- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
العلاقات الأمريكية-السعودية بعد عام من مقتل خاشقجي
بعد مرور عام على مقتل الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه حالياً، ما هو التقدّم المحرز في إصلاح العلاقات بين الرياض وواشنطن؟ وحتى الآن، لم يتمّ العثور على جثته ولم يصدر بعد قرار الحكم بحق المتورطين المزعومين بمقتله. لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صرّح لـ برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي أس" التلفزيونية قائلاً إنه على الرغم من أنه لم يأمر بقتله ولكن "كقائد، أتحمل المسؤولية بالكامل".
قد تكون هذه الكلمات كافيةً للبعض، ولكنها قد لا تكون كافية للكثيرين في الكونغرس الأمريكي. فقد خلصت "وكالة المخابرات المركزية الأمريكية" إلى أن ولي العهد أمر على نحو شبه مؤكد بتصفية خاشقجي، وربما من المستغرب أنّ الأشخاص الذين كانوا عادةً ليشككوا بهذا الحكم الصادر عن وكالة المخابرات يصدقونه تماماً.
ومن الناحية الإيجابية، لا يزال الأمير محمد بن سلمان يستحق الثناء على استلامه زمام إدارة مؤسسات الدولة السعودية ووقف دعم المملكة للإسلام المتطرف أو على الأقل عدم اكتراثها الظاهر به. وثمة أيضاً عزمٌ على الخروج من روتين القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، وهو أمر تحدّث عنه وراء أبواب غير مغلقة بالكامل فيما يتعلق بالتعاون التكنولوجي الإسرائيلي -السعودي.
ومع ذلك، يجب موازنة هذه [الحسنات] بالمشاكل الأخرى التي لا يُعتبر مقتل خاشقجي سوى واحداً من عدة عناوينها البارزة. فالتقدّم الاجتماعي في المملكة يسير بالتوازي مع مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان، وأبرزها الاستمرار باحتجاز الناشطة في مجال الدفاع عن حق المرأة في قيادة السيارة لجين الهذلول التي تجرأت على نشر مغامراتها وهي تقود السيارة مباشرةً على موقع "تويتر" إلى حين إلقاء القبض عليها. ووفقاً لتصريحات عائلتها، لا تزال لجين محتجزة لأنها غير مستعدة لأن يتم تصويرها على مقطع فيديو تؤكّد فيه أنها لم تتعرض للتعذيب أو الإساءة (الاعتداء) في السجن.
ومن بين المعتقلين الآخرين المدوّن رائف بدوي الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات وبجلده 1000 جلدة بسبب "إساءته للإسلام"، علماً بأنه تلقّى حتى الآن 50 جلدة. وبما أن الحكم صدر ونُفّذ جزئياً في عهد الملك عبدالله، سلَف الملك سلمان، والد الأمير محمد بن سلمان، فقد يدفع ذلك البعض إلى التساؤل عن أفضل طريقة لإظهار التغيير في المملكة بدلاً من الإفراج عنه. لكن هذا المنطق لا يبدو نافعاً مع ولي العهد، الذي لا يمكنه بالتالي أن يكون صاحب الفضل حتى في وقف تنفيذ القسم المتعلق بالجلد من الحكم.
ووفقاً لوصفٍ لولي العهد السعودي ورد في مقال افتتاحي نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن الأمير محمد بن سلمان شخصٌ "عنيد". إنه ثابت العزم ولا يبدو ميّالاً لتغيير رأيه، ومن هنا تصميمه على المضي قدماً بالطرح العام الأولي لأسهم شركة النفط الحكومية "أرامكو السعودية"، حتى بعد انكشاف نقاط ضعفها في الهجوم الذي استهدف منشأة بقيق لمعالجة النفط في منتصف أيلول/سبتمبر، والذي اتُّهمت إيران بالوقوف وراءه. وإذن، هل سيكون قبوله المترفّع بتحمّل مسؤولية القيادة عن مقتل خاشقجي على يد نحو عشرة أشخاص من أصل "ثلاثة ملايين شخص يعملون لصالحي" [كما قال، أي لصالح الحكومة السعودية] جلّ ما سنحصل عليه كخاتمة لهذه القضية؟
في مقابلته مع شبكة "سي بي أس"، شدّد الأمير بن سلمان على التهديد الذي تطرحه إيران وقال عن الروابط الأمريكية-السعودية بأن "العلاقة أكبر بكثير من" جريمة قتل خاشقجي. ولربما يكون ولي العهد قد دخل عن غير قصد في طريق مسدود آخر. فالكونغرس والجمهور الأمريكي، وكذلك الرأي العام الدولي، لديهم شكوكٌ - في أفضل الأحوال - حيال السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه إيران، إن لم نقل إنهم ينتقدونها علناً. وحالياً يحاول الرئيس ترامب تجنّب مواجهة عسكرية حتى لو كان ذلك يعني الظهور بموقف ضعف أمام إيران.
وتتماشى قلة الاستبصار لدى محمد بن سلمان مع سرعة الأحداث غير المتوقعة التي تمرّ بها المملكة. فيوم السبت، اندلع حريقٌ خلال وقت الغداء في محطة قطار الحرمين السريع في جدّة الذي تم افتتاحه العام الماضي للربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبعد ساعات من اندلاعه ذكرت "وكالة الأنباء السعودية" الرسمية أنه "تمّت السيطرة" على الحريق. أما في الواقع فقد تعرّض المبنى الضخم لأضرار جسيمة. ولم يتم الإعلان بعد عن أي سبب لاندلاع الحريق، لذا فهناك احتمال في أن يكون ذلك عملاً تخريبياً نفذته إيران بهدف الإضرار بقدرة المملكة على ضمان سلامة الحجاج المسلمين ورعايتهم.
ووسط جميع المقالات المنشورة في الذكرى السنوية لمقتل خاشقجي والتفاصيل المرعبة للعملية عن تقطيع جثته إرباً، سيكون من المثير للاهتمام رؤية إلى أي مدى سيتردد قبول بن سلمان للمسؤولية عن جريمة القتل في هذه المقالات.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.
"ذي هيل"