- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل ستكون الولاية الثانية للرئيس الإيراني روحاني مختلفة؟
شهد شهر أيار/مايو نجاحاً كبيراً للرئيس الإيراني حسن روحاني. فقد أُعيد انتخابه بأغلبيةٍ ساحقة في الانتخابات الرئاسية بحصوله على 57 في المائة من الأصوات، وإلحاقه الهزيمة بمنافسه المتشدّد إبراهيم رئيسي ومساعدة فصيله على الفوز في معظم الانتخابات البلدية في إيران.
وفي معظم الديمقراطيات الرئاسية، كان من شأن مثل هذا التفويضٍ الشعبي أن يعطيَ روحاني مطلق الحرية لمتابعة سياسته المتمثلة بـ "الاعتدال والحذر" على الساحتَين المحلية والدولية، كأساسٍ لانعاش الاقتصاد الإيراني الفاشل. ولكن النظام في إيران ليس ديمقراطياً، وقد ثبُت أن تأثير رئيسها على القضايا الخارجية والإقليمية كان محدوداً في الماضي.
ومع ذلك، فعلى الرغم من أن تأثير الرئيس الإيراني على السياسة الإقليمية محدوداً إلى حدٍّ ما، إلا أنّ الرئيس الذي أعيد انتخابه حديثاً يستطيع أن يعيق بعض خطط «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في المنطقة، إذا رأى أنها تصطدم مع المصالح الإيرانية وقد تؤدي إلى فرض عقوبات صارمة أو استخدام القوة ضدّ إيران وحلفائها.
النظام الإيراني: القيود والعقبات التي يواجهها الرئيس
على الرغم من أنّ الرئيس الإيراني يحتلّ مكانة مهمّة في النظام الإيراني، إلّا أنه يضطلع "بدورٍ ثانوي" بعد المرشد الأعلى علي خامنئي. فرئيس الجمهورية هو رئيس "المجلس الأعلى للأمن القومي"، ولكن قرارات "المجلس الأعلى" تحتاج إلى تصديق المرشد الأعلى قبل تنفيذها. ويشرف الرئيس على وزارة الدفاع الايرانية المسؤولة عن تعزيز القوات الايرانية ويسيطر على جزء كبير من ميزانية الدفاع، لكنه ليس القائد العام للقوات المسلحة وليس له سيطرة مباشرة على الجيش. وفي حين يمكن للرئيس أن يؤثر على السياسة الخارجية الإيرانية من خلال وزارة الخارجية، إلا أنّ معظم الأنشطة الإقليمية الإيرانية يتم تنفيذها من قبل «الحرس الثوري الإسلامي» ووحدته شبه العسكرية المعروفة باسم «قوة القدس»، المسؤولة أمام المرشد الأعلى مباشرة.
وعلاوةً على ذلك، منذ إنشاء منصب رئيس الجمهورية عام 1989، لم تتعامل الجمهورية الاسلامية بلطف مع الرؤساء الذين يُنتخبون لولاية ثانية. وقد اتّضح أنّ جميعهم "ضعفاء" مُنعوا من السعي إلى تنفيذ جدول أعمالهم السياسي بسبب مقاومة المتشددين، وبموافقة ضمنية من خامنئي.
لقد حاول الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني التواصل مع أوروبا خلال التسعينات، إلّا أنّ سلسلة الأعمال التي قام بها المتشددون وأبرزها فتوى سلمان رشدي عام 1989، وقتل المعارضين الأكراد الإيرانيين عام 1992 في مطعم "ميكونوس" في برلين، وتفجير مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية" ("آميا") في بوينس آيرس عام 1994، أدّت إلى إلى منعه من تحقيق هدفه. وقد عرقل خامنئي والمتشددون مشروع "حوار الحضارات" الذي أطلقه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ومحاولته التواصل مع الولايات المتحدة، كما بدؤوا بحملة لكبح "حركة الإصلاح الإيرانية" عبر إغلاق الصحف وتخويف الإصلاحيين وإلغاء الاحتجاجات الطلابية. أما محمود أحمدي نجاد فقد قضى آخر عامين له في منصب رئيس الجمهورية وهو يتشاجر مع خامنئي، وأصبح أول رئيس منذ الثمانينات يتم استدعائه إلى "المجلس" [البرلمان الإيراني] للاستجواب. كما أنه شارك في مقاطعة استمرت 11 يوماً لاجتماعات مجلس الوزراء والاحتفالات الرسمية بسبب خلافاته مع خامنئي.
لماذا قد تكون الولاية الثانية لروحاني مختلفة
قد يكون روحاني آخر رئيس في عهد خامنئي. فالمرشد الأعلى يبلغ من العمر 77 عاماً، وعلى الرغم من استمراره في الظهور علناً بشكل متكرر، إلّا أنّ إمكانية رحيله عن الساحة قد أثيرت عدة مرات خلال العام الماضي. وأشار المرشد الأعلى نفسه إلى ذلك في بعض خطاباته واجتماعاته العامة مع القيادة الإيرانية. ويمكن للرغبة في تشكيل حقبة ما بعد خامنئي أن تكثّف الصدامات بين روحاني والمتشددين، حيث يعتبر الطرفان ذلك تمهيداً لصراع الخلافة القادمة والنضال من أجل مستقبل الثورة الإيرانية.
ولن يكون مفاجئاً إذا تدخّل خامنئي أو أفراد من المقرّبين إليه في الصراع (ابنه مجتبى، أو مسؤولين آخرين في مكتب المرشد الأعلى) أيضاً، في محاولةٍ لكبح روحاني ومنعه من توطيد الكثير من السلطة والدعم قبل أن يبدأ فعلاً الصراع على الخلافة.
ومن جانبه، فإن روحاني ليس ساذجاً. فقد كان صانع قرار رئيسي حتى قبل تولّي خميني السلطة، وشغل مجموعة متنوعة من المناصب من بينها سكرتير "المجلس الأعلى للأمن القومي"، وقائد القوات الجوية، ونائب رئيس البرلمان الإيراني ["المجلس"]. ويمكن لذلك أن يساعده على توقّع بعض المناورات السياسية التي قد يحاول خصومه القيام بها. وعلاوةً على ذلك، يمكن للدعم الشعبي الذي يتمتع به روحاني بالإضافةً إلى التحالفات التي أقامها مع جهات فاعلة رئيسية على الساحة السياسية (مثل رئيس "المجلس" علي لاريجاني) أن يساعداه على الكفاح بفعالية أكبر من الرؤساء السابقين.
وعند التطلّع إلى الأمام يُطرح السؤال التالي: هل ستُكرّر الأنماط السابقة نفسها مع روحاني وتؤدي إلى رئيس ضعيف، أو أن الدعم الشعبي سيمنحه تفويضاً يُجنّبه مصير أسلافه ويمكّنه من مواصلة التقدّم في تنفيذ جدول أعماله خلال ولايته الثانية؟
المسار المستقبلي المحتمل والتداعيات على السياسة الإقليمية الإيرانية
إذا سادت السابقة التاريخية، يمكن أن يكون روحاني رئيساً آخر "ضعيفاً" مُنع من التأثير على القضايا الأساسية الإيرانية، مثل العلاقات مع الولايات المتحدة أو السياسة الإقليمية الإيرانية. وسيواصل «الحرس الثوري» الإيراني أنشطته العدوانية في المنطقة، وجهوده الرامية إلى إنشاء "الهلال الشيعي" في بلاد الشام، ومضايقته للقوات البحرية الأمريكية والخليجية في مضيق هرمز وباب المندب. وقد يتفاقم هذا الاتجاه بمجرد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتَمكُّن الميليشيات التي ترعاها إيران من العمل بحرية ضدّ المصالح الأمريكية في العراق.
وقد يكون السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو رد فعل شرس من قبل روحاني. وقد يكون ذلك نتيجة لجهد واعٍ يبذله روحاني لتشكيل معركة الخلافة، أو لأنه سينظر في الأعمال العدوانية التي يقوم بها «الحرس الثوري» الإيراني باعتبارها عائقاً أمام هدفه المتمثل في تحسين الاقتصاد. وعلى الرغم من النفوذ المحدود لروحاني، إلّا أنه يستطيع استخدام الأدوات المتاحة له لعرقلة جهود «الحرس الثوري». وتشمل هذه خفض مخصصات ميزانية الدفاع، واستخدام سيطرته على وزارة الدفاع لإعاقة التعاون مع «الحرس الثوري»، ودفع الجهود الدبلوماسية لتوفير بديل لسياسة «الحرس الثوري»، والهجوم العلني على خامنئي و«الحرس» (شاهد على ذلك هجمات روحاني على شرعية خامنئي، وعلى «الحرس» ودوره في الاقتصاد خلال الأسابيع الماضية). إن ذلك ربما لن يغيّر سياسة إيران، ولكنه قد يُنشئ بعض "المطبات" في الطريق أمام «الحرس الثوري» وقد يحدّد معالم الصراع على السلطة بعد خامنئي.
وأخيراُ، يمكن أن يختار روحاني التعاون مع سياسة «الحرس الثوري» في المنطقة وحتى دعمها من خلال توفير موارد إضافية، على الرغم من الخصومة بينهما. وقد ينتج ذلك عن حلٍّ توفيقيٍّ بين الطرفَين، أو قرار متعمد يتّخذه روحاني بالتركيز على القضايا التي يعتبرها أكثر إلحاحاً، مثل الإصلاحات الاقتصادية أو تعزيز السلطة من خلال "المجلس" ومستوى البلديات. وقد يكون ذلك أيضاً نتيجة لفهم روحاني بأنّ الدور الحازم في المنطقة يخدم إيران بشكلٍ أفضل في إبراز القوة وردع الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. وعلى أي حال، شَغَلَ روحاني منصب سكرتير "المجلس الأعلى للأمن القومي" عندما ساعدت إيران في بناء ترسانة صواريخ «حزب الله» وأمرت وكلائها في العراق بمهاجمة القوات الأمريكية. فهو بالتأكيد لا يرفض تفضيل طهران التعامل بقسوة [مع خصومها].
الاستنتاجات
إنّ روحاني سياسيٌ ماهر، وقد استفاد بالفعل من دعمه الشعبي لإقناع القيادة الإيرانية بالموافقة على اتفاق نووي تاريخي. ومع ذلك، فهو ليس في موقع يمكّنه من التأثير بشكلٍ مماثلٍ على الأنشطة الإقليمية الإيرانية وربما لن يكون في مثل هذا الموقع. وسيستمر «الحرس الثوري» و«قوة القدس» التابعة له في تشكيل السياسة الإقليمية، على غرار الخطوط التي يحدّدها المرشد الأعلى خامنئي.
وعلاوةً على ذلك، إنّ روحاني ليس إصلاحياً ولا يسعى للتوصّل إلى حلّ سلمي لجميع المشاكل الإقليمية. فهو يدعم تعزيز بناء ترسانة الصواريخ الإيرانية ويرى أن ثمة مزايا في إبراز القوة عبر وكلاء في المنطقة ومن خلال مقاومة الولايات المتحدة وحلفائها. وفي حين يعتبر المتشددون، ولاسيما قائد «قوة القدس» قاسم سليماني، أنّ "المقاومة" هي كل شيء تقريباً، إلّا أنّ الأنشطة الإقليمية الإيرانية مهمة بالنسبة لروحاني فقط إلى درجة كونها تعرّض المصالح الأساسية الإيرانية للخطر.
وهكذا، يمكن إقناع روحاني باستخدام سلطته لإعاقة خطط «الحرس الثوري»، إذا كان يعتقد أنها تشكل خطراً حقيقياً على جدول أعماله. ويمكن لمثل هذا الخطر، على سبيل المثال، أن يكون نتيجة سياسة أمريكية أكثر حزماً تشمل التهديد بفرض عقوبات جديدة رداً على السلوك الإيراني الخبيث واستخدام القوة ضدّ إيران أو شبكتها بالوكالة رداً على الإجراءات الإيرانية. وقد لا يردع ذلك إيران، ولكنه قد يضع عقبات أمام المسؤولين الإيرانيين الملتزمين بزعزعة استقرار المنطقة.
عومير كرمي هو زميل عسكري زائر في معهد واشنطن. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قاد جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات الخاصة بالشرق الأوسط والأمن القومي. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس وجهة نظر "جيش الدفاع الإسرائيلي" أو الحكومة الإسرائيلية.
"ذي سايفر بريف"