتائج الضمنية للعملية، حتّى ولو نجحت، أليمةّ بالنسبة للمجتمع الكردي وستشكّل تراجعًا للديمقراطية في المنطقة.