"المقاومة" تصارع لإظهار التماسك في مسألة "انسحاب" القوات الأمريكية
حاول "الإطار التنسيقي الشيعي" سد الثغرات في موقف "المقاومة" العراقية إزاء اتفاق واشنطن. وتزامَن تخفيف اللهجة مع زيارة لبغداد قام بها مسؤول كبير في «حزب الله» اللبناني مما يبرز على الأرجح القلق الذي تشعر به إيران و«حزب الله» من الهوة الأولية العميقة في المواقف التي يتخذها تحالف "الفتح" ذو التوجه السياسي وموقف فصائل المقاومة الأكثر تطرفاً.
في 26 تموز/يوليو، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن القوات القتالية الأمريكية ستُنهي مهمتها في العراق بحلول نهاية كانون الأول/ديسمبر 2021. وتجلّى على الفور انقسام "المقاومة" إلى معسكرين. المعسكر الأول بقيادة «منظمة بدر» سارع إلى الاحتفال بالاتفاق، حيث أصدر تحالف "الفتح" السياسي - الذي تهيمن عليه «بدر» ولكنه يضم أيضاً "عصائب أهل الحق"- بياناً في 27 تموز/يوليو رحب فيه بالاتفاق على أنه "إنجازاً وطنياً". واعتبر البيان أن الاتفاق الثنائي هو "خطوة إيجابية نحو تحقيق السيادة الوطنية الكاملة" (الشكل 1).
أما المعسكر الثاني فشدد على استيائه العميق من نتائج المحادثات بين العراق والولايات المتحدة. ففي 23 تموز/يوليو، وحتى قبل بدء المحادثات، توقع أحد كبار قياديي "كتائب حزب الله"، أبو علي العسكري، أن تكون المحادثات بين الولايات المتحدة والعراق "مسرحية" و"خديعة" (الشكل 2).
وفي 28 تموز/يوليو، وصف الأمين العام لـ "كتائب سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، هذا الحوار بـ"المفاوضات الكارتونية" ووعد بمواصلة مهاجمة قوات التحالف في العراق (الشكل 3).
ولكن عندما اجتمعت "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" في 28 تموز/يوليو، تغيرت النبرة قليلاً. فقد اعتمد بيان "الهيئة التنسيقية" لغةً مبهمة وتضمّن بنداً يمكن تفسيره على أنه استراتيجية "انتظار وترقّب" عوضاً عن الرفض الفوري أو قرار التصعيد. ونصت المادة السادسة على ما يلي: "أن المقاومة ستبقى على جهوزيتها الكاملة لحين الانسحاب الحقيقيّ، وسيكون لها إجراؤها وموقفها الذي لن تتردد فيه إذا كان انسحاباً شكليّاً" (الشكل 4).
فما الذي حدث خلال هذين اليومين وأدى إلى تقارب مواقف المعسكرَين من بعضهما البعض؟ وفقاً لـ "المقاومة"، كان أحد عوامل هذا التقارب هو الحوار الداخلي الذي عقدته الكتل الشيعية ضمن "الإطار التنسيقي الشيعي"، وهو محفل نقاش يضم نحو تسعة أحزاب سياسية ذات غالبية شيعية (بما فيها «منظمة بدر» و«عصائب أهل الحق») الذي يجتمع مرتين كل شهر منذ بدء الاحتجاجات في العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وفي هذا السياق، صرّح أمين عام «كتائب حزب الله» قيس الخزعلي لقناة "العهد" في 28 تموز/يوليو:
"لا بد ان اشير الى تطور مهم حصل خلال هذه الفترة، فترة التفاوض… الجانب الحكومي العراقي مع الجانب الأمريكي. التطور الذي حصل هو التنسيق والتفاهم الجيد بين الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية وبين الإطار التنسيقي الشيعي… الاخوة في الإطار التنسيقي قاموا بجهود، نعتقدها جهود مخلصة وجهود حقيقية في الضغط على رئيس الوزراء لكي يتبنى المطالب الحقيقية. وهؤلاء الإخوة طلبوا منا هدنة موقتة لإتاحة الظروف المناسبة لإنجاح زيارة رئيس الوزراء… استجابة واحتراما للإخوة في الإطار التنسيقي تم ايقاف العمليات خلال فترة أيام محددة… اعتقد أن مجرد هذه العلاقة، هذا التطور في العلاقة بين الهيئة التنسيقية [للمقاومة] والإطار التنسيقي [الشيعي]، نحن نعتقد أن هذا التطور هو تطور ايجابي، تطور مهم…".
كما أشار بيان «كتائب حزب الله» في 29 تموز/يوليو إلى "الإطار التنسيقي"، حيث قدّمت «الكتائب» "الشكر والتقدير للإخوة في «الإطار التنسيقي» لثقتهم الكبيرة بفصائل المقاومة العراقية، وتحمّلهم الأعباء من أجل تقديم كل ما فيه خير للعراق وشعبه" (الشكل 5). وجاء في البند الأخير من بيان «الكتائب»: "نُثمّن ونقدر جهود الإخوة المُخلصين ضمن الوفد المفاوِض الذين أدّوا ما عليهم ولم يصيبوا ما كان مرجوّاً."
تجدر الإشارة إلى أن بيانات «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» تخدم عدداً من الأهداف. أولاً، أظهر كلاهما الاحترام لمستشار الأمن القومي العراقي وعضو «منظمة بدر» قاسم الأعرجي الذي سبق الكاظمي في السفر إلى واشنطن لصياغة عملية انسحاب القوات القتالية الأمريكية.
ثانياً، يبدو أن "الإطار التنسيقي الشيعي" حاول سد الثغرات في موقف "المقاومة" إزاء اتفاق واشنطن. وتزامَن تخفيف اللهجة مع زيارة لبغداد قام بها مسؤول كبير في «حزب الله» اللبناني محمد الكوثراني، مما يبرز على الأرجح القلق الذي تشعر به إيران و«حزب الله» اللبناني من الهوة الأولية العميقة في المواقف التي يتخذها تحالف "الفتح" ذو التوجه السياسي من جهة وموقف فصائل المقاومة الأكثر تطرفاً من جهة أخرى.
ومع ذلك، لم يكن من السهل رأب الصدع، وسرعان ما بدأت «عصائب أهل الحق» بانتقاد الاتفاق. ففي 30 تموز/يوليو، أصدرت جماعة «أصحاب الكهف»، وهي واجهة لـ «عصائب أهل الحق»، بياناً هاجمت فيه بشراسة أولئك الذين "يزعمون علناً أنهم [جزء من] المقاومة ولكنهم في السر يجتمعون مع الأمريكيين ..." (الشكل 6). يبدو أن هذا انتقاد لشخصيات «منظمة بدر» مثل هادي العامري وقاسم الأعرجي، حيث يأمل قيس الخزعلي من «عصائب أهل الحق» أن يتفوق عليهما كالقوة الرائدة داخل تحالف "الفتح" في الانتخابات المقبلة.
وقد يميل هؤلاء القادة من «منظمة بدر» إلى تبنّي مواقف أكثر تطرفاً مع اقتراب الانتخابات وحيث تحاول «عصائب أهل الحق» "إخراجَهم من المقاومة". وسيكون من المثير للاهتمام أيضاً معرفة ما إذا كانت الفصائل الأقرب إلى «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» - مثل «كتائب حزب الله» و«حركة حزب الله النجباء» و «كتائب سيد الشهداء» - تستطيع الحفاظ على انضباط الرسائل وعلى لهجةٍ مخيبة للآمال بل داعمة بشكل أساسي.