- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الأزمة السورية تترك سجون ومعسكرات الاحتجاز التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية عُرضة للخطر
حتى مع تحول الاهتمام العالمي نحو الأسئلة المتعلقة بقضايا الانتقال الرئيسية في دمشق، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يفقد تركيزه على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" - حيث يُعد تأمين مرافق الاحتجاز في شمال شرق سوريا جزءاً أساسياً من هذه المعركة.
خلق الهجوم الخاطف الذي قادته جماعة "هيئة تحرير الشام" فراغات في السلطة بمناطق واسعة من سوريا، حيث تتنافس العديد من الجهات الفاعلة على النفوذ في المناطق التي تعاني بالفعل من ضعف الحوكمة. وبينما تتجه معظم الأنظار الآن إلى دمشق ودمار نظام بشار الأسد، هناك حاجة ملحة إلى اهتمام الولايات المتحدة وحلفائها بالشمال الشرقي من البلاد، حيث تظل معسكرات الاعتقال والسجون التي تحتجز آلاف الرجال والنساء والأطفال المرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية" عُرضة للخطر الشديد.
الجهات الفاعلة الرئيسية ومجالات النفوذ
منذ بداية الحرب الأهلية الطويلة الأمد في سوريا، انقسمت البلاد إلى مناطق متعددة من النفوذ والسيطرة. فبالإضافة إلى المنطقة التي يسيطر عليها الأسد، تنافست جهات فاعلة مختلفة من الدول وغير الدول على السلطة المحلية أو المصالح الأخرى:
- روسيا وإيران، اللتان سعتا إلى دعم الأسد وتوسيع نفوذهما
- تركيا، التي نفذت توغلات عسكرية ورعت الميليشيات على طول الحدود الشمالية لدفع النفوذ الكردي إلى الوراء
- التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يواصل محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"
- تنظيم "الدولة الإسلامية" نفسه، التي يسعى من جديد إلى العودة
- "هيئة تحرير الشام"، التي سيطرت على محافظة إدلب وصمدت أمام ضغوط النظام وروسيا لسنوات قبل شن هجومها الأخير
- "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، والذي يعمل في المناطق الشمالية الغربية التي شهدت توغلات تركية
- "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة، وهي الجماعة التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على معظم الشمال الشرقي من البلاد وتشرف على مرافق الاحتجاز المعنية
منذ عام 2019، عندما فقد تنظيم "الدولة الإسلامية" آخر منطقة تحت سيطرته الإقليمية وتدخلت تركيا عسكرياً في شمال سوريا، بقيت البيئة العملياتية في البلاد والجهات الفاعلة المعنية متسقة إلى حد كبير - حتى هذا الأسبوع. ومن الواضح أن هذا الاستقرار كان هشاً للغاية. والآن بعد قطعه، فإن التغييرات الجذرية تعرّض الأمن للخطر في جميع أنحاء البلاد.
ويشمل ذلك المنطقة الشمالية الشرقية حيث تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" والقوات المتحالفة معها على أكثر من ستة وعشرين معسكراً وسجناً تحتجز ما يقرب من 50 ألف فرد مرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية" (41 ألفاً في المعسكرات، و9 آلاف في السجون). ولسنوات، شجع تنظيم "الدولة الإسلامية" أنصاره على مهاجمة هذه المرافق وإطلاق سراح المحتجزين، الذين يعتبرهم التنظيم ضروريين لنشر أيديولوجيته، وتحسين نجاحه العملياتي، وتسهيل عودته. وعلى الرغم من الضغوط الدولية المستمرة منذ فترة طويلة لتخفيف هذا الخطر من خلال إعادة هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم الأصلية، إلا أن التقدم لا يزال بطيئاً بشكل خطير بعد خمس سنوات من انهيار "خلافة" تنظيم "الدولة الإسلامية".
اشتباكات "الجيش الوطني السوري" و"قوات سوريا الديمقراطية"، والتوترات القبلية، وفرص تنظيم "الدولة الإسلامية"
بعد أيام من القتال، استغلت قوات "الجيش الوطني السوري" الهجوم الذي شنته "هيئة تحرير الشام" واستولت على أراضٍ كانت تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" لفترة طويلة في منبج، على بعد 19 ميلاً من الحدود التركية. وعلى الرغم من دعم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، فإن كلاً من "الجيش الوطني السوري" وتركيا يعتبرانها امتداداً لـ "حزب العمال الكردستاني"، عدو أنقرة، المصنف من قبل حلف شمال الأطلسي كمنظمة إرهابية. وبناءً على ذلك، سعت تركيا منذ فترة طويلة إلى تقليص نفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" من خلال سيطرتها على المزيد من الأراضي على طول الحدود التركية.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، واجهت "قوات سوريا الديمقراطية" تحديات متعددة وضعفاً داخلياً، شمل تصاعد التوترات مع القبائل العربية المحلية التي أبدت استياءها من منصتها الحوكمية. وحاولت تركيا وجهات فاعلة أخرى بصورة نشطة استغلال هذه الثغرات، بما في ذلك عبر شن هجمات مباشرة على القوات الكردية. ونتيجة لذلك، وجدت "قوات سوريا الديمقراطية" نفسها تخوض حرباً على جبهتين منذ عام 2019 - ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وضد تركيا و"الجيش الوطني السوري".
ورداً على الاشتباكات الأخيرة مع "الجيش الوطني السوري"، دعت "قوات سوريا الديمقراطية" إلى تعبئة ضخمة. ومع ذلك، وكما حذر الخبراء و"قوات سوريا الديمقراطية" نفسها منذ فترة طويلة، غالباً ما يؤدي تصاعد الضغوط التركية داخل سوريا إلى إجبار "قوات سوريا الديمقراطية" على تعليق التدريب الأساسي وتحويل القوات المسؤولة عن الإشراف على مرافق الاحتجاز، مما يجعل هذه السجون والمخيمات أكثر عرضة لمكائد تنظيم "الدولة الإسلامية". وفي خضم الفوضى التي شهدتها الأيام الماضية، أكدت الولايات المتحدة مجدداً هدفها المتمثل في ضمان عدم عودة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن الجماعة لم تتخل عن طموحها لاستعادة الأراضي، وإطلاق سراح المحتجزين، والعودة إلى قوتها السابقة.
توصيات في مجال السياسة العامة
حتى مع تحول الاهتمام العالمي بشكل مفهوم نحو قضايا الانتقال الرئيسية في دمشق، إلّا أنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن يفقد تركيزه على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" - الذي يُعد جزءاً أساسياً منها هو تأمين السجون ومعسكرات الاعتقال في شمال شرق البلاد. ولا تزال هذه المرافق عرضة لهجمات كبرى من تنظيم "الدولة الإسلامية"، مثل حادثة فرار سجناء سجن "الصناعة" في عام 2022. لذلك، يجب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز الدفاعات الخارجية لهذه المرافق وضمان أمن المحتجزين داخلها - مما يعني ضمان حصول "قوات سوريا الديمقراطية" على الموارد التي تحتاجها لمواصلة هذه المهمة.
علاوة على ذلك، ينبغي استخدام الأزمة السورية الحالية كفرصة لإعادة التأكيد على حقيقة مفادها أن سياسة الاحتجاز غير المحددة بحكم الأمر الواقع ليست مستدامة. إذ يتزايد خطر الهروب، وقد ينتهي الأمر بأي من عناصر أو أنصار تنظيم "الدولة الإسلامية" الفارين إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية خارج عملية الإعادة الرسمية، مما يشكل مخاطر أمنية محتملة في بلدانهم. وكانت العديد من البلدان مترددة في إعادة مواطنيها، ولكن تذكيرها بالمخاطر المتزايدة الناجمة عن عدم التحرك قد يحفزها على اتخاذ الخطوات اللازمة. وفي هذا السياق، ينبغي أن تواصل الولايات المتحدة القيادة بالقدوة، مع التأكيد على ضرورة الإعادة الطوعية، والمساءلة، وإعادة الدمج لمواجهة خطر عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا وخارجها.
وأخيراً، كما ظهر من خلال مشاركة الولايات المتحدة هذا الأسبوع في عملية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في وسط سوريا، يجب على واشنطن وشركائها اتخاذ خطوات لمواجهة تمرد الجماعة في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في الشمال الشرقي لسوريا. ويتطلب ذلك اتباع نهج استباقي وليس رد الفعل في محاربة الجماعة، لمنعها من العودة مجدداً والسيطرة على الأراضي في المقام الأول.
ديفورا مارغولين هي زميلة أقدم في معهد واشنطن.