- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2447
الكتلة السلفية المتغيرة في مصر: التعصُّب والواقعية في منطقة غير مستقرة
في الوقت الذي تتعامل فيه حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع التهديدات المجاورة التي يشكلها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») - أولاً من «ولاية سيناء» التابعة للتنظيم ثم من فرع «داعش» في ليبيا - تختلف آراء الأحزاب السلفية في مصر حول التخندق بشكل أوثق مع النظام العسكري العلماني أم لا، وذلك لضمان بقائها، وهي خطوة ستؤدي إلى المساومة على عقائدها وولاءاتها لجماعات إسلامية محلية أخرى.
وفي نهاية المطاف، ومع اصطفاف دول عربية مع بعضها البعض لمواجهة المصادر المفترضة لعدم الاستقرار المتصاعد في المنطقة، سوف تضطر الجماعات السلفية إلى الاختيار بين الشراكة الأمنية أو التعصُّب العقائدي. وبعبارة أخرى، لكي تنال الأحزاب السلفية مصداقية تجاه كل من نظام السيسي والناخبين المصريين، ينبغي عليها أن تثبت أنها تمثل مصالحهم، حتى لو كانت تتعارض مع جوانب من الفكر السلفي أو قد تؤدي إلى عزلها عن باقي الأحزاب الإسلامية.
ويمكن إدراج الجدل الداخلي الحالي بين الجماعات السلفية اللاعنفية في مصر في سياق إقليمي أوسع وأقدم عهداً. فنظراً إلى التقارب الإيديولوجي بينها وبين «داعش»، الذي يُعرف أيضاً باسم تنظيم «الدولة الإسلامية»، من غير المستغرب أن تكون هذه الجماعات قلقة بشأن مراقبة الدولة المتزايدة لأنشطتها، كما حدث في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، عندما تم جمعها مع السلفيين الجهاديين باعتبارهم يشكلون خطراً يهدد الاستقرار وكونهم مصادر للإرهاب بسبب رؤيتهم المشتركة مع تنظيم «القاعدة» فيما يتعلق بالتعاليم الدينية. وفي الأردن، على سبيل المثال، حيث يمتلك الجهاديون معقلاً في محافظة الزرقاء، دفع القلق المتزايد حول الجهادية إلى قيام شخصيات سلفية غير عنيفة بإصدار سلسلة من الكتابات وعقد مؤتمرات بهدف تمييز نفسها عن الجهاديين والتأكيد على أن السلفية هي من صميم المجتمع الأردني وتاريخه. وفي الواقع، وبسبب غزارة كتاباتهم اكتسب أولئك القادة سمعة في أوساط الجهاديين المحليين بأنهم بيادق في يد النظام.
وفي السياق المصري، تم تحقيق هذه الشراكة حالياً من خلال التمثيل البرلماني. فقد أعاد السلفيون المصريون تصنيف الأحزاب السياسية كوسيلة لتسويق معتقداتهم، بعد أن كانت محرّمة في المبادئ السلفية، إذ إنها لم تكن قائمة في زمن النبي محمد، وبالتالي هي محرّمة وفق العقيدة السلفية التقليدية.
وفي الواقع، يبدو حتى الآن أن حزب «النور»، الذي هو أبرز جماعة سلفية [في مصر]، كان أيضاً الأكثر نجاحاً في بناء شراكة مع حكومة السيسي لحماية نفسه. ففي 3 تموز/يوليو 2013، افترق حزب «النور» عن جماعة «الإخوان المسلمين» والتيار الاسلامي السائد باصطفافه إلى جانب السيسي في إطاحته برئيس البلاد محمد مرسي من «الإخوان المسلمين». ومنذ ذلك الحين، أظهر حزب «النور» نفسه تدريجياً كحليف للسيسي سواء في توفير خدمات أفضل للمصريين أم في مساعدة الحكومة على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية التي يطرحها الجهاديون بشكل عام وتنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل خاص.
وإلى جانب رغبته في البقاء في ظل نظام السيسي، يرتبط الاستشراف العملي لـ حزب «النور» بتعزيز التحالف الأمني الإقليمي بين المملكة العربية السعودية - راعيه الأساسي - ومصر. وقد شنّ البَلدان هجمات متزامنة في اليمن في آذار/مارس لوقف تقدم المتمردين الحوثيين، إلا أن رد فعل القاعدة الشعبية للحزب تجاه هذه المواقف لن يتضح إلا بعد إجراء الانتخابات المقبلة، التي أُجِّلت ولكن حُدّد موعد مبدئي لعقدها في وقت لاحق من هذا الصيف.
منافسو حزب «النور» السلفيون
في الواقع، تختلف الإيماءات الكبرى لـ حزب «النور» وتصريحاته الهامة بدعم حكومة السيسي، عن تلك التي تطلقها بعض الجماعات السلفية الأخرى. من بين الأمثلة على ذلك حزب «الوطن» الذي أُنشئ في كانون الثاني/يناير 2013 من قبل العضو المؤسس لحزب «النور» عماد عبد الغفور، الذي انشق عن حزب «النور» بسبب رفضه التعاون مع جماعة «الإخوان المسلمين» خلال العام الذي قضته في السلطة. وقد استمر حزب «الوطن» في سعيه لكسب هوية وقاعدة ناخبين مميزتين، ليس فقط عبر تقديم نفسه كحزب إسلامي، بل أيضاً كممثل للشعب المصري. وإلى جانب التداعيات المترتبة عن اسمه، يصف الحزب نفسه على صفحته الرسمية على موقع "الفيسبوك" بأنه "الذراع السياسية لجميع أبناء شعب مصر." وبالمثل، تكاد حملاته السياسية تخلو تماماً من الإشارة إلى المفاهيم الإسلامية أو الشريعة، كما أن قادته يتوجهون في حديثهم وبياناتهم الأخيرة إلى "المواطنين المصريين". وعلاوة على ذلك، وفي توصياته السياسية طالب حزب «الوطن» بتعزيز قرار مصر الحر في الشؤون الإقليمية. وفي 28 آذار/مارس، وفي محاولته لكسب ود حكومة السيسي، انتقد حزب «الوطن» الحكومة السعودية لتدخلها في اليمن دون أن تُقيم أولاً تحالف مع دول عربية أخرى.
وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي يقف حزب «الأصالة»، الذي، مَثَله مثل حزب «النور»، أُنشئ بعد انتفاضات عام 2011، ولكن على عكس حزبي «النور» و «الوطن»، يؤيد حزب «الأصالة» جماعة «الإخوان المسلمين»، ويدعو جهاراً للإطاحة بالسيسي. وقد دعم رئيس حزب «الأصالة» إيهاب شيحة انتقاد قطر لعملية الإطاحة بمرسي عام 2013 ووصفها بأنها «انقلاب»؛ كما أن اجتماعات الحزب وتظاهراته تتمحور حول عزل الرئيس الحالي من منصبه. وفي بياناته حول السياسة الخارجية، يستخدم حزب «الأصالة»، الوفي لعقيدته الدينية، مصطلحات مليئة بالدلالات الدينية أيضاً، إذ يصف السياسة على أنها "مبادئ وأخلاق". وفي بيان مؤلف من خمس نقاط نشره على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في 27 آذار/مارس، وجاء كرد رسمي على الأحداث في اليمن، دعا حزب «الأصالة» إلى التدخل فقط إذا كان ذلك سيؤدي إلى إعادة النظام ويقلل من الطائفية.
الاستنتاجات
يقف عاملان داخليان وعاملان خارجيان وراء المواقف الواسعة التباين لهذه الأحزاب السياسية السلفية التي تلتزم بنفس الإيديولوجية المتزمتة عقائدياً:
· العامل الداخلي الأول: المواقف السياسية ليست مبنية دائماً على العقيدة. على الرغم من أن أسس السلفية، لا سيما فيما يتعلق بالقانون والعقيدة، لا تقبل المساومة في الواقع - وهي بمثابة الأساس الذي يعتمد عليه السلفيون لتبرير تكفيرهم للشيعة، والأحمديين، وبعض الجماعات غير السلفية - إلا أن المواقف السياسية للجماعات السلفية تختلف إلى حد كبير ولا تستند دائماً على العقيدة.
· العامل الداخلي الثاني: المواقف السياسية مبنية غالباً على مبدأ البقاء، لا على العقيدة. إن الحسابات السياسية للأحزاب السلفية، على المستويين المحلي والإقليمي، ليست مبنية في الغالب على العقيدة السلفية أو القانون السلفي في حد ذاته، بل على الموقف الذي يضمن بقاء الجماعة السلفية، وبالتالي القدرة على تحويل باقي المسلمين إلى المذهب السلفي. وفي الميدان السياسي، لا سيما نظراً إلى موقف السيسي العدائي ضد الإسلاموية، عادة ما تعني هذه المقاربة اتخاذ جميع الخطوات التي تؤدي إلى حصول هذه الأحزاب على عدد أكبر من الأصوات، وبالتالي التقرب بصورة أكثر من الحكومة.
· العامل الخارجي الأول: يتكيف السلفيون مع المتغيرات المحلية والإقليمية ويستجيبون لها. على الرغم من التزاماتهم العقائدية والقانونية، يستجيب السلفيون بشكل مدهش إلى التغيرات المحلية والإقليمية - وعلى وجه الخصوص إلى الأعمال التي يرتكبها الجهاديون، نظراً لأن التيارين يتشاركان الجذور الإيديولوجية نفسها. فالجهات السلفية التي نجحت في المحافظة على مصداقيتها وقاعدة ناخبيها أفلحت في ذلك ليس بسبب مواقف ايديولوجية متشددة، بل بفضل قدرتها على التكيف سياسياً، تلك القدرة التي تسمح لها بفهم مصالح أتباعها والبيئة المحلية والاستجابة لكليهما.
· العامل الخارجي الثاني: سياسات المملكة العربية السعودية وقطر وتصريحاتهما مهمة - ولكن ذلك لا يعود دائماً لأسباب إيديولوجية. في الوقت الذي تستجيب فيه المواقف السياسية السلفية في بلد معيّن وإلى حد كبير إلى المجتمعات المحلية، فإنها تعتمد أيضاً على المناورات السياسية لقطر والمملكة العربية السعودية. وفي سياق الدفاع عن حكومة السيسي، كما ذُكر، يعود دعم حزب «النور» العلني لها إلى موقف السعودية المؤيد لكل من السيسي وحزب «النور». وبالمثل، إن دعم قطر لـ «الإخوان المسلمين» يعود جزئياً إلى انتقاد حزب «الأصالة» لعملية الإطاحة بمرسي والدعوات المستمرة لإقالة السيسي نفسه من منصبه. وهنا، يجب أن يأخذ المرء في عين الاعتبار بأن التموضع السياسي السعودي والقطري ليس فقط ضرورياً لفهم ديناميات الجماعات السلفية المصرية وغيرها من الحركات السلفية، بل بالإضافة إلى ذلك، لأن ردود الفعل السلفية على السياسات السعودية والقطرية مرتبطة عادة بهوية الجماعة التي يدعمها كل بلد، بدلاً من التشابه الإيديولوجي المحض فقط.
يعقوب أوليدروت هو زميل مساعد في معهد واشنطن، يركز على تاريخ وفكر الحركات السلفية والجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط.