"الحشد الشعبي" يمثّل العراق في مؤتمر محور "المقاومة" في طهران
لم يظهر أيٌ ممثل عن الفصائل العراقية الفردية في مؤتمر محمور "المقاومة" في طهران، لكن إحدى وسائل الإعلام التابعة لـ "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني وصفت واقع حضور ممثلين عن "قوات الحشد الشعبي" إلى جانب أولئك من "حزب الله" و "حماس" والحوثيين وغيرهم من الجماعات المصنفة على قائمة الإرهاب الأمريكية.
في 23 أيار/مايو، اجتمع القائد العام لـ"الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني اللواء حسين سلامي وقائد "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" العميد إسماعيل قاآني مع قادة ما يُسمى بمحور "المقاومة" الذين كانوا متواجدين في طهران للمشاركة في مراسم عزاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
ولم يتم نشر سوى صورتين من الاجتماع. ويتضح من تحليلهما (الشكلان 1 و 2) أن جماعات "المقاومة" العراقية لم تحظَ بمقعدٍ على "رأس" الطاولة التي جلس حولها سلامي (في الوسط) وقاآني (على الجانب). ولم تشمل تلك الجماعات الإرهابية الجالسة على رأس الطاولة سوى حركة "حماس" (ممثلة بإسماعيل هنية)، و"حزب الله" اللبناني (ممثل بنعيم قاسم، نائب الأمين العام)، والحوثيين (ممثلين بالناطق الرسمي محمد عبد السلام)، و"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" (ممثلة بمحمد الهندي، نائب الأمين العام)، وحتى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" (ممثلة بجميل مزهر، نائب الأمين العام).
ومن المثير للاهتمام أن أياً من شخصيات "المقاومة" العراقية لم تظهر في أي صورة. وبالتالي، كرّم "الحرس الثوري" الإيراني ميليشيا اشتراكية غير إسلامية، هي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، ولكن ليس الميليشيات العراقية. وسواء أكان كبار المقاتلين العراقيين المنتمين إلى (إحدى) الميليشيات الفردية حاضرين أم لا (لم يحضروا على الأرجح، بل زاروا بدلاً من ذلك السفارة الإيرانية في العراق)، أو قد يزورون طهران كمجموعة منفصلة لتأدية واجب العزاء (على الأرجح)، لم يكن من المعتاد رؤية هذه الجماعات العراقية الحريصة على مكانتها تفوّت فرصة لتظهر كجهة فاعلة رفيعة المستوى من "المقاومة".
وقد ذكرت معظم وسائل الإعلام الإيرانية التي نقلت الحدث جميع الميليشيات الأخرى، باستثناء الميليشيات العراقية. وأفادت "إذاعة جمهورية إيران الإسلامية" أنه "عُقد اجتماعٌ بين مجموعة من جماعات "المقاومة" (الفلسطينية واللبنانية واليمنية) واللواء حسين سلامي... والعميد إسماعيل قاآني..." (الشكل 3). ولم يذكر التقرير أي ميليشيا عراقية.
"الحرس الثوري" الإيراني يقول إن "قوات الحشد الشعبي" العراقية هي جزءٌ من محور "المقاومة" التابع له
كانت "وكالة أنباء فارس" التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني المصدر الإيراني الوحيد الذي أفاد عن المشاركة العراقية في مؤتمر "المقاومة"، مشيراً إلى الوفد العراقي بأنه من "قوات الحشد الشعبي". ثم تم لاحقاً استبدال عبارة "قوات الحشد الشعبي" بـ "جماعات «المقاومة» العراقية". وتُعتبر هذه زلة كبيرة: فهي تُظهر أن "الحرس الثوري" الإيراني يزعم أن "قوات الحشد الشعبي" التي تديرها الدولة العراقية هي فصيلة من فصائل "المقاومة"، إلى جانب الجماعات المصنفة على قائمة الإرهاب الأمريكية مثل "حزب الله" اللبناني، و"حماس"، و"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"، وحركة "أنصار الله" (الحوثيين)، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". ومن الجدير بالذكر أيضاً أن "وكالة أنباء فارس" عمدت إلى تغيير البيان في وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم لإزالة عبارة "قوات الحشد الشعبي" واستبدالها بـ "جماعات «المقاومة» العراقية"، لكن "هيئة الإذاعة البريطانية" ("بي بي سي") كانت قد ترجمت النص الأصلي غير المصحح.
وفي 5 نيسان/أبريل 2024، قال رئيس أركان "هيئة الحشد الشعبي" عبد العزيز (المعروف أيضاً بأبو فدك) إن "«قوات الحشد الشعبي» جزء أساسي من المعركة في غزة وفلسطين". وفي ذلك الوقت كان المحمداوي في طهران للمشاركة في مسيرة "يوم القدس". وربما كان أبو فدك (وكذلك رئيس "الهيئة" فالح الفياض) حاضرين هذه المرة في مؤتمر 23 أيار/مايو، لكنهما حرصا على الابتعاد عن عدسات الكاميرا. فقد زار كلاهما طهران للمشاركة في مراسم عزاء رئيسي.
وأبدى أبو فدك استعداداً متزايداً لربط "الحشد الشعبي" علناً، من خلال شخصيته، بمحور "المقاومة". وفي 5 نيسان/أبريل، بدا وكأنه يتحدث من باب الإحراج، إذ كان يقف إلى جانب أحد قادة "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" التي تنشط قواتها في "المقاومة"، واحتاج إلى التأكيد على رغبته في المساهمة في قضية "المقاومة". حتى أن أبو فدك، الذي هو القائد اليومي لـ"الحشد الشعبي" أقرّ علناً بتلقي الأوامر أولاً وقبل كل شئ من مسؤول أجنبي، وهو المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قائلاً: "نحن ننتظر بيان رأي السيد القائد [المرشد الأعلى] ماذا بعد... جئنا إلى الجمهورية الإسلامية أولاً لتجديد تضامننا مع برنامج السيد القائد والسيد الإمام… وثانياً لتجديد عهدنا [أي الولاء للمرشد الأعلى] وننتظر ما هو موقف السيد القائد".
هل تم استبعاد الفصائل الفردية أم أنها تشعر بالإحراج أو تتوخى الحذر؟
أفاد الحساب الفارسي التابع لـ"حركة النجباء" على "تلغرام" أيضاً أن "ممثلين عن… جماعات «المقاومة» العراقية" كانوا حاضرين في الاجتماع (الشكل 4). وربما تنتظر الفصائل الوقت المناسب للذهاب إلى طهران سويّة، كما فعل أغلبها بعد وفاة قاسم سليماني في عام 2020، إذ يبدو أن ذلك يشكل وسيلة للحد من الخصومات وتسهيل إدارة هذه الاجتماعات بالنسبة لـ "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري" الإيراني. وفي ذلك الوقت (2020)، جاءت مجموعة الفصائل على الفور (إلى جانب مقتدى الصدر)، لكن في هذه المرة، لم تقم مجموعة من الفصائل بزيارة علنية فورية إلى طهران حتى لحضور مؤتمر "المقاومة" والجنازات الرئيسية.
وعلى الرغم من تواجد شخصيات الميليشيات العراقية فعلياً في اجتماع 23 أيار/مايو، إلّا أن حضورها لم يكن مهماً على الإطلاق لدرجة أنه كاد ألا يُذكر، ولم يكلّف "الحرس الثوري" الإيراني نفسه عناء تصويرها في الاجتماع. ويبدو أن ذلك أحرج وسائل إعلام "المقاومة" العراقية إلى حد عدم تغطيتها لمؤتمر "المقاومة" بدرجة كبيرة. إلا أن وسائل الإعلام التي تغطي المنطقة و/أو تنقل الأخبار منها، مثل "الجزيرة" و"سي إن إن" بالعربية و"الشرق الأوسط" و"تايمز أوف إسرائيل" وغيرها، نشرت أخبار المؤتمر على نطاقٍ واسعٍ.
ويبدو أن قناة "صابرين نيوز"، وهي قناة "المقاومة" العراقية الرئيسية على موقع "تلغرام"، شعرت بالإحراج لدرجة أنها لم تذكر وجود الميليشيات العراقية في اجتماع 23 أيار/مايو (الشكل 5). وفي حين دائماً ما تسارع هذه القناة إلى نشر صور الاجتماعات المماثلة من أجل التفاخر بمشاركتها فيها، إلّا أنها امتنعت عن نشر الصورتين اللتين نشرهما "الحرس الثوري" الإيراني عن الاجتماعات.