- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الدبلوماسية السعودية الإسرائيلية تمضي قدماً وسط تحديات تلوح في الأفق في الشرق الأوسط
لن يعود الشرق الأوسط إلى سابق عهده. فاللقاء الذي جمع يوم الأحد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - رغم أن الرياض أنكرته في بادئ الأمر - حدث بلا شك. ومن شبه المؤكد أنه لم يكن اجتماعهما الأول - فقد ترددت شائعات عن لقاءات سابقة عُقدت بينهما على متن قوارب بحرية فاخرة في البحر الأحمر - إلّا أن هذا اللقاء كان الأكثر شفافية، حيث تم تسجيله من قبل العديد من المواقع الألكترونية التي تتتبع الرحلات الجوية.
وعُقد هذا الاجتماع داخل قصر في مدينة نيوم السعودية المستقبلية المتنامية في أقصى شمال غرب المملكة؛ ووفقاً لبعض التقارير فتح اللقاء آفاقاً جديدة حيث كان وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو حاضراً أيضاً، وهذا ما يجعله إنجازاً شرق أوسطياً آخر لإدارة ترامب، وإن جاء متأخراً.
وهنا يبادر سؤالان إلى الذهن: لماذا؟ ولماذا الآن؟ فالتواصل الاستخباراتي بين السعودية وإسرائيل ليس بالأمر الجديد، بل هو قائمٌ منذ ثمانينيات القرن الماضي على الأقل، وربما قبل ذلك. إذ اعتاد البريطانيون رعاية "ولائم عشاء طويلة في فندق ماندارين أورينتال" في لندن لمجموعات من كلا الطرفين لمناقشة الأمور التي يختلفون حولها وتلك التي يتفقون عليها.
أما الموضوح الواضح ذو الاهتمام المشترك التي أُجريت حوله محادثات، آنذاك والآن، فهو إيران، التي تهدد بالفعل كلا البلدين من حيث المشاكل الإقليمية والصواريخ، ويمكن أن يكون لديها قدرة [لصنع] أسلحة نووية في وقت قريب جداً. وفي السنوات الأخيرة، أشار وريث العرش السعودي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 35 عاماً، إلى أنه يعتبر إسرائيل شريكاً طبيعياً لخططه لتطوير المملكة وتحويل اقتصادها من اعتماده على النفط.
إلا أن توقيت هذا الاجتماع الأخير يتعلق على ما يبدو بالحفاظ على ما تم تحقيقه حتى الآن بالمستوى نفسه، وذلك قبل وصول إدارة بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة والتي يبدو أن لديها وجهات نظر مختلفة حول كيفية التعامل مع إيران والتهميش الحالي للقضية الفلسطينية.
ولا شك في أن الشخصية - أي الغرور - تلعب دورها أيضاً. فمن جهة، يتعرّض نتنياهو لهجوم سياسي داخلي متزايد بسبب عدم كفاءته في الاستجابة لوباء "كوفيد-19"، والفساد المحتمل ضده الذي ينطوي على مزاعم بالاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة. ومن جهة أخرى، ربما يرغب بومبيو في تحقيق إنجاز يساعده في أي طموحات سياسية محتملة لعام 2024. أما الأمير محمد بن سلمان فقد يشعر بأنه مقيّد بسبب التردد الواضح لدى والده الملك سلمان في تغيير مسار المملكة والتحوّل من دعم الفلسطينيين الذي استمر طيلة عقود إلى الانضمام لعربة التطبيع مع إسرائيل التي تركبها كلٌّ من الإمارات والبحرين والسودان.
يجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار عنصراً سعودياً محلياً آخر. فقد تم فعلياً استبعاد الأمير محمد بن سلمان عن قمة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية، والتي عُقدت افتراضياً في نهاية الأسبوع المنصرم. فقد ترأّس الملك سلمان القمة، على الرغم من أن الأمير محمد بن سلمان كان الوجه السعودي لها خلال الاجتماعين الأخيرين في أوساكا وبوينس آيرس. وربما كان دوره المحدود في هذه القمة هو السبيل الوحيد لحثّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المشاركة. وبالنسبة للعديد من قادة الغرب، قد يبقى اسم محمد بن سلمان مرتبطاً بشكل كبير بمقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين في عام 2018 والاعتقال الحالي للناشطات وإساءة معاملتهن.
لذلك فإن انعقاد اجتماع رفيع المستوى مع نتنياهو وبومبيو قد يجعل ولي العهد السعودي يشعر بأنه يعيد كتابة دوره كالشخص الذي يقود تحوّل المملكة، والذي لا يقود هذا التحوّل أيضاً. وفي هذه المرحلة، ليس من الواضح ما إذا كان الملك سلمان على علمٍ بانعقاد الاجتماع، لكن وزير الخارجية السعودية، الذي ربما لم يكن حاضراً فيه أيضاً، نفى عبر تويتر التقارير الإعلامية المتداولة حول الموضوع.
ولكن كما يقول الفرنسيون، "كلما تغيرت الأمور كلما بقيت على حالها". ولتذكير بما هو الشرق الأوسط هو ما حدث بين عشية وضحاها، حيث أفادت بعض التقارير بأن صاروخ كروز أطلقته قوات الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن أصاب منشأة نفطية بالقرب من مدينة جدة السعودية. وبينما تسهم المساعي الدبلوماسية السعودية والإسرائيلية في تسريع مسار التطبيع، من الممكن أن تَحدث أمورٌ كثيرة لإبطائه أو إيقافه أو حتى عكسه.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.
"ذي هيل"