- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2712
احذروا مقتدى الصدر
في أيلول/سبتمبر من هذا العام، سلّط مقال نشرته صحيفة "ماكلاتشي" الأمريكية الضوء على اختطاف ثلاثة مقاولي دفاع أمريكيين في العراق، وأشار إلى كيفية احتجازهم لمدة واحد وثلاثين يوماً وتعذيبهم عقب اختطافهم في كانون الثاني/يناير. بيد، لم يتم اختطافهم من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» أو الحركات التي تدعمها إيران مثل «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق»، كما تكهّن الكثير من المحللين والمحررين في ذلك الوقت. فالمجرمون الحقيقيون كانوا عناصر تابعة لـ «سرايا السلام»، الميليشيا الشيعية التي يرأسها رجل الدين العراقي المؤثر مقتدى الصدر. ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت تلك الخطوة بمثابة تحذير إلى الولايات المتحدة من الصدر نفسه، أو حركة مخادعة ومضلّلة نفذّتها جماعة منشقة، أو إشارة على بذل جهود أكبر من قبل «التيار الصدري» ضدّ القوات الأمريكية في العراق. ومع ذلك، جاءت تلك الأخبار على الأرجح كمفاجأة للكثير من المراقبين نظراً إلى التركيز العلني والصريح الذي أولاه الصدر للأعمال السياسية غير العنفية خلال الأشهر القليلة الماضية، ناهيك عن مساعي واشنطن المتكررة للانخراط معه. وقد التزم المسؤولون الأمريكيون الصمت حتى الآن حول ذلك الحادث - وسواء بقوا كذلك أم لا، يجب أن يراقبوا معسكر الصدر عن كثب مع توسع المعركة لتحرير الموصل وغيرها من التطوّرات الهامة.
سجل حافل مناهض للولايات المتحدة
لمقتدى الصدر تراث إيديولوجي قوي مناهض لأمريكا. فوالده الراحل آية الله محمد محمد صادق الصدر عُرف بخطابه الحادّ اللهجة تجاه الولايات المتحدة. وبعد أن أعلن مقتدى الصدر عن إنشاء «جيش المهدي» في أعقاب غزو العراق واحتلاله في عام 2003، شاركت هذه الجماعة في العديد من الاشتباكات الدموية مع قوات التحالف، كما فعل خلفها الجزئي «لواء اليوم الموعود».
ومنذ عام 2014، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية من مصادر مقرها في العراق، رفض مقتدى الصدر عدداً من المحاولات الأمريكية للإنخراط معه. كما أصدر تهديدات متفرقة ضدّ القوات الأمريكية. وفي 21 تموز/يوليو، أعلن علاء عبود - المتحدث باسم «سرايا السلام»، أحدث خلف لـ «جيش المهدي» - أنه ليست هناك حاجة لأي مشاركة أمريكية في معركة الموصل وأن قوات الصدر "متعطشة للدم الأمريكي".
وعلى الرغم من ذلك الخطاب، قد يكون قرار استهداف الأمريكيين في كانون الثاني/يناير (وربما في المستقبل) مرتبطاً بالسياسة العراقية الداخلية أكثر من ارتباطه بالإيديولوجية المناهضة للغرب. والأهم من ذلك، قد يكون موقف الصدر العدائي وسيلة لاكتساب نفوذ في علاقته المعقّدة والمضطربة غالباً مع إيران.
محاصراً بين بغداد وطهران
على الساحة السياسية العراقية، واصل الصدر الاستعانة بالقوات الخاضعة لسيطرته من أجل إظهار قدرته على إبراز قوته متى شاء. وقد شمل ذلك الاحتجاجات المناهضة للفساد التي أثارها ضدّ حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في وقت سابق من هذا العام، والتي سيطر خلالها أنصاره على "المنطقة الخضراء" في بغداد. كما انتقد الصدر تعاون الحكومة مع الولايات المتحدة.
وقد شهدت احتجاجات أخرى نُظِمت هذا العام إقدام مناصريه على تمزيق رايات الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران كما زُعم، واجتياح مكاتبها، وإطلاق شعارات معادية للجمهورية الإسلامية. وما يؤكد من جديد حدوث انشقاق في العلاقة بين الصدر وكل من طهران وبغداد، هو إقدام «سرايا السلام» على التحرّك بشكل مستقل عن «وحدات الحشد الشعبي»، التي هي شبكة الميليشيات الشيعية الجامعة المعترف بها من قبل الحكومة. يُذكر أن الصدر نفسه وصف العناصر المهيمنة التي تدعمها إيران ضمن «وحدات الحشد الشعبي» بـ "الميليشيات الوقحة".
ويقيناً، أن الصدر اعتذر علناً عن الهتافات المعادية لإيران التي أُسمِعت خلال مظاهرات هذا العام، وأن طهران تواصل توفير الدعم العسكري المباشر لقواته. حتى أن الصدر حضر مصالحة في 18 تشرين الأول/أكتوبر مع قادة بارزين يعملون بالوكالة عن إيران، بمن فيهم اثنان انشقا عن معسكره هما: قائد «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي وزعيم «حركة حزب الله النجباء» أكرم الكعبي. وعبّر خلال هذا الحدث عن دعمه للعمليات العراقية في الموصل ورفض تدخّل تركيا في المعركة. ومع ذلك، لا تزال الانقسامات مع طهران عميقة للغاية، وتظهر المزيد من التقارير حول قيام حملات اغتيال تحرّض موالين للصدر ضد جماعات منشقة تخضع لسيطرة إيران، لا سيما «عصائب أهل الحق».
وفي الوقت الذي تتنافس فيه إيران والصدر من أجل بناء الولاء لهما في أوساط المجتمع الشيعي في العراق، فإن اتخاذ خط أكثر تشدّداً إزاء واشنطن يصبّ في صالح النزعة المناهضة للولايات المتحدة بين عامة السكان. كما أن الوقوف في وجه القوة العسكرية الأكبر في العالم قد يساعدهم على إظهار علامات القوة أمام المكوّنات المحلية وبعضهم البعض.
وعلى المدى القريب، إذا شعر الصدر أن أياً من طهران أو بغداد تضعه في موقف حرج، فإن اتخاذه خطوات عنيفة ضدّ القوات الأمريكية قد يمنحه سبيلاً سهلاً للفت الانتباه وتعزيز ادعاءاته بأنه "الوطني" العراقي الحقيقي الوحيد الذي يرغب في مواجهة "المحتلين" الأجانب. كما يمكن الاستفادة من مثل هذه الهجمات لإظهار ضعف حكومة العبادي وزرع بذور الانقسامات بين بغداد وواشنطن.
الخلايا المنشقة
لفترة دامت أكثر من عقد من الزمن، استمرت الجماعات المنشقة كما واصل المنشقون الأفراد ينغصون صفوف «التيار الصدري». وبالفعل، إن احتمال تشكيل المزيد من هذه الجماعات المنشقة - بما فيها البعض التي تزعم أنها تحمل راية الصدر - يجعل من الصعب على نحو فريد تقييم التهديدات الناشئة عن معسكر الصدر.
وفي حين يمكن أن تتسبّب خلايا مستقلة ضمن «سرايا السلام» و«لواء اليوم الموعود» بحدوث مشاكل خاصة بها، يبدو أن الجماعات التي ترعاها إيران تطرح التحدي الأكبر. فمع ارتفاع حدة التوتر، قد تنفّذ هذه الجماعات هجمات ضد القوات الأمريكية ومن ثم تلقي مسؤولية وقوعها على «التيار الصدري». وفي إطار هذا السيناريو، قد يضطر مقتدى الصدر إلى مواجهة تداعيات تلك الهجمات، التي يمكن بدورها أن تدفعه إلى اعتماد موقف أكثر عدائية تجاه الولايات المتحدة.
وبعد إعادة هيكلة «جيش المهدي» في عام 2008 وإنشاء «لواء اليوم الموعود»، غالباً ما أكّد الصدر (بشكل صحيح) أن الجماعات المنشقة، وليس مقاتليه، هي التي كانت تستهدف القوات الأمريكية. وبعض هذه الجماعات كانت خلايا متباينة مرتبطة بـ «عصائب أهل الحق»، التنظيم الذي يعمل بالوكالة عن إيران وكان في طور الإنشاء في ذلك الوقت، في حين أن [خلايا] أخرى كانت فصائل محلية تابعة لـ «جيش المهدي» رفضت وقف أنشطتها المسلّحة.
وحين تمّ الإعلان عن «سرايا السلام» في منتصف عام 2014، ذكر الصدر أنها ستكون الميليشيا الوحيدة التي تمثّل اسمه وقضيته. ومع ذلك، سُمح باستمرار «لواء اليوم الموعود»، مما يُظهر أنه تعيّن على الصدر مواصلة التعامل مع عناصر نافذة ومستقلة أحياناً ضمن أجهزة الميليشيا التابعة له. ونتيجة لذلك، غالباً ما استخدم الصدر تكتيكاً عمل على تحسينه عندما كان «جيش المهدي» في أوج نشاطه وهو: تقويض الميليشيا التابعة له ومراقبة أي من الفصائل تلتزم بأوامره. وفي الفترة بين شباط/فبراير - آذار/مارس 2015 على سبيل المثال، جمّد كلاً من «سرايا السلام» و«لواء اليوم الموعود»، زاعماً أنها خطوة لتشجيع التفاعل السياسي بدلاً من العنف بين مختلف الأحزاب العراقية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أمر بتجميد عمليات عناصر «سرايا السلام» في ديالى، مدعياً أنهم تورطوا في أنشطة إجرامية. وخلال أيار/مايو الحالي، دعا كوادره إلى سحب وجودهم المسلّح من بعض أجزاء بغداد التي دمّرتها تفجيرات تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي حين كان الهدف من تلك الخطوات على الأرجح الإشارة للحكومة أنها بحاجة إليه وإظهار عجزها عن حماية العاصمة، لا سيما الأحياء التي تتولى حراستها القوات التي تدعمها إيران، إلا أنها ربما شكّلت أيضاً اختبار آخر للولاء لقوات الصدر.
وعلى أي حال، برز المزيد من المنشقين في أعقاب تقدّم تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق عام 2014، لكن هذه المرة مع إعلان العديد من الجماعات المشكلة حديثاً عن وجودها. وحين تمّ الإعلان عن إنشاء «كتائب الإمام علي»، التي تعمل بالوكالة عن إيران في أواخر حزيران/يونيو من ذلك العام، سجل القائد السابق في «جيش المهدي» شبل الزيدي شريط فيديو يظهر فيه إلى جانب مقاتليه وهم يحملون رؤوساً مقطوعة زعموا أنها تعود لأعدائهم أفراد تنظيم «الدولة الإسلامية». وأعلن بعدها أن «كتائب الإمام علي» متحالفة مع «سرايا السلام» وكانت جزءاً لا يتجزأ من «جيش المهدي». وبعد ثلاثة أشهر، نقض الصدر هذه المزاعم ومحاولات تلطيخ حملته في خطاب علني أعلن خلاله أن سمعة الميليشيا التابعة له أكثر طهراً من ذلك. لكن اعتباراً من أواخر عام 2015، كانت بعض العناصر المرتبطة بـ «كتائب الإمام علي» تواصل عرض ملصقات لقادة شهداء سقطوا في أرض المعركة تحمل صور الصدر.
بدورها، أعلنت جماعات منشقة أخرى تحارب في سوريا ولاءها للصدر على الرغم من أنه عارض علناً أي تدخل شيعي مسلّح في البلد المجاور. وعند التدقيق عن كثب، يظهر جلياً أن هذه الجماعات لم تعد موالية له - فبالنسبة للعديد من أفرادها، لا تزال سوريا تمثّل أداة جيدة لتجنيد المقاتلين وإضعاف سيطرته بشكل متزايد.
ومن بين أبرز القادة الآخرين المنشقين عن «التيار الصدري»، أحمد الحجي الساعدي، الذي أعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2014 أنه يعمل مع «سرايا السلام» في العراق - وهو تصريح غريب نظراً إلى علاقاته الوطيدة مع عدد من المنظمات الجهادية الشيعية التي تدعمها إيران وادّعائه الشهرة بأنه الشريك المؤسس لأول جماعة جهادية شيعية رئيسية عابرة للحدود الوطنية في سوريا وهي «لواء أبو الفضل العباس». كما أعلن «لواء الإمام الحسين»، الذي يُعدّ فرعاً من «لواء أبو الفضل العباس»، أنه ينتمي إلى «التيار الصدري» رغم ولائه العلني لبشار الأسد وطهران. واستفادت كذلك جماعات أخرى تدعمها إيران وتقاتل في العراق وسوريا، مثل «قائدة قوات أبو الفضل العباس» والحركة الأحدث «جيش المؤمل»، من إرثها في «جيش المهدي» و«سرايا السلام» لتجنيد شبكات متشددة وتأهيلها.
مراقبة الصدر عن كثب
للمساعدة على منع حدوث مشاكل محتملة مع الصدر والمنشقين عنه أو الاستعداد لوقوعها، يتعيّن على صنّاع السياسة في الولايات المتحدة النظر في تجديد تركيزهم على التحركات المتغيّرة داخل معسكره الغامض في كثير من الأحيان. ويشمل ذلك تقييم الشخصيات والشبكات التي تستخدمها إيران من أجل رعاية المزيد من الجماعات المنشقة. وإذا ما تمّ استهداف العناصر الأمريكية من جديد، قد تكون مثل هذه المعلومات مفيدة في التخطيط لردّ مناسب ومحدّد الأهداف.
وفي حين ظلت واشنطن صامتة علناً بشأن قيام «سرايا السلام» باختطاف مقاولين أمريكيين في كانون الثاني/يناير، حيث تُفضّل على ما يبدو العمل من وراء الكواليس، قد لا يكون لديها ترف القيام بذلك في المستقبل. وإذا كان الصدر يسير حقاً باتجاه شنّ نزاع آخر، ستحتاج القوات الأمريكية إلى الردّ بطريقة مدروسة - ليس للحد من التصعيد فحسب، بل لإرسال إشارة قوية عن قدرة أمريكا وعزمها أيضاً.
فيليب سميث، باحث في جامعة ماريلاند، ورئيس تحرير المدونة "موكب «حزب الله»"، ومؤلف تقرير معهد واشنطن "الجهاد الشيعي في سوريا وآثاره الإقليمية".