- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3175
الشباب الفلسطيني أكثر اعتدالاً حول القضايا التكتيكيّة، ولكن ليس بشأن سلام طويل الأمد مع إسرائيل
يشير استطلاع مفصّل أجري هذا الصيف في كل من الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى أنّ وجهات نظر الشباب الفلسطيني هي أكثر اعتدالاً إلى حدّ ما من آراء نظرائهم الفلسطينيين الأكبر سناً بشأن مختلف القضايا الحالية، ولكن ليس بشأن المسائل الطويلة الأمد. وأبدى المستجيبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً اهتماماً هامشياً أكبر بالتقدّم الإقتصادي والإنجازات السياسيّة الداخليّة والاتصالات الشخصيّة مع الإسرائيليين وخطة ترامب للسلام ومواضيع مماثلة. ومع ذلك، قال حوالي ثلث المستجيبين إنّهم يفضّلون السلام الدائم مع إسرائيل، أي نفس النسبة المئوية للأقلية التي شملها المستجيبون الذين تجاوزت أعمارهم الـ 30 عاماً. وبالتالي لا تدفع البيانات إلى الاعتقاد بأنّ تغيّر الأجيال أو مجرد مرور الزمن كفيلان بتعزيز احتمالات المصالحة الإسرائيليّة - الفلسطينيّة على المستوى الشعبي.
الشباب وكبار السن يشاركون العديد من وجهات النظر المتشددة
يشكل التوافق الكبير نسبياً في وجهات النظر بين الشباب وكبار السن من الفلسطينيين حول مجموعة كبيرة من القضايا السياسية من بين المفاجآت العديدة في هذا الاستطلاع الذي أجراه "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي" في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو. فباستثناء بعض القضايا الحالية المذكورة أعلاه، لا تفصل بين الجيلين في غالبية أسئلة الاستطلاع التي يبلغ عددها 40 سؤالاً سوى بضع نقاط لا تشكل نسبة مهمة إحصائياً.
وعموماً، يبدو أنّ هذا الجيل الشاب من الفلسطينيين ليس أكثر اعتدالاً أو أكثر تشدداً، ولا أكثر علمانية ولا أكثر تديناً من جيل الآباء. على سبيل المثال، عبّرت الأغلبية الساحقة من المستجيبين (حوالي 90 في المائة) عن أهمية الدين في حياتهم.
ولوحظ تباين واحد متواضع في هذا المجال فيما يتعلّق بمواقف سكان غزة تجاه «الإخوان المسلمين». ففي هذا القطاع، أعرب 54 في المائة من المستجيبين الذين تجاوزوا الثلاثين عاماً عن تأييدهم للجماعة الإسلاميّة، مقابل 41 في المائة من الراشدين الأصغر سناً. وبالمثل، قال 62 في المائة من المستجيبين الأكبر سناً في غزة إنّه ينبغي السماح لـ «حماس» بالعمل بحريّة في الضفة الغربيّة، في حين سجل الجيل الشاب نصف هذه النسبة تقريباً.
وتوافقت أيضاً الأجيال في الغالب على رفض السلام الدائم مع إسرائيل، حتى ولو بأغلبية أصغر بكثير. وفي السؤال عمّا إذا كان حلّ الدولتين يجب أن يكون "نهاية النزاع مع إسرائيل"، أجاب 34 في المائة فقط من الشباب في الضفة الغربية بصورة إيجابية على هذا السؤال؛ في حين كانت النسبة أقلّ بين السكان الأكبر سنّاً (25 في المائة).
أمّا في غزّة، فكانت الآراء العامّة حول هذا الموضوع وغيره من القضايا ذات الصلة أكثر اعتدالاً إلى حدّ ما، ولكن انعكس فيها الاختلاف بين الأجيال: فقد أشار 38 في المائة من المستجيبين من شباب غزّة إلى أنّ حلّ الدولتين يجب أن ينهي النزاع، في حين وافق 46 في المائة من المستجيبين الأكبر سناً على هذا المبدأ. وبالمثل، بينما قد يعترف 41 في المائة من شباب غزة بإسرائيل "كدولة للشعب اليهودي" إذا كان ذلك سيساعد الفلسطينيين في الحصول على دولتهم الخاصّة، إلّا أن هذه النسبة ارتفعت بشكل غير متوقّع بين المشاركين الأكبر سناً من سكّان غزّة لتبلغ 56 في المائة.
