- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
البرلمان المصري الجديد: استئناف الحياة السياسية ولكن بقد ما تسمح به الظروف
تحاول حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي على ما يبدو خلق شكلاً من أشكال الحياة السياسية من أجل احتواء الإحباط العام بشأن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الهائلة في مصر. وعلى وجه التحديد، سعى المسؤولون إلى تقليص عدد الأعضاء المستقلين في مجلس النواب وزيادة عدد المنتسبين إلى الأحزاب. فهل ستكون المعارضة الرمزية كافية لمنع التوترات الاجتماعية والاقتصادية من الغليان؟
حين عقد مجلس النواب المصري المنتخب حديثاً جلسته الافتتاحية في 12 كانون الثاني/يناير، كان من الممكن رؤية التغييرات على وجه العموم. فقد أصبحت فريدة الشوباشي أول إمرأة في البلاد تترأس الجلسة الافتتاحية للهيئة التشريعية القادمة. وكان "حزب المصريين الأحرار"، الذي أسسه رجل الأعمال الليبرالي نجيب ساويرس بعد انتفاضات 2011، غائباً تماماً. وخسر الأقباط مقاعد (من 36 إلى 27 عضواً)، شأنهم شأن الأعضاء من المسلمين السلفيين (انخفض عدد مقاعد "حزب النور" الذي يمثلهم من 11 إلى 7 مقاعد) والأعضاء المستقلين (الذين تقلص عدد ممثليهم من 325 إلى 92). وفي المقابل، حصل "حزب مستقبل وطن" الموالي للحكومة على الأغلبية حيث زاد عدد ممثليه من 52 إلى 316 عضو في البرلمان المؤلف من 596 مقعداً. وبشكل عام، خسر 200 من شاغلي المناصب مقاعدهم، في حين احتفظ 176 بمقاعدهم ولم يترشح 209 من بينهم.
ومن بين أبرز الأفراد الذين تم استبدالهم علي عبد العال، رئيس مجلس النواب الذي لا يحظى بشعبية والذي لم يرشح نفسه لإعادة انتخابه. وقد خلفه حنفي الجبالي، قاض سابق اشتهر بتأييد تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، في تحد للرأي العام المحلي. كما خسر المشرعون المعروفون المؤيدون للحكومة عبد الرحيم علي ومرتضى منصور مقاعدهم بشكل غير متوقع. وهناك عدة عوامل تساعد في تفسير جميع هذه التغييرات في القاهرة.
استعداد السيسي لمنح الحياة السياسية فرصة
تحاول حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي على ما يبدو خلق شكلاً من أشكال الحياة السياسية من أجل احتواء الإحباط العام بشأن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الهائلة في مصر. وعلى وجه التحديد، سعى المسؤولون إلى تقليص عدد الأعضاء المستقلين في مجلس النواب وزيادة عدد المنتسبين إلى الأحزاب.
ومن المرجح أن تكون هذه الخطوة نابعة من واقع أن العديد من المستقلين في البرلمان السابق لم تكن أصواتهم مسموعة بشكل كبير في محافظاتهم لأنهم افتقروا إلى القدرة على تقديم الخدمات العامة، وتنظيم المجالس البلدية، أو منح العقود والوظائف الحكومية إلى روادهم. ومن الواضح أن بعضهم أصبح غير متحمس للخدمة في مجلس النواب وغاب عن الجلسات بشكل روتيني. وقد دفع هذا الإهمال النائب السابق محمد أنور السادات إلى التحدث علانية في آب/أغسطس الماضي، عندما دعا إلى نشر أسماء الأعضاء الذين "لم يتفوهوا بكلمة واحدة" للإظهار للجمهور من يعمل من أجلهم.
ويبدو أن السيسي أدرك أيضاً أن النشاط الإعلامي ليس كافياً لملء المجال السياسي الفارغ في مصر. وبعد الإطاحة بحكومة «الإخوان المسلمين» بقيادة محمد مرسي في عام 2013 وتكميم أفواه المعارضة السياسية، مارست دائرة السيسي ضغوطاً شديدة على جميع المؤسسات الإعلامية واستقطبت العديد منها في منافذ الدعاية (على سبيل المثال، استخدامها لتسليط الضوء على مشاريع البنية التحتية الكبرى التي وصفت القاهرة بصورة جيدة). لكن هذه المقاربة لم يكن لها الأثر المنشود، وفي عام 2019، نجح المقاول الحكومي المنفي محمد علي في حشد الناس للنزول إلى الشوارع من خلال مقاطع فيديو اليوتيوب الخاصة به. وبعد ذلك، خلصت بعض الفصائل الحكومية إلى أن عدم وجود أحزاب سياسية كان سبب عدم شعبيتها، على الرغم من أن الحكمة التقليدية في القاهرة كانت ترى منذ فترة طويلة أن فتح المجال السياسي يمكن أن يهدد سلطتها.
الصمود من خلال المداورة
على مدى السنوات الست الماضية، اعتمدت فلسفة السيسي على تناوب الوزراء وغيرهم من الموظفين الحكوميين الرئيسيين [في المناصب]، وذلك جزئياً من أجل التخفيف من الغضب الشعبي ضد المسؤولين الأفراد، ولكن أيضاً للإشارة إلى صانعي القرار بأن أي شخص يمكن استبداله. وبخلاف الحقبة السابقة، يتميز حكم السيسي بغياب مراكز السطة خارج الدوائر المقربة من الرئيس. وخلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، شغل وزراء معروفون مناصبهم على مدى عقود، أبرزهم وزير الدفاع السابق محمد حسين طنطاوي. وأسفرت فترات الولاية الطويلة هذه في النهاية إلى خلق حساسيات بين الحرس القديم والحرس الجديد بقيادة جمال مبارك - وهو الوضع الذي يعتقد المسؤولون الحاليون أنه جعل الإطاحة بمبارك الأب أكثر سهولة.
ومن ثم، يميل السيسي ودائرته إلى اعتبار أي خلاف داخلي بمثابة محفز محتمل لإحياء جماعة «الإخوان المسلمين» من جديد وإقصاء القيادة الحالية. كما اعتادوا على تدمير مراكز السلطة البديلة. ففي عام 2017، فرض السيسي قيوداً على صلاحية القضاة وحثّ على تمرير قانون منحه نفوذاً أكبر على مثل هذه الأمور رغم المعارضة الشديدة من السلطة القضائية. كما أنه فصل بجرأة شخصيات رئيسية من مناصبها وهي التي ساعدته على الإطاحة بمرسي، من بينها رئيس المخابرات ومرشده منذ فترة طويلة اللواء محمد فريد التهامي ووزير الداخلية محمد إبراهيم.
التداعيات السياسية
يؤكّد التعديل في مجلس النواب أن فصيل "مستقبل وطن" الموالي للحكومة هو الحزب الحاكم الجديد في مصر. وتقدّم دائرة السيسي صورة ديمقراطية وتعددية لهذه النتيجة، ولكن في الحقيقة، سيهيمن على الهيئة التشريعية حزب رئيسي واحد تحيط به أحزاب صغيرة تكون بمثابة واجهة، وبالتالي تحاكي معارضة كافية فقط لتحويل إحباط الشعب من حين لآخر تجاه الظروف الاجتماعية والاقتصادية. وهذه تماماً إحدى قواعد اللعبة التي كان يمارسها مبارك.
ومع ذلك، يبقى أن نرى مدى تسامح الحكومة مع المناقشات المحتدمة في البرلمان، وإلى أي مدى ستسمح باستمرار هذه التجربة. وعلى المحك الآن هو ما إذا كان السيسي سيتمكن من تجنّب مصير مبارك، والأهم من ذلك، مساعدة البلاد في التغلب على مشاكلها الأكثر إلحاحاً.
هيثم حسنين هو محلل لشؤون الشرق الأوسط وزميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن.