- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الدواعي الدبلوماسية لقيام الولايات المتحدة بإنشاء منطقة آمنة في سوريا
قد تكون القضية السورية من أكثر التحديات العالمية الحاسمة إرباكاً التي تواجهها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عامها الأخير.
فقد وصلت الحرب الأهلية السورية الوحشية إلى نقطة التأزم، مع أكثر من 250 ألف قتيل و 12 مليون سوري من غير مأوى. كما قد انتشر سرطان هذه الحرب وتفشى إلى الدول المجاورة وإلى قلب أوروبا. وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط لجيل بأكمله.
نحن نعتقد أن الرئيس أوباما لم يعد قادراً على تجنب تقديم قيادة أمريكية أكثر قوة لعكس هذه الموجة العاتية من المعاناة والعنف في بلاد الشام. فالمصالح الاستراتيجية الأمريكية فضلاً عن واجب الولايات المتحدة الإنساني كأقوى دولة في العالم تحتم على واشنطن إجراء تغيير في الاستراتيجية، وفي الأفكار أيضاً.
وبالنسبة إلى الشق الذي أحسنت الإدارة الأمريكية العمل عليه فقد تجلى، تحت قيادة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بإطلاق مفاوضات جديدة لإجراء انتخابات وتشكيل حكومة انتقالية ووقف إطلاق النار. بيد أنه سيكون من الصعب المحافظة على هذه المحادثات، ومن غير المحتمل أن تكون الدبلوماسية وحدها فعالة في هذا السياق.
أما بالنسبة إلى الشق الآخر، حيث لم تحقق الولايات المتحدة رغبتها، فيكمن في صياغة استراتيجية واضحة ومتسقة وقوية لكي تلعب واشنطن دورها التقليدي القيادي في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقف تفاوضي ضعيف على نحو غير معهود. من هنا، أصبح "محور روسيا - إيران - «حزب الله»" الطرف الأقوى الذي يدعم النظام الوحشي لبشار الأسد من خلال القصف العشوائي والمجاعة التي ترزح تحتها المدن المحاصرة. وبصفتنا دبلوماسيين سابقين، نعتقد أن الدبلوماسية هي في معظم الأحيان فعّالة عندما تكون مدعومة بوضوح الهدف والقوة العسكرية. وقد كانت هذه العوامل غائبة بشكل ملحوظ عن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا.
لهذا السبب، كان يتعين على الإدارة الأمريكية اتخاذ خطوات لتعزيز قوة الولايات المتحدة في المفاوضات الصعبة التي جرت في جنيف. وكان يجب عليها أن توسع بشكل كبير من تمويل القوى السنيّة والكردية المعتدلة التي تشكل بديلاً لحكومة الأسد ولـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، مع التأكيد في الوقت نفسه على القيادة النشطة اليومية لائتلاف معزز يشمل تركيا، وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين والدول العربية السنية.
ومع انتهاء المحادثات، سيتعيّن على أوباما وكيري النظر أيضاً في اتخاذ تدابير أكثر قوة لحماية ملايين المدنيين المعرضين للخطر، بما في ذلك إنشاء ممرات إنسانية للوصول إلى أولئك المعرضين لهجمات جوية تشنها الحكومة ولهجمات أخرى من قبل المنظمات الإرهابية على الأرض. والأهم من ذلك، نحن نعتقد أنه سيتوجب على فريق أوباما إعادة النظر بما رفضه في الماضي، أي إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا لحماية المدنيين، إلى جانب إقامة منطقة حظر جوي لحماية هذه المنطقة.
وفي حين يتمتع الجيش الأمريكي بخبرة تخوله أن يقرر كيفية إنشاء مثل هذه المنطقة، يمكن أن يتمثل أحد الخيارات في تحديد أكثر من 25 إلى 30 ميلاً جنوب الحدود التركية، مع روابط إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار الأكراد السوريون. وسيكمن هدف هذا الخيار الرئيسي في مساعدة القوات المحلية على طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوفير ملاذ آمن للمدنيين إلى حين إنهاء الحرب.
كما يمكن للبيت الأبيض أن يضغط على روسيا، كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، للمساعدة في تنظيم المنطقة وحمايتها. إذ ستكون هذه المنطقة أكثر استدامة وموثوقية أذا لقيت دعماً روسياً. أما إذا رفضت روسيا هذا الاقتراح - كما من المرجح أن تفعل - فإن الإدارة الأمريكية وشركاءها سيكونون في وضع أقوى بكثير لأخذ زمام المبادرة بأنفسهم.
لا بد من الإشارة إلى أن هناك فوائد متعددة للمنطقة الآمنة. إذ ستشكل الطريقة الأكثر فعالية لدعم المدنيين السوريين والحد من تدفق اللاجئين إلى البلدان المجاورة وإلى أوروبا. كما ستعزز من قدرة الولايات المتحدة على العمل بشكل وثيق مع تركيا، حليف واشنطن الإقليمي الرئيسي في "حلف شمال الأطلسي" ("الناتو")، التي طالما دعت إلى مثل هذه الخطوة. ولأول مرة، ستقيّد هذه الخطوة العمليات الهائجة لسلاح الجو السوري، وهو أكبر قاتل للمدنيين في الصراع السوري. ومن شأنها أيضاً أن تعيق استخدام القوة العسكرية من قبل روسيا وإيران و«حزب الله» ضد المقاومة.
ونضيف هنا إلى أننا لا نقلل من الصعوبة الكبيرة التي تكمن في إقامة مثل هذه المنطقة في خضمّ حرب أهلية. إذ أن المهام الشاقة ستتمثل في الدفاع عن المنطقة ومنع رزوحها تحت عبء اللاجئين، وترسيخها من خلال مبرر قانوني مقنع وإبعاد الجماعات الجهادية عنها. وسيتعين على الولايات المتحدة التأكد أيضاً من عدم تعارض عملياتها الجوية مع المصالح الروسية. فعند إنشاء هذه المنطقة، لا نعتقد أن روسيا ستتحدى قوات الولايات المتحدة و"حلف شمال الأطلسي" الأقوى منها، لا سيما إن كانت تعمل بشكل أساسي من تركيا.
إن خبرتنا كدبلوماسيين تبين لنا أنه سيتوجب على الولايات المتحدة نشر جنودها على الأرض في الداخل السوري على طول الحدود التركية من أجل تجنيد غالبية الجنود في المنطقة من تركيا وحلفاء آخرين في حلف "الناتو"، ومن الدول العربية السنيّة أيضاً. كما يمكن لهذه الدول أن تساهم أيضاً من خلال القوة الجوية والصواريخ، وبتنظيم من "حلف شمال الأطلسي" من الأراضي التركية، في مراقبة منطقة الحظر الجوي.
إن أخذ زمام المبادرة سيحمل في طياته مخاطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولكن يجب على النقاد أن يقيّموا أيضاً مخاطر عدم المبادرة، والتي قد تشمل عدة آلاف آخرين من القتلى، والملايين من اللاجئين، وانتشار الحرب لتطال حلفاء الولايات المتحدة مثل تركيا والأردن وإسرائيل، والانتصار العسكري الروسي-الإيراني.
لقد عملنا نحن الإثنين في إدارات ديمقراطية وجمهورية على حد سواء. ولاحظنا أنه عندما تتولى الولايات المتحدة القيادة بكل ثقة وعزم، وعندما تشكل ائتلافات كبيرة وفعالة، فعندئذ تتمتع بفرصة كبيرة للغاية لتحقيق النجاح في مناطق معقدة مثل الشرق الأوسط.
إننا معجبان بالنجاحات العديدة التي حققها الرئيس أوباما في السياسة الخارجية. فالرئيس على حق في رؤيته القائلة بأن على الولايات المتحدة توخي الحذر بشأن التدخل في الشرق الأوسط. لكنه كان يبالغ في ردات فعله وكان غير مستعد للتأكيد على قيادة الولايات المتحدة في سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية. نحن نعتقد أن مخاطر عدم التحرك أكبر من مخاطر إطلاق مبادرة أمريكية قوية لحماية المدنيين. وإذا فشلت الولايات المتحدة في اتخاذ التدابير المناسبة، من شبه المؤكد أن الحرب في سوريا ستزداد سوءاً.
وفي النهاية، لن يكون الرئيس أوباما قادراً على علاج جميع العلل التي تعاني منها سوريا هذا العام. لكن يمكن له أن يبدأ في تحويل دفة الحرب وتمهيد الطريق للوصول إلى سلام نهائي في السنوات المقبلة.
نيكولاس بيرنز هو أستاذ في جامعة هارفارد، يقضي حالياً إجازة فصلية في جامعة ستانفورد. وقد شغل منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية بين عامي 2005 و 2008. جيمس جيفري هو زميل في معهد واشنطن، وكان سفير الولايات المتحدة في العراق في الفترة 2010-2012.
"واشنطن بوست"