- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3640
البحث عن الشرعية: دبلوماسية "طالبان" منذ سقوط كابول
ازداد الاهتمام الدولي بحركة "طالبان" بشكل كبير بمساعدة من الصين وتركيا ودول أخرى، لكن على زعماء الدول الغربية تقليص انخراطهم مع الحركة طالما استمرت كابول في إيهامهم بشأن علاقاتها مع تنظيم «القاعدة».
عندما حكمت حركة "طالبان" أفغانستان للمرة الأولى في الفترة 1996 - 2001، لم تعترف بـ"إمارتها الإسلامية" سوى باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، في حين لم تعترف أي دولة رسمياً بالحكومة الجديدة التي تم تشكيلها بعد استعادة الحركة سيطرتها على كابول (كابل) منذ عام، إلّا أن "طالبان" أصبحت اليوم أقل عزلة بكثير مما كانت عليه في فترة حكمها الأولى. ففي آذار/مارس، على سبيل المثال، دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الاعتراف الدولي بالإمارة الإسلامية، بينما اعتبر نظيره الروسي سيرجي لافروف أنه يجب منحها مقعداً في "الأمم المتحدة". والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، ما مدى اتساع نطاق هذا الزخم الدبلوماسي؟ وكيف يمكن أن يتأثر بالاغتيال الذي استهدف في 31 تموز/يوليو زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، الذي أفادت بعض التقارير بأن وزير داخلية "طالبان" سراج الدين حقاني أمّن له ملجأً في كابول؟
مَن الذين يجتمعون مع "طالبان"؟
على عكس العقدين السابقين عندما كانت قوة "طالبان" تنبع من تمردها وقواتها المسلحة، تستخدم الحركة حالياً بشكل أكبر أداةً أساسيةً من أدوات الدولة وهي: الدبلوماسية. ويُعَدّ ذلك استمراراً طبيعياً لمهارات التفاوض التي اكتسبتها أثناء عملها على اتفاقية السلام والانسحاب، في محادثاتها مع المسؤولين الأمريكيين خلال الاجتماعات في قطر عام 2020.
وعلى غرار الدول الأخرى، روّجت الإمارة الإسلامية بانتظام لاجتماعاتها مع المسؤولين الأجانب على مدار العام الماضي، باستخدامها المواقع الحكومية والإعلامية الرسمية وحسابات "تويتر". واعتباراً من 12 آب/أغسطس، أعلنت علناً عن عقد 378 اجتماعاً دبلوماسياً مع 35 دولة على الأقل، أو 440 اجتماعاً إذا شمل ذلك الحضور المشترك لكل دولة في حدث متعدد الأطراف.
وغطت هذه اللقاءات مجموعة واسعة من القضايا، من بينها المساعدات الإنسانية، والمساعدة في الحوكمة، والفرص الاقتصادية، والاستثمار الصناعي، والمبادلات الدينية. بعبارة أخرى، على الرغم من عدم الاعتراف بحركة "طالبان" بحكم القانون، إلّا أنه تم الاعتراف بها بحكم الأمر الواقع - فقد تم الإقرار بانتظام بإمارتها الإسلامية من خلال العديد من الأفعال غير المُلزِمة.
ومن بين الانخراطات الـ 440، عُقِد 153 منها (أي 35 في المائة) مع دول الشرق الأوسط - وهي أعلى نسبة من أي كتلة إقليمية. علاوةً على ذلك، فإن المشاركات الغربية مع "طالبان" قد حدثت بشكل عام ضمن أحداث متعددة الأطراف، في حين فضّلت دول من مناطق أخرى عقد اجتماعات ثنائية. ويُسلط هذا الاتجاه الضوء على استمرار شعور الغرب بعدم الارتياح من الحركة فيما يتخطى المنتديات الدولية التي تركز بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية.
وفي المقابل، اجتمعت الصين بمسؤولي "طالبان" أكثر من اللقاءات التي أجرتها معهم أي دولة أخرى، مما يوضح كيف أن عودة الإمارة الإسلامية تتسم بزاوية من المنافَسة بين القوى العظمى تتجاوز تركيز الغرب على التداعيات المحتملة لمكافحة الإرهاب. وحرصَ وزير الخارجية الصيني وانغ يي ومسؤولون صينيون آخرون على التأكيد على سياستهم في عدم التدخل في أفغانستان. وفي 24 آذار/مارس، زرع وانغ شجرة تذكارية في مجمع وزارة خارجية "طالبان" "على أمل ازدهار أفغانستان". ومنذ ذلك الحين، ارتبط جزء كبير من انخراطات بكين بفرص الأعمال من خلال "رابطة الأعمال الأفغانية الصينية"، وهي منظمة تركّز مهمتها، وفقاً لبعض التقارير، على مساعدة الشركات الصينية على الاستثمار في القطاعات الأفغانية (على سبيل المثال، الحفاظ على الآثار، وتعدين الفحم والنحاس، والبنية التحتية، واستخراج النفط والغاز، والمسالخ) مع إدخال أفغانستان في "مبادرة الحزام والطريق". ومن بين من أكبر المشاريع التي تم توقيعها حتى الآن، اثنان هما تطوير منطقة صناعية في ولاية "ننكرهار الشرقية"، و 20 في المائة من اتفاقية تم التوقيع عليها بين شركة "أوكسوس" و"شركة النفط والغاز الحكومية الأفغانية" لاستخراج النفط من موقع قشقري في شمال ولاية سربل.
والجدير بالذكر أن هذه العلاقة الدافئة ترافقت مع حدوث تحولات في بعض خطابات كابول تجاه الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يردد بعض المسؤولين في "طالبان" بشكل تقليدي ومتزايد مثل المدير العام لوكالة أنباء "بختار" الحكومية، عبد الواحد ريان، معلومات صينية مضللة حول أمريكا.
أين تنعقد الاجتماعات وما مدى تواترها؟
على الرغم من انعقاد معظم الاجتماعات الدبلوماسية لحركة "طالبان" في كابول، إلا أن الدوحة في قطر كانت الموقع الثاني الذي شهد أكثر اللقاءات الأخرى، حيث يمكن للدول الغربية الانخراط مع الحركة بارتياح أكبر دون إضفائها نفس القدر من الشرعية مثل الذهاب إلى أفغانستان. ومع ذلك، فقد حدث المزيد من الانخراط الغربي المباشر أيضاً. ففي كانون الثاني/يناير، على سبيل المثال، استضافت النرويج مسؤولي وزارة خارجية "طالبان" في أوسلو، مما خلق فرصاً لمزيد من الحوار الدولي. وبعد ذلك، أعادت النرويج فتح سفارتها في كابول، وزار مسؤولون من "البنك الوطني السويسري" "المصرف المركزي الأفغاني"، واستضاف وزير المناجم والبترول في حركة "طالبان" ممثلين عن شركة بريطانية لمناقشة الفرص التجارية، واستضاف وزير الطاقة والمياه الأفغاني مسؤولين من إحدى الشركات السويدية.
وتَوسعَ انخراط "طالبان" بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة الماضية، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الأحداث المتعددة الأطراف مثل انعقاد "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" في أوائل آذار/مارس، و"اجتماع الدول المجاورة في تونشي" في أواخر آذار/مارس، وانعقاد "مؤتمر طشقند الدولي" في أواخر تموز/يوليو. وأدّت مثل هذه الاجتماعات إلى تمكين الحركة من تنمية العلاقات مع الدول التي ربما لم تكن قد تعاملت معها من قبل، بينما عمّقت العلاقات مع تلك التي سبق أن اجتمعت معها. ويبدو أن وتيرة الارتباطات قد تباطأت إلى حدٍ ما هذا الشهر، ربما بسبب وفاة الظواهري وما نتج عن ذلك من تداعيات، أو بسبب انشغال "طالبان" بالتخطيط للاحتفالات بذكرى استيلائها على السلطة.
وكان نشاط السفارات الأخير جديراً بالملاحظة أيضاً. فقد أعادت 16 دولة فتح سفاراتها في كابل منذ سيطرة حركة "طالبان" على السلطة، وهي: الصين، و"الاتحاد الأوروبي"، والهند، وإندونيسيا، وإيران، واليابان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، والنرويج، وباكستان، وقطر، والسعودية، وتركيا، وتركمانستان، والإمارات، وأوزبكستان. وألمحت دول أخرى مثل ألمانيا وماليزيا إلى إعادة فتح سفاراتها قريباً. وبالمثل، أعادت حركة "طالبان" إنشاء سفارات أفغانية في ثماني دول، هي: الصين وباكستان وقطر والسعودية وتركيا وتركمانستان والإمارات وأوزبكستان. وعلى الرغم من وجود هوّة بين الدول الراغبة في إعادة فتح السفارات في أفغانستان مقابل تلك التي ترغب في منح "طالبان" وجوداً دبلوماسياً على أراضيها، إلّا أن الاتجاه العام يشير إلى أن: الحركة أصبحت أقل عزلة بكثير مما كانت عليه في أواخر التسعينيات، حتى لو كان الاعتراف الرسمي بها لا يأتي بالسرعة التي يريدها قادتها.
التداعيات
في المرحلة القادمة، من المرجح أن تستمر حركة "طالبان" في توسيع نطاق مداها الدبلوماسي وشرعيتها الدولية، مع احتلال الصين مركز الصدارة في إطار بذل هذا الجهد الأخير. ومع ذلك، سيبقى ملف الحركة في الغرب محدوداً طالما تستمر في أعمال التهديد - أي إيواء قادة تنظيم «القاعدة»، والاستمرار بالقيام بذلك على الرغم من تعهدها بالتوقف، وإنكار هذا التصرف أمام المسؤولين الأجانب. وقد تحتاج واشنطن إلى إعادة التفكير في مقاربتها لكل من عمليتَي محاربة تنظيم «القاعدة» والانخراط مع حركة "طالبان"، نظراً إلى علاقة هذه الأخيرة مع الظواهري وفقاً لبعض التقارير. على المسؤولين الأمريكيين أيضاً النظر في دفع الدول الأخرى إلى المماطلة في انخراطها مع الحركة أو إلغائه أو تخفيفه، من أجل تقويض بعض الشرعية التي اكتسبتها في العام الماضي. وبطبيعة الحال، يجب أن تستمر المساعدات الإنسانية. لكن بالرغم من تحسن العلاقات العامة ظاهرياً، إلّا أن رد فعل "طالبان" إزاء مقتل الظواهري وجهود الحركة التي استمرت لأشهر لكبح الحريات في أفغانستان، توضح أنه من الصعب التخلص من العادات القديمة.
هارون ي. زيلين هو "زميل ريتشارد بورو" في المعهد ومؤسس موقع "Jihadology.net".