سكان غزة أقل تسييساً
أظهر هذا الاستطلاع اختلافاً مدهشاً، ليس بين الأجيال بل بين سكّان الضفة الغربية من جهّة وسكان قطاع غزّة من جهة أخرى. فقد سؤل المستجيبون عن مدى موافقتهم أو معارضتهم لهذا التصريح الاستفزازي: "إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو في الغالب للسياسيين أو المتقدمين في السنّ فقط، وبكلّ بساطة لا أفكّر في الأمر كثيراً". ففي الضفّة الغربيّة، وافق ربع المستجيبين فقط ولو "إلى حدّ ما" على هذا الإفتراض، أمّا في غزّة فقد تضاعفت النسبة لتصل إلى 52 في المائة. وكان من المدهش أيضاً التعادل بين جيل الشباب والجيل الأكبر سناً حول هذا السؤال المتعلق بالعمر.
ويكاد يكون من المؤكد أن تفسير هذه الاستنتاجات غير البديهية للغاية يكمن في غياب الاتصال اليومي بين سكان غزّة والإسرائيليين منذ انسحاب الجنود والمستوطنين الإسرائيليين من القطاع في عام 2005. ويتناقض وضعهم بشدّة مع الظروف السائدة في الضفة الغربيّة، حيث يشكّل الجنود والمستوطنون الإسرائيليون ونقاط التفتيش الإسرائيلية تذكيراً دائماً بالصراع.
الشباب أكثر واقعية بشأن القضايا القصيرة الأجل
كما ذُكر سابقاً، برزت بعض الاختلافات الكبيرة بين الأجيال حول القضايا الأكثر إلحاحاً، خاصّة تلك المتعلّقة بالعلاقات مع إسرائيل، وحكومتي «فتح» و «حماس»، وشعوب عربية أخرى، والولايات المتحدة. أولاً ، مال المستجيبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 عاماً إلى تفضيل الإصلاح السياسي الداخلي على حساب الأهداف السياسية الأخرى، من بينها "المقاومة" ضد إسرائيل. واختار نصف المستجيبين من هذه الفئة العمرية بعد أن عُرضت عليهم قائمة تضم خمس أولويات محتملة "إجراء انتخابات جديدة وجعل حكومتنا أكثر فعالية وأقل فساداً". وتراجعت النسبة المؤيدة لهذا الخيار بشكل ملحوظ بين الفلسطينيين الأكبر سنّاً: 35 في المائة في الضفة الغربية و38 في المائة في غزة.
واختلفت الأجيال قليلاً أيضاً في مواقفها تجاه واشنطن، وخاصة في الضفة الغربية حيث كان المستجيبون من الشباب، أقل معارضةً إلى حد ما لبعض سياسات الولايات المتحدة وأقل دراية بغيرها. على سبيل المثال، فضّل 29 في المائة منهم فقط رفض خطة ترامب للسلام بشكل مباشر حتى قبل إعلانها رسمياً، مقارنة بنسبة 37 في المائة من المستجيبين الأكبر سناً. وبالمثل، عندما طُلب من شباب الضفّة الغربيّة الاختيار بين الخيارات السياسية التي تشمل "المزيد من المساعدات الاقتصاديّة الأمريكيّة"، "والمزيد من الضغط على إسرائيل"، "وعدم التدخّل في شؤوننا إطلاقاً"، وغيرها من الخيارات، اختاروا بنسبة 22 في المائة الحصول على المزيد من المساعدات، مقارنةً بنسبة 13 في المائة فقط من المستجيبين الأكبر سناً. ووافق ثلثا الشباب أيضاً على هدف أمريكي حالي آخر، هو "التماس مساعدات من دول عربيّة أخرى ... لتحسين وضعنا"، مقارنةً بنسبة 59 في المائة من المشاركين الأكبر سنّاً.
وبرز اختلاف بين الأجيال بشكل واضح جداً: مال المستجيبون من الشباب في الضفّة الغربيّة بدرجة كبيرة إلى تأييد فكرة توقف حكومتهم عن دفع العلاوات للأسرى في السجون الإسرائيليّة. ووافقت نسبة كبيرة مفاجئة تبلغ 49 في المائة على هذا الموقف المثير للجدل للغاية، مقابل 35 في المائة فقط من المستجيبين الأكبر سناً. ولا يعود ذلك إلى اطلاع الجيل الشاب بدرجة أكبر على التكاليف الاقتصاديّة لهذه السياسة، فقد أفاد في الواقع 40 في المائة فقط من المستجيبين الشباب (مقابل 51 في المائة من المستجيبين الأكبر سناً) بإنّهم سمعوا الكثير عن "قانون تايلور فورس" - الذي سنته الولايات المتحدة عام 2018 وينص على قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينيّة بسبب العلاوات التي تدفعها للإرهابيين.
وأخيراً، أظهر المستجيبون من الشباب في الضفة الغربيّة اعتدالاً نسبياً بشأن بعض الأسئلة العاجلة حول العلاقات مع إسرائيل. فقد أعربت الأغلبيّة (62 في المائة) عن تأييدها للعلاقات الشخصيّة مع الإسرائيليين "بهدف مساعدة معسكر السلام في هذه المنطقة"، في حين بلغت نسبة المؤيدين لهذه الفكرة من سكّان الضفة الغربيّة الأكبر سنّاً النصف فقط. وعلى نحو مماثل، عبّر 44 في المائة عن رغبتهم في الحصول على "المزيد من الوظائف لدى الشركات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة"، مقابل نسبة 32 في المائة فقط من المستجيبين الأكبر سنّاً.
التداعيات السياسية
على الرغم من أنّ الرأي العام لا يشكّل بالتأكيد العامل الحاسم في السياسة الفلسطينيّة، إلّا أن هذه النتائج تشير إلى انفتاح فوري على سياسة الولايات المتحدة من جهة وإلى مشكلة محتملة في وقت ما في المستقبل من جهة أخرى. وإذا شددت واشنطن على الإصلاح السياسي الفلسطيني، وعلى الفرصة الاقتصاديّة والحوار مع الإسرائيليين وشعوب عربية أخرى، وحتى على إنهاء الدعم الإرهابي، فقد تلقى قبولاً لدى جيل الشباب أكثر بكثير مما يُفترض غالباً. وقد يؤدي ذلك مع مرور الوقت إلى بعض الضغوط على السياسيين المحليين للتخفيف من معارضتهم لهذه الأهداف القيّمة.
ولكن على المدى الطويل، تشير المعارضة الشعبية الغالبة للسلام الدائم مع إسرائيل، وحتى بين الشباب الذين شملهم الاستطلاع، إلى أنّ المصالحة الحقيقيّة تبقى حلماً بعيد المنال. وفي نهاية المطاف، فإن الجهود الأمريكيّة لتعزيز التحسينات العمليّة على الأرض وتشجيع المبادرات الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين وغيرهم من العرب، قد تخفّف من حدّة هذا الموقف الشعبي المتشدّد. ومع ذلك، تشير الأدلّة إلى أن المساومة القائمة بمعظمها على النوايا الحسنة ليست خياراً واقعيّاً قد يتوفّر في أي وقت قريب، سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو لأيّ من شركائها الإقليميين.
ملاحظة منهجية
يستند هذا التحليل إلى دراسة ديمغرافيّة للبيانات المستقاة من استطلاع يقوم على مقابلات مباشرة مع عيّنة تمثيليّة شملت 1000 فلسطينيّ بالغ: 500 من سكّان الضفة الغربيّة و500 من غزّة. وأجرى "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي"، ومقرّه مدينة بيت ساحور في الضفة الغربيّة، هذا الاستطلاع في الفترة بين 27 حزيران/يونيو إلى 15 تمّوز/يوليو. وتمّ أخذ العيّنات بواسطة أساليب الاحتمالات الجغرافية النموذجية. وأُجريت المقابلات باللغة العربية من قبل موظفين محليين مدّربين، أشرف عليهم متخصصون من ذوي الخبرة في مجال استطلاعات الرأي واستخدموا تقنيّات إدخال وترميز البيانات اللوحيّة المتقدّمة والمحدّدة عن طريق نظام "تحديد المواقع العالمي"، مع ضمانات صارمة متعلّقة بالسريّة.
وفي هذا المجال، يعمل المؤلّف مع هؤلاء المستطلعين الفلسطينيين وغيرهم منذ 25 عاماً، ووافق شخصيّاً على جميع الجوانب الإجرائية المتعلّقة بهذا الاستطلاع، غير أنّه لم يكن حاضراً خلال العمل الميداني. وتمشياً مع مواصفات إجمالي عدد السكان المستهدفين، تألّفت نصف العيّنة من أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 عاماً، والنصف الآخر من أشخاص تجاوزت أعمارهم الـ 30 عاماً. ويشكّل هامش الخطأ الإحصائي في كلّ منطقة حوالي 4 في المائة؛ ويرتفع عادة هامش الخطأ إلى حد ما لدى كلّ عيّنة فرعية من الأجيال. وتتوفّر أيضاً تفاصيل منهجيّة إضافيّة عند الطلب.
ديفيد بولوك هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن ومدير منتدى فكرة.