- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2475
إعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية لاعتراض عمليات نقل الأسلحة الإيرانية
يشعر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالقلق من أنّ «خطة العمل المشتركة الشاملة» سوف تشجّع سلوك إيران العدواني، لا سيما فيما يتعلّق بتسليح الميليشيات والمنظمات الإرهابية مثل «حزب الله» و «حماس» و «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» و الحوثيين. وفي الأسابيع الأخيرة، سعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى طمأنة هؤلاء الحلفاء بالتأكيد على أنّ الولايات المتحدة ستردع هذا السلوك. وقد أعلن الرئيس أوباما في مؤتمر صحفي في 15 تموز/يوليو، أي بعد يوم من توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة»، قائلاً: "إنّ مسألة الحظر المفروض على الأسلحة والصواريخ البالستية تشكّل مصدر قلقٍ حقيقي لنا، ومن مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة منع إيران من إرسال الأسلحة إلى «حزب الله» على سبيل المثال، أو إلى الحوثيين في اليمن، الأمر الذي يُؤجّج الحرب الأهلية هناك". وأضاف أنّه لا يزال بحوزة واشنطن "عددٌ من الآليات المنصوص عليها في القانون الدولي، التي تعطينا صلاحية اعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية".
ومن جملة الآليات التي ألمح الرئيس الأمريكي إلى استخدامها مجموعةٌ من قرارات مجلس الأمن الدولي وعقوباتها التي لا تزال سارية المفعول في هذه المرحلة من تنفيذ «خطة العمل المشتركة الشاملة». ومع ذلك، فإن هذه الآليات هي نفسها القائمة منذ سنوات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ساعدت حقاً الولاياتِ المتحدة على اعتراض عمليات نقل الأسلحة من إيران؟
أساليب عمليات التهريب ونطاقها
تتدفّق الأسلحة من إيران إلى لبنان وسوريا واليمن وقطاع غزة وإلى مناطق أبعد منذ سنوات عديدة. ويتم تنفيذ معظم هذه الجهود الخاصة بعمليات التهريب من قبل "الوحدة 190"، وهي فرع خاصّ من «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ووفقاً لتقارير متعدّدة، تستخدم العناصر التي يبلغ عددها أكثر من 20 فرداً والتي تشكل "الوحدة 190" نظاماً مُحكماً من المؤسسات وشركات الشحن كواجهة لإخفاء بصمات «الحرس الثوري» وتجاوز العقوبات الدولية. ويُعدّ بهنام شهرياري، صاحب "شركة بهنام شهرياري للتجارة"، واحداً من الشخصيات الرئيسية في الوحدة، وتُدرِج وزارة الخزانة الأمريكية كلا الإسمين على لائحتها [للكيانات المستهدفة].
وتستخدم "الوحدة 190" مجموعة متنوّعة من الطرق لنقل الأسلحة المتطورة بحراً وجواً وبراً، وعادةً ما تُخبّأ الأسلحة داخل حاويات إلى جانب غيرها من المنتجات الشائعة كمواد البناء. ثمّ توضع الحاويات على الخطوط الجوية التجارية أو السفن (التي ترفع أحياناً أعلاماً أجنبية) وتُرسل إلى المتلقّين بوصفها سلعاً غير مؤذية. وفي بعض الحالات، تمرّ هذه السفن عبر ميناءين أو ثلاثة قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية. فعلى سبيل المثال، في تشرين الأول/أكتوبر 2010، عثرت السلطات النيجيرية على قاذفات صواريخ وقنابل يدوية وقذائف هاون مخبّأة في حاويات محمّلة بمواد البناء. وبعد إجراء المزيد من التحقيقات، اكتشفت السلطات أنّه قد تمّ تحميل الأسلحة في مرفأ بندر عباس الإيراني على متن سفينة "أم في إيفرست"، التي كانت تملكها شركة فرنسية. ثمّ توجّهت السفينة إلى الهند قبل أن تمخر عُباب البحر نحو لاغوس، حيث تمّ اكتشاف الحاويات قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية (التي كان يعتقد أنها غامبيا).
ولجأت "الوحدة 190" إلى أساليب أخرى أيضاً، ففي مراحل مختلفة استخدمت القطارات لتهريب الأسلحة إلى سوريا عبر تركيا، والطائرات لنقل الأسلحة من طهران إلى عواصم إقليمية أخرى، والشاحنات لنقلها عبر الصحراء العراقية إلى وجهتها في سوريا ومناطق أخرى. أمّا الطريقة الأخرى التي أصبحت أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة، فهي عبر إعادة تصدير الأسلحة المُصنَّعة في بلدان أخرى، وذلك بهدف إزالة أيّ بصمات إيرانية. وفي آذار/مارس 2014، اعترضت إسرائيل شحنة أسلحة في البحر الأحمر كانت متّجهة إلى غزة، وعثرت على متن السفينة على صواريخ سورية من طراز "أم-302"، نُقلت من سوريا إلى إيران قبل أن يتمّ شحنها إلى السودان. وفي مكان آخر، أظهرت صور أخيرة قدمت من اليمن استعمال المقاتلين الحوثيين الصواريخ التي تشبه في تصميمها إلى حدّ كبير الصواريخ التي تصنّعها الميليشيات الشيعية التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» في العراق.
وعلى مر السنين، ثبت أنّ نطاق عمليات النقل موضع البحث قد اتسع وأصبح ضخماً، حيث يستخدم «حزب الله» و «حماس» و «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» والحوثيين والميليشيات الشيعية هذه الأسلحة والمتفجّرات الإيرانية بكميات كبيرة. كما تم استخدامها من قبل خلايا مختلفة كانت تخطط لاستهداف أهداف إسرائيلية وأمريكية في الخارج. وأبرز هذه الخلايا تكونت من شخصان اشتُبه بهما كأفراد من «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني وألقي القبض عليهما في كينيا في حزيران/يونيو 2012 لتورّطهما في مخطّطات لمهاجمة أهدافٍ غربية هناك، بعد أن كانا قد هرّبا أكثر من مائة كيلوغرام من المتفجرات القوية في البلاد لهذا الغرض.
ما عدد عمليات النقل التي اعترضتها الولايات المتحدة؟
لا يحفل التاريخ الحديث حول جهود الاعتراض الأمريكية بالعديد من الأمثلة على منع عمليات نقل الأسلحة الإيرانية. ففي كانون الثاني/يناير 2009، اعترضت المدمرة الأمريكية "سان أنطونيو" سفينة "أم في مونتشيغورسك"، وهي سفينة شحن تملكها روسيا كانت تُبحر رافعة علم قبرص. وبعد توقيف السفينة في البحر الأحمر، صعد أفراد البحرية الأمريكية على متن السفينة بإذن من القبطان، غير أنّ السبب الوحيد الذي سمح لهم بالقيام بذلك هو وجود اتفاق ثنائي بين الولايات المتحدة وقبرص يجيز الصعود على متن السفن. وعلى الرغم من أنّ البحّارة الأمريكيين عثروا على أسلحة، إلّا أنّهم افتقروا إلى الصلاحية القانونية لمصادرتها، مما اضطرّ واشنطن إلى الضغط على السلطات القبرصية لجلب السفينة إلى أحد مرافئها وقيامها بتفتيش الأسلحة بنفسها. واكتشف المحققون أنّ السفينة كانت قد استأجرتها شركة "خطوط الشحن لجمهورية إيران الإسلامية"، التي تدرجها وزارة الخزانة الأمريكية على [لائحتها السوداء] ولكن سيتمّ شطبها كجزء من «خطة العمل المشتركة الشاملة».
وجرى اعتراض آخر في كانون الثاني/يناير 2013، عندما أوقفت السلطات اليمنية سفينة "جيهان 1" بالتنسيق مع البحرية الأمريكية. وكانت السفينة في طريقها إلى اليمن حاملة صواريخ "كاتيوشيا" وأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف ومتفجّرات مختلفة صُنّعت كلّها في منشآت «الحرس الثوري الإسلامي». وقد أصرّ أولاً طاقم السفينة المؤلّف من إيرانيين ويمنيين على أنّ السفينة كانت ترفع علم بنما وتحمل الوقود، لكن سرعان ما تمّ العثور على الأسلحة. ووفقاً للمسؤولين اليمنيين، احتُجز طاقم "جيهان 1" فضلاً عن السفينة. وتمت مصادرة الأسلحة، لكنّ مصير أفراد طاقمها اليمنيين المكون من ثمانية أشخاص والسفينة نفسها غير مُحدّد في تقارير المصادر المفتوحة حول الحادثة. وفي نيسان/أبريل 2015، أُرسلت "المجموعة الضاربة بقيادة حاملة الطائرات ثيودور روزفلت" إلى خليج عدن لاعتراض مجموعة من السفن الإيرانية التي زُعم أنّها تحمل أسلحة للحوثيين.
ومع ذلك، لم تكن هذه الاعتراضات في المخطّط الأكبر إلّا غيضاً من فيض. فلا تزال الخطوط الجوية والسفن التجارية تصل إلى وجهاتها في سوريا ولبنان وغزة واليمن، محمّلةً بأطنان من الأسلحة، مما يُعزّز القدرة القتالية لنظام الأسد ومختلف المنظّمات المتشددة والإرهابية. وكانت هذه الحقيقة واضحة كالشمس في حرب غزة في صيف عام 2014، عندما أطلقت «حماس» صواريخ تشبه في تصميمها إلى حدٍ كبير صاروخ "أم-302" السوري. وقد عرضت الحركة أيضاً طائرات من دون طيار من طراز "أبابيل" وأسلحة أخرى تلقّتها من إيران. وبالمثل، لا يزال نظام الأسد وحليفه «حزب الله» يستخدمان الأسلحة الإيرانية لمحاربة الثوّار في سوريا. ونظراً إلى الأدلّة المُصوَّرة التي صدرت من اليمن حتى الآن، يمكن الافتراض بشيء من اليقين أنّه بمجرّد أن ينقشع الغبار هناك، سيتمّ اكتشاف استخدام الحوثيين للأسلحة الإيرانية بشكل كبير.
إن الحقيقة هي أنّ الاعتراضات تخضع للعديد من القيود القانونية واللوجستية، كما ثبت في حالة سفينة "أم في مونتشيغورسك"، مما يجعل من الصعب جداً على الولايات المتحدة وغيرها من الدول وقف شحنات الأسلحة. وكانت السلطات الأمريكية قد قدّمت المساعدة في عمليات اعتراض أخرى، وفي الدرجة الأولى من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول المنطقة، غير أنّ بعض هذه الدول يفتقر إلى الموارد أو الإرادة السياسية للمساهمة في جهود مكافحة تهريب الأسلحة.
سوريا و «حزب الله»
تستخدم إيران بشكلٍ أساسي الطريق الجوي إلى سوريا، بإرسالها الأسلحة عبر الخطوط الجوية التجارية مثل "يـاس إير" و"الخطوط الجوية الإيرانية" و"ماهان إير". وبعد هبوط طائرات هذه الشركات في دمشق، تُنقل هذه الشحنات إلى المخازن السورية أو مباشرةً إلى "الوحدة 108" في «حزب الله»، المسؤولة عن نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان.
ومن أجل اعتراض هذه العمليات المتعلقة بالنقل [والتهريب]، ينبغي على الولايات المتحدة إجبار الطائرات على الهبوط (افتراضاً أثناء عبورها فوق الأراضي العراقية) أو منعها من الوصول إلى المطارات السورية. وفي الماضي، حثّت واشنطن العراق على إجبار الطائرات الإيرانية التي تحمل الأسلحة على الهبوط عندما تعبر في مجالها الجوي، لكنّ بغداد رفضت بحجة أنّها مقيّدة بفعل المزاعم الإيرانية بأنّ الطائرات كانت تحمل مساعدات إنسانية فقط. ولا تتمتّع الولايات المتحدة حالياً بنفوذ كبير على العراقيين في هذه المسألة، ذلك أنّ طهران توفّر مساعدة كبيرة لبغداد في قتالها ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، بل يمكن القول حتى إنّها تفوق المساعدة التي تقدّمها واشنطن.
وبدلاً من ذلك، يمكن أن تحاول الولايات المتحدة العمل مع حلفاء آخرين كإسرائيل، فتزوّدهم بالمعلومات الاستخباراتية التي من شأنها أن تساعدهم على اعتراض الشحنات الإيرانية. بيد، لا تملك إسرائيل خيارات قابلة للتطبيق دبلوماسياً بحيث تستطيع من خلالها منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في دمشق. وجلّ ما يمكن أن تفعله هو أن تتحرّك بعد وقوع الحادثة، فتستهدف القوافل البرية التي تنقل الأسلحة إلى مواقع أخرى في سوريا أو لبنان، وهو تكتيك يحمل في طيّاته مخاطر تصعيد كبيرة. وفي هذا الصدد، عندما سُئل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الخامس من آب/أغسطس، عمّا إذا كانت الولايات المتحدة تعترض شحنات الصواريخ من إيران إلى «حزب الله»، أجاب لمحاوره قائلاً: "أجل، عندما نراها. إسرائيل تقوم بضربها. وإذا رصدتها إسرائيل، فإنّها ستقصفها". صحيحٌ أنّ التاريخ الحديث يظهر أنّ الاستخبارات الأمريكية اكتشفت عدداً أكبر من عمليات نقل الأسلحة (كما هو الحال عندما حثّت الإدارة الأمريكية بغداد على اعتراض الطائرات الإيرانية)، بيد، رغم ذلك، وصلت هذه الأسلحة إلى وجهتها في سوريا. وهذا يدلّ على أنّ الاعتراض ليس بالمهمة السهلة، وأنّ الكشف الاستخباراتي لا يكفي، بل يُشترط وجود إرادة سياسية في بعض الأحيان.
المحصلة
يحاول المسؤولون الأمريكيون إقناع حلفائهم بأنّ الولايات المتحدة ستردع الأذيّة التي تُسبّبها إيران في الشرق الأوسط بعد تنفيذ الاتفاق النووي. ووفقاً لكيري، يكمن العنصر الأساسي في هذا الردع في "مضاعفة رهانها" على اعتراض عمليات نقل الأسلحة الإيرانية. ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض يشي بأنّ الآليات القائمة لاعتراض هذه الأسلحة ليست كافية. ففي السنوات الأخيرة، نجحت "الوحدة 190" و «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني إلى حد كبير في تسليح وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة في الوقت الذي كانت فيه الآليات نفسها قيد التطبيق. وإذا أرادت الحكومة الأمريكية تحقيق وعود الردع التي قطعها الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري وتظهر لحلفائها أنّها تشاركهم اهتمامهم بمراقبة السلوك الإيراني في المنطقة، سيتعيّن عليها اعتماد آليات أفضل. وعلاوةً على ذلك، ونظراً إلى أنّ معظم الشحنات الإيرانية متّجهة هذه الأيام على ما يبدو إلى سوريا و«حزب الله»، سوف تتطلّع دول المنطقة إلى الردّ الأمريكي في وجه هذا التحدّي. وإذا ما علّمنا التاريخ الحديث شيئاً ما، فهو أنّ الردع الحقيقي سيكون مستحيلاً دون تقييد وصول الطائرات الإيرانية إلى دمشق.
نداف بولاك هو زميل أقدم في معهد واشنطن.