أخبار كاذبة تنشرها "المقاومة" حول اعتقال قاسم مصلح. الجزء الثاني: ادعاءات كاذبة بالإفراج عن قاسم مصلح
غطى الجزء الأول من هذا التقرير خداع الميليشيات فيما يتعلق بالسيطرة على المنطقة الدولية في 26 أيار/مايو. وفي وقت لاحق من يوم 26 أيار/مايو، بذلت الميليشيات جهوداً متضافرة لخلق انطباع خاطئ بإطلاق سراح مصلح، وهو ما رددته وسائل الإعلام العالمية الكبرى.
في 26 أيار/مايو، اعتقلت الدولة العراقية زعيم الميليشيا قاسم مصلح على خلفية مقتل الناشط إيهاب الوزني في 9 أيار/مايو. وفي حزيران/يونيو 2020، عندما تم اعتقال أربعة عشر من عناصر "كتائب حزب الله" وإطلاق سراح ثلاثة عشر، تمكّنت المقاومة من إلحاق ضرر كبير بمصداقية الحكومة العراقية عبر الإعلان عن إطلاق سراح عناصر الميليشيا الـ 13 غير المشمولين بالمذكرة. (تم احتجاز العنصر الرابع عشر، الذي هو الهدف الفعلي، لعدة أشهر إلى أن برأته المحكمة). في 26 أيار/مايو 2021، لم تتمكن المقاومة من تأمين الإفراج عن مصلح، وبدلاً من ذلك شرعت في عملية تضليل تهدف إلى إعطاء انطباع خاطئ بأن الحكومة استسلمت وأطلقت سراحه على الفور.
المرحلة الأولى: تنبيهات كاذبة عن إطلاق سراح مصلح
في الساعة الرابعة و44 دقيقة من بعد الظهر (جميع الأوقات بتوقيت بغداد)، نشر موقع "صابرين نيوز" التابع لـ"عصائب أهل الحق" خبراً عاجلاً زعم زوراً أنه تم إطلاق سراح قاسم مصلح. وبعد بضع دقائق، نشرت القنوات المرتبطة بـ «كتائب حزب الله» أيضاً نبأ إطلاق سراح مصلح.
في الساعة الرابعة و47 دقيقة، أذاعت قناة "الإتجاه" التلفزيونية التابعة لـ «كتائب حزب الله» "أخباراً عاجلة" زعمت زوراً إطلاق سراح قاسم مصلح. (الشكل 1).
المرحلة الثانية: استقبال كاذب لمصلح في مقر «قوات الحشد الشعبي»
في الساعة الخامسة و3 دقائق من بعد الظهر، قدّمت قناة "الاتجاه" بثاً مباشراً من أمام مقر «هيئة الحشد الشعبي» في "المنطقة الدولية". وزعم مراسل القناة أن مصلح سيصل قريباً إلى مقر «الهيئة». وبعد ذلك، في الساعة الخامسة و9 دقائق ، ظهر معاون رئيس أركان «قوات الحشد الشعبي» ورئيس "مديرية الهندسة العسكرية" في «قوات الحشد الشعبي»، أبو علي الكوفي، على قناة "الاتجاه" التابعة لـ «كتائب حزب الله» في بثٍ مباشر من مكتب «قوات الحشد الشعبي» وقال إن قاسم مصلح "سيكون هنا معكم [حراً] خلال بضع دقائق". وفي غضون دقائق، ترددت صدى الصور والاقتباسات من هذه المقابلة في القنوات عبر الإنترنت، وتم نشر مقطع كامل من هذه المقابلة على قناة "صابرين" في الساعة السادسة وإثنين وعشرين دقيقة.
وفي الساعة الخامسة و19 دقيقة، توجّه موقع "صابرين نيوز" (الشكل 2) إلى مراسل "الاتجاه" في منشور جاء فيه: "عمي أبو الاتجاه انت الله مسلطك على الكاظمي النوب مطلع ابو علي الكوفي الآن باستقبال قاسم مصلح (بما معناه "يا رجل قناة "الاتجاه"، سلّطك الله على الكاظمي، وها أنت الآن تصوّر أبو علي الكوفي وهو يستقبل قاسم مصلح"). في الوقت نفسه، واصلت القنوات التابعة لجميع الميليشيات الكبرى نشر الأخبار بشكل محموم. وكان لهذه المنشورات أثر في تعزيز الرواية المتزايدة عن إطلاق سراح مصلح، على الرغم من جهود رئيس الوزراء لاعتقاله. وقام العديد من أنصار الميليشيات بإرسال صور لزعماء الميليشيات وهم يصِلون إلى مقر «هيئة الحشد الشعبي» على أنهم مصلح نفسه حين وصوله، وذلك دون التمحيص فيها. وقبلت وسائل الإعلام الغير تابعة للميليشيات وحتى المراقبون الحكوميون الأجانب هذه الصور.
المرحلة الثالثة: محاولة يائسة لحفظ ماء الوجه مع عدم الاتفاق على إطلاق سراح [مُصلح]
في الساعة الخامسة و43 دقيقة، بتوقيت بغداد، قال مراسل "الاتجاه" إنه من المقرر أن تجتمع لجنةً تضم عناصر من أعضاء أمن «قوات الحشد الشعبي» في الساعة الرابعة للمباشرة بإجراءات تسليم قاسم مصلح إلى مديرية أمن «قوات الحشد الشعبي» - أي فعلياً إطلاق سراحه من الحجز.
وعندما أصبح من الواضح لزعماء الميليشيات أنه لن يتم الإفراج عن مصلح، انتقلوا إلى مقاربة قائمة على الحملات الإعلامية - أي التسبب عمداً في نشر انطباع خاطئ بأنه قد أُطلق سراحه. ومن الواضح أيضاً أن عناصر الميليشيات لم يكونوا جميعاً على علمٍ بحملة التضليل المتعمدة هذه - التي كانت ستُفضَح حتماً خلال وقت قصير. (في الواقع، كانت الخلافات بين طاقم الإعلام في «هيئة الحشد الشعبي» ومُكوَّن الفصائل مستمرة حتى 28 أيار/مايو حول ما يمكن قوله في قضية مصلح).
في الساعة السادسة وسبع دقائق، نشر مهند العقابي (مدير إعلام «قوات الحشد الشعبي») تغريدةً نفى فيها إطلاق سراح مصلح، لكن "صابرين" ناقضته في الساعة التاسعة وسبع عشرة دقيقة، وأعادت إطلاق القصة الكاذبة حيث نشرت: "في أسرع عملية تحرير بـ «موسوعة غينيس للأرقام القياسية» لمعتقل يتم إطلاق سراحه. تم الإفراج عن القائد قاسم مصلح. [كان محتجزاً] على خلفية تهم تتعلق بهجمات على [قاعدة] «عين الأسد»، مما أدى الى انتشار أمني مكثف وتهديدات للكاظمي وأبو رغيف الذين هربا أثناء الأزمة".
في الساعة العاشرة وسبعة وثلاثين دقيقة، أكد أبو علي العسكري (الناطق العسكري ذو النفوذ الواسع لـ «كتائب حزب الله») الأنباء الكاذبة بأنه قد تم الإفراج عن مصلح وأصبح الآن بين أصدقائه. ويكاد يكون من المؤكد أن أبو علي العسكري كان قادراً على اكتشاف الحقيقة المتقنة حول ما إذا كان هذا دقيقاً أم لا - فبياناته نادرة ويتم صياغتها بعناية بشكل عام. ومن المرجح أن المتحدث تعمد تضليل أعضاء الميليشيات والقًرّاء الآخرين.
تقييم حملة المعلومات الكاذبة والمعلومات المضللة في 26 أيار/مايو
بعد يومين من قصة 26 أيار/مايو، بقيت حملة الخداع التي نفذتها المقاومة فعالةً جزئياً. إذ يبدو أن الكثير من العراقيين استمرّوا في الاعتقاد أنه تم إطلاق سراح مصلح. وبثّت قنوات المقاومة مشاهد احتفالية في 27 أيار/مايو، وقبَلتها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية دون تمحيص. واستمر مسؤولو المقاومة بالتضليل عمداً: ففي 27 أيار/مايو، لم يصر النائب عن بدر حميد الموسوي على أن مصلح كان مع «هيئة الحشد الشعبي» فحسب، بل ادّعى أنه التقى به شخصياً في مقر «الهيئة». وحتى وقت كتابة هذا التقرير، استمر قادة المقاومة في محاولتهم الوصول إلى مصلح لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو معه لإعطاء انطباع خاطئ بأنه قد تم إطلاق سراحه.
والأكثر إثارة للقلق، هو تضخيم المزاعم الكاذبة بإطلاق سراح مصلح من قبل وسائل إعلام رفيعة المستوى في جميع أنحاء العالم. فقد أُعيد نشر مقال لـ "أسوشيتد برس" من قبل منافذ مهمة مثل "واشنطن بوست" و "ياهو نيوز" و "صوت أمريكا" و "الإندبندنت" و "بي بي إس" و "إم إس إن" و "فرانس 24" ومنافذ أخرى عديدة. حتى قناة "الحرة"العراقية المعارضة للمقاومة نشرت في 27 أيار/ مايو مقالاً بعنوان: "مصدر أمني يخبر "الحرة": أُطلق سراح قاسم مصلح أحد قادة الحشد الشعبي". وفي استخدام تكتيكي للتقارير الدورية، استخدمت "صابرين" بعد ذلك مقالة "الحرة" كدليل على صحة ادعاءاتها الأصلية.
وتُبيّن هذه الواقعة كيف يمكن أن تُمنى المقاومة بهزيمة في العالم الحقيقي، وأن تَظهر مع ذلك بصورة المتعادل أو الفائز إذا تمكّنت من التحكم بالحصيلة المتصوَّرة لأي اشتباك مع الحكومة. فالمقاومة تعتبر فشلها على أرض الواقع ثانوياً بالنسبة لنجاحها الظاهري في المجالين العام والدولي. من هنا، يجب على وسائل الإعلام الدولية والحكومات الشريكة أن تدرك الأهمية الكبرى ليس لدعم سيادة القانون في العراق فحسب، بل أيضاً للسعي بفعالية إلى منع العراق من التحول إلى بيئة تتجاوز الحقائق.
(الجزء الأول من هذا التقرير تناول خداع الميليشيات فيما يتعلق بالسيطرة على "المنطقة الدولية" في 26 أيار/مايو).