- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
هل سيؤدّي التقدم الأمريكي-التركي في منبج إلى تعاونٍ أكبر في سوريا؟
تشير كافة التقارير إلى أن الاجتماع الذي عُقد في واشنطن في الرابع من حزيران/يونيو بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أحرز تقدماً ملحوظاً حول حل مسألة ثنائية شائكة، وهي كيفية التعامل مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» - الحليف السوري المحلي للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ويمكن تفهّم أنقرة التي ترى أن الجماعة السورية الكردية وتسليح واشنطن لها يشكّلان مصدر تهديد، بما أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» مرتبط بـ «حزب العمّال الكردستاني» - المنظمة المتمردة التي حاربت الحكومة التركية لأكثر من ثلاثة عقود.
وتتمحور المشكلة بالتحديد حول المنطقة المحيطة بمدينة منبج في سوريا، حيث تقدّمت أوّلاً قوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» المدعومة من الولايات المتحدة غرباً عبر نهر الفرات في عام 2016، متجاوزةً بالتالي الخط الأحمر الذي أعلنت عنه تركيا مراراً. ومَثَلها مَثَل إدارة أوباما قبلها، تعهّدت إدارة ترامب من حيث المبدأ بإخراج عناصر «حزب الاتحاد الديمقراطي» من المنطقة رجوعاً عبر نهر الفرات. إلا أن رفض الجماعة الانسحاب ـ إلى جانب مقتضيات الحرب غير المكتملة التي تشنها الولايات المتحدة ضد بقايا تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال شرق سوريا، والتي تتطلب تعاون «حزب الاتحاد الديمقراطي» ـ قد أحدث تغييراً هائلاً في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، بحيث أن الدولتين الحليفتين في منظمة حلف شمال الأطلسي قد وصلتا في مرحلة ما إلى درجة تهديد القوات العسكرية لبعضهما البعض.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام تمت تهدئة الوضع نوعاً ما، عندما اجتمع وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتعهدا مبدئياً بالتوصل إلى حل. ومنذ ذلك الوقت، عمل المسؤولون الأتراك والأمريكيون على خارطة طريق لإخراج «حزب الاتحاد الديمقراطي» من منطقة منبج التي تضم عدداً كبيراً من السكان العرب (على الرغم من أن ذلك لا يصل ربما إلى نسبة 90 في المائة التي يدعيها الأتراك). وبمجرد انسحاب الجماعة، سيتولى التواجد الأمريكي - التركي المشترك والسلطات المحلية توفير الأمن للمنطقة.
ومع ذلك، فإن الحواجز الأساسية - رفْضْ «حزب الاتحاد الديمقراطي»المغادرة، وحاجة الجيش الأمريكي لمواصلة عملياته في شمال شرق البلاد - ما زالت قائمةً، وأدت عدة خلافات ثنائية أخرى إلى المزيد من التشويش في العلاقة، بدءاً من مطالبة أردوغان من واشنطن بتسليم العقل المدبّر المزعوم لانقلاب عام 2016 فتح الله كولن، وإلى شراء أنقرة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400". كما أن خطابات أردوغان المعادية للولايات المتحدة قبل الانتخابات الوطنية التركية المقرر إجراؤها في 24 حزيران/يونيو قد أثارت الغضب أيضاً، مما حفز الساسة الأمريكيين، ووسائل الإعلام، والمحللين إلى التكهن بأن أنقرة تنحرف نحو المعسكر الروسي.
إلا أن المحادثات التي جرت في الرابع من حزيران/يونيو في واشنطن قد تمثّل خطوةً كبيرةً نحو تبديد هذه التوترات. فبعد الاجتماع، غرّد جاويش أوغلو قائلاً إنه اتفق مع بومبيو على خارطة طريق في منبج، وأطلع المراسلين في وقت لاحق عن المزيد [من التفاصيل] حول "النتائج الملموسة" المنبثقة عن القمة "المثمرة والناجحة". ووفقاً لمصادر أمريكية وتركية مختلفة، تشمل الخطة بدء «حزب الاتحاد الديمقراطي» في الرجوع عبر نهر الفرات، ربما خلال تسعين يوماً إذا سمحت الظروف ذلك. وسوف تتولى القوات الأمريكية والتركية عمليات الدوريات في المنطقة، وتعمل مع أجهزة الأمن والحكم المحلية.
ويرى الأتراك وبعض الأمريكيين أيضاً أن هذه الخطة هي الخطوة الأولى في نوعٍ جديد من التعاون الثنائي في سوريا، بعد فشل جهود مماثلة خلال إدارة أوباما. وفي تغريدته لمّح جاويش أوغلو إلى هذا التعاون الأوسع نطاقاً. ووفقاً لمصادر في كلا الحكومتين، تتمثّل الفكرة في الضغط المشترك على نظام الأسد وإيران، وأخيراً روسيا لقبول حل سياسي من خلال عملية جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، وهو هدف تركي مهم طويل الأجل توافق عليه الولايات المتحدة، وإن كان بأقل عزماً. وعندما يتحدث المسؤولون الأتراك بشكلٍ عام عن "الضغط" على معسكر الأسد، فإن ما يقصدونه عادةً هو احتلال القوات التركية والأمريكية لشمال سوريا بشكلٍ شبه تام تقريباً، وهي المنطقة التي تضم أكثر من 40 في المائة من أراضي البلاد، وعشرات الآلاف من الحلفاء المحليين المسلحين تسليحاً جيداً، وملايين المواطنين السوريين المقيمين هناك أو المشردين بسبب الحرب، من بينهم العديد عبر الحدود في تركيا.
لكن إلى حين بدء تطبيق هذه الخطط بشكل فعلي، شعرت تركيا بأنها ملزَمة بالانخراط مع روسيا وإيران بشأن فض النزاع العسكري بشكلٍ محدود في سوريا، ويشمل ذلك إلى حد بعيد ما فعلته القوات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية مع موسكو. ومع ذلك، يبدو أن الأتراك يعتقدون أن دمشق وطهران ما زالتا عازمتان على تحقيق انتصار عسكري في بقية أنحاء سوريا - وهو سيناريو لا يمكن أن يمنعه سوى التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا.
إنّ تحويل النجاح الثنائي التكتيكي في منبج إلى جبهة استراتيجية هو تصوّرٌ مثيرٌ للاهتمام، ولكن هناك العديد من التحديات الجدية التي يجب التغلب عليها. أولاً، يجب أن تبقى الولايات المتحدة منخرطة عسكرياً في شمال شرق سوريا على أقل تقدير، وربما في أماكن أخرى. غير أن ذلك يتطلب التعاون مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» في موطنه شرق الفرات - وهو احتمالٌ شائك نظراً إلى أن تركيا تعتبر منطقياً ما زالت في حربٍ مستمرة مع هذه الجماعة. وعلى الرغم من أن القوات التركية وقوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» قد حافظتا على وقف إطلاق النار الفعلي على طول الحدود الشمالية الشرقية، إلا أن تركيا سحقت الجماعة في المنطقة الشمالية الغربية من عفرين، ويبدو أنها تستعد للقيام بعملية مماثلة ضد "أبناء عمومة «حزب الاتحاد الديمقراطي»" في شمال العراق.
ثانياً، يبدو أن واشنطن لم تضمن بعد إذعان «حزب الاتحاد الديمقراطي» لخارطة طريق منبج. وإذا تردد الأكراد في قبولها، فمن المرجح أن تتردد أيضاً القيادة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن التنسيق معهم ضد بقايا تنظيم «الدولة الإسلامية».
ثالثاً، تبقى الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في سوريا غامضة. فتوقعات الرئيس ترامب بأن القوات الأمريكية ستنسحب في غضون ستة أشهر لا تتوافق مع النهج التركي. وفي الوقت نفسه، يبدو أن بعض المسؤولين في الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل يراهنون على طرفٍ آخر حول سوريا وهو روسيا، إذ يرون أنها المفتاح لجعل إيران تنسحب. إلا أنه في نظر أنقرة، إن أي حل يترك نظام الأسد دون قيود لن يؤدي إلى انسحاب إيراني؛ بل على العكس من ذلك، سيشكل مخاطر أكبر على الجميع.
أما بالنسبة إلى الاعتبارات المحلية في تركيا، فسيحاول أردوغان على الأرجح استخدام اتفاق منبج لتلميع مصداقيته القومية في الانتخابات المقبلة. وفي الوقت الذي يواجه فيه منافسة قوية في استطلاعات الرأي، فقد يسجّل أردوغان خطة انسحاب «حزب الاتحاد الديمقراطي» شرق الفرات، الذي اقترحته خارطة الطريق، على أنه انتصارٌ ضد «حزب العمّال الكردستاني»، رغم أنه من المستبعد أن يسبق الانسحاب عملية التصويت حتى في أفضل الظروف.
جيمس إف. جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن، والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا.