المقاومة تُظهِر انضباطاً في توجيه الرسائل أثناء الاشتباكات مع الصدريين
كان الاتجاه المركزي واضحاً في صرامة ضبط الرسائل التي وجّهتها الوسائل الإعلامية التابعة للمقاومة، وفي جهودها التي نجحت على ما يبدو في الادعاء بالتحلي بالأخلاق النبيلة.
ربما كان من المتوقع أن يُشعِل الاقتتال بين الشيعة الذي اندلع في بغداد وجنوب العراق في 29 و 30 آب/أغسطس حرباً كلامية موازية عبر الإنترنت. وفي الواقع، حدث عكس ذلك، حيث يُظهر تحليل حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لـ "الإطار التنسيقي الشيعي" وميليشيات المقاومة الأخرى غير المنتمية إلى "الإطار" أن الميليشيات والجماعات المدعومة من إيران تصرفت بهدوء وتماسُك في مواجهة تصعيد أنصار الصدر.
وامتنعت قناة "صابرين نيوز"، التي هي القناة الرئيسية للمقاومة على مواقع التواصل الاجتماعي، عن أي سلوك استفزازي. وفي حين وصفت بعض الحسابات الهامشية للمقاومة على مواقع التواصل الاجتماعي ميليشيا "سرايا السلام" التي تسير في فلك الصدر بـ "الإرهابية" (الشكل 1)، إلّا أن "صابرين" استخدمت مصطلح "تنظيم" لوصفها (الشكل 2). وهذا بالرغم من أن القناة كانت في الماضي استفزازية للغاية عندما تعاملت مع جماعات أخرى مثل التشرينيين. والأهم من ذلك أن "صابرين" وباقي قنوات المقاومة و"الإطار التنسيقي" لم تدعُ أنصارها إلى حمل السلاح أو حتى النزول إلى الشوارع.
وكانت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لـ"كتائب حزب الله" قد حرصت بشكل خاص على عدم الاستفزاز. وقبل يوم واحد فقط من اندلاع الاشتباكات في "المنطقة الخضراء" ("المنطقة الدولية")، دعا المسؤول الأمني المزعوم في «كتائب حزب الله»، أبو علي العسكري، إلى "الابتعاد عن التصعيد احتراماً لقدسية أيام الأربعين (الذكرى الدينية الشيعية الرئيسية التي بدأ الشيعة العراقيون الاستعداد لها)". وحافظت "الوحدة 10000" من «كتائب حزب الله»، التي هددت ضباط "قوات الأمن العراقية" في الماضي، على الهدوء في تغطيتها للأحداث.
واتبعت حسابات "ائتلاف دولة القانون" على وسائل التواصل الاجتماعي، المرتبطة بالمستشار السياسي للمقاومة نوري المالكي، الصيغة نفسها. وكان حساب "نودّها دولة" التابع لهذا الائتلاف استفزازياً للغاية في الأسابيