- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الخطوة التالية في رقصة أردوغان مع الأكراد
في 7 حزيران/يونيو 2015 يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع لانتخاب البرلمان القادم في البلاد. ويأمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن يفوز «حزب العدالة والتنمية» بالأغلبية الساحقة البالغة 330 مقعداً في المجلس التشريعي المؤلف من 550 مقعداً. وعندئذ، سيتمكّن «حزب العدالة والتنمية» من تعديل دستور البلاد وتغيير النظام السياسي في تركيا، لتتحوّل البلاد من دولة ديمقراطية برلمانية إلى رئاسية تنفيذية - الأمر الذي يرسّخ مركز السيد أردوغان في رئاستها، على افتراض أنّ الناخبين سيؤيدون هذا التغيير في استفتاء [لاحق].
ولكن ثمة فصائل أخرى متعطشة أيضاً للسلطة السياسية. فالمجتمع الكردي في تركيا - الذي لا تهدأ مطالباته - يدعم «حزب ديمقراطية الشعوب» الذي يتألف بغالبيته من العرقية الكردية على أمل أن يكسب الحزب 10 في المائة من الأصوات على الصعيد الوطني، وهي العتبة الضرورية لدخول البرلمان. [وفي الوقت نفسه]، يحرص أيضاً الليبراليون العلمانيون في البلاد - الذين يقسّمون دعمهم بين «حزب الشعب الجمهوري» المعارض الرئيسي و«حزب ديمقراطية الشعوب» - على الوقوف في وجه طموحات أردوغان بالحصول على السلطة الرئاسية المطلقة.
وتتمثل خلفية هذا التصويت بالضعف المستغرب لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي كان ينتمي إليه السيد أردوغان. فمنذ استقالته من الحزب في آب/أغسطس 2014 لخوض انتخابات الرئاسة - حيث أنّ الدستور ينصّ على أن لا يكون رئيس الجمهورية منتمٍ لأي حزب - أدرك أردوغان صعوبات السيطرة على «حزب العدالة والتنمية» من وراء الكواليس. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ «حزب العدالة والتنمية» قد يحصل على أقلّ بكثير من نسبة الـ 52 في المائة من الأصوات التي ضمنها السيد أردوغان في الانتخابات الأخيرة. وبدون شخصية السيد أردوغان المؤثرة والمقنعة والمهيمنة في سدة الحكم، سيتراجع «حزب العدالة والتنمية» بدون هوادة.
وفي غضون ذلك، يحاول «حزب الشعب الجمهوري» - الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة باعتباره حزب يساري وقومي على الطراز القديم - منذ عام 2010 إعادة تطوير نفسه كقوة ديمقراطية اجتماعية عصرية. فقد توجه إلى النساء والليبراليين ومجتمع الأعمال. ولكن على الرغم من هذه الجهود، لا يزال الحزب يعاني من سمعته السابقة ولم يحقق أكثر من مكاسب متواضعة في صناديق الاقتراع: ففي عام 2011، اكتسب الحزب 26 في المائة من الأصوات مقابل 21 في المائة في عام 2007.
ومع ذلك، يبقى «حزب ديمقراطية الشعوب» محور القصة، بعد أن أعاد إطلاق نفسه في اتجاه أكثر شعبية. وعادة ما حصل الحزب على ما بين 5 و 6 في المائة من الأصوات كحزب مؤيد للأكراد بصورة محدودة. ولكنه بذل جهداً في الآونة الأخيرة لبناء دائرة انتخابية ليبرالية أوسع. وفي هذه الانتخابات، تَواصَل «حزب ديمقراطية الشعوب» مع الأقليات العرقية والسياسية في تركيا، بمن فيهم الأرمن، كما أنّ نصف المرشحين على قوائم «حزب ديمقراطية الشعوب» هم من النساء.
ونتيجةً لذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ نسبة التأييد لـ «حزب ديمقراطية الشعوب» تحوم حول 10 في المائة من الأصوات على الصعيد الوطني. ويمكن أن يفوز الحزب بما بين 50 و60 مقعداً، مما سيحرم «حزب العدالة والتنمية» من الأغلبية الساحقة. كما سيوفّر ذلك انفتاحاً جديداً للسياسة الكردية في تركيا. ومن الناحية التقليدية، لطالما ركّز القوميون الأكراد على تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي، وقاموا بالتفاوض مع السيد أردوغان لتحقيق هذه الغاية. وفي عام 2012، بدأ السيد أردوغان بمحادثات سلام مع عبد الله أوجلان، الزعيم المسجون لـ «حزب العمال الكردستاني» المسلح المصنف من قبل الولايات المتحدة على أنه منظمة إرهابية. وقد اجتذبت هذه العملية دعماً من أواسط المؤيدين الأكراد لـ «حزب العمال الكردستاني». وعندما نظم الليبراليون الأتراك مسيرات "ميدان تقسيم" المناهضة لـ «حزب العدالة والتنمية» في عام 2013، وقف القوميون الأكراد على الحياد بهدوء.
إلا أنّ التطورات الأخيرة زعزعت ثقة الأكراد في السيد أردوغان. وعندما هاجم تنظيم «الدولة الإسلامية» مدينة كوباني [عين العرب] - الجيب الكردي السوري الذي يسيطر عليه «حزب الاتحاد الديمقراطي» حليف «حزب العمال الكردستاني - في عام 2014، تأخرت أنقرة في مساعدة «حزب الاتحاد الديمقراطي» على أمل الاستفادة من القضية في محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني». وكشفت اللامبالاة التركية تجاه عين العرب وجهة نظر السيد أردوغان الانتهازية في علاقته مع الأكراد. ووفقاً لذلك، صرّح زعيم «حزب ديمقراطية الشعوب» صلاح الدين دميرتاز مراراً أنّ حزبه لن يساعد السيد أردوغان لأن يصبح رئيساً تنفيذياً.
ومع ذلك، لا يزال بإمكان السيد أردوغان أن يحاول تجنيد الدعم الكردي للتغيير الدستوري الذي يهدف إليه من خلال السعي إلى التوصل إلى اتفاق مع أوجلان بدلاً من «حزب ديمقراطية الشعوب». وقد يحاول أوجلان استخدام نفوذه الكبير في المجتمع الكردي في محاولة لـ "تحويل" أصوات «حزب ديمقراطية الشعوب» البرلمانية لصالح دعم حيلة السيد أردوغان، مقابل حرية أوجلان وشكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي.
ولكنّ ذلك لن يكون مضموناً من أيّ من الطرفيْن. فقد يكون تأثير أوجلان داخل «حزب ديمقراطية الشعوب» قد تقلّص بفعل الجماعة المؤيدة للديمقراطية في الحزب، والتي سيتم تعزيزها في حال دخول «حزب ديمقراطية الشعوب» إلى البرلمان. ولن تشعر هذه الكوادر الليبرالية بأنها ملزمة [لإرشادات] أوجلان إذا ما روّج للسيد أردوغان كرئيس، بل سيستندون على معرفة تاريخ أردوغان من ناحية تراجعه عن الاتفاقات السياسية بمجرد أن يصبح نظرائه غير ضروريين.
وعلى الرغم من صعوبة تأمين الدعم الكردي للسيد أردوغان، قد يكون البديل لتمثيل «حزب ديمقراطية الشعوب» في البرلمان على نحو أسوأ. وإذا فشل «حزب ديمقراطية الشعوب» في عبور العتبة البرلمانية، ستذهب مقاعده إلى «حزب العدالة والتنمية»، مما يؤمّن بالتأكيد حصوله على 330 مقعداً كما يأمل. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الأكراد في جنوب شرق تركيا يميلون إلى توزيع أصواتهم بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب ديمقراطية الشعوب». فإذا فشل «حزب ديمقراطية الشعوب» في تخطي عتبة الـ 10 في المائة، سيكتسح حزب أردوغان المقاعد البرلمانية، من بينها تلك التي كان سيحصل عليها «حزب ديمقراطية الشعوب» في نحو عشرة أقاليم.
وقد يؤدي مثل هذا التطور إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي. فسيقوم العلمانيون - الغاضبون من توطيد السلطة من قبل زعيم مستبد محافظ ومتشدد - بالاحتجاج الدائم على رئاسة أردوغان التنفيذية الشكل. أما الأكراد المُحبطين بسبب غياب التمثيل، فسيعلنون على الأرجح قيام "برلمان كردي" في ديار بكر، العاصمة الكردية غير الرسمية لتركيا.
ومع ذلك، وفي السياق نفسه، سيكون مصير تركيا الديمقراطية متشابكاً مع القضية القومية الكردية. ولا يستطيع العلمانيون الليبراليون الأتراك والأكراد أن ينجحوا إلا إذا عملوا سوية، وعلى هؤلاء العلمانيين الأتراك أن يعدوا الأكراد بالحصول على نوع من الحكم الذاتي ومنحهم حقوق ثقافية أوسع نطاقاً. وسواء فاز «حزب العدالة والتنمية» بـ 330 مقعداً أم لا في انتخابات 7 حزيران/يونيو 2015، فإن الصراع المتكشّف يوماً بعد يوم بين الليبراليين العلمانيين، والأكراد، والسيد أردوغان هو الذي سيحدّد مستقبل تركيا في النهاية.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن ، ومؤلف كتاب" صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين "، ("بوتوماك بوكس") 2014.
"وول ستريت جورنال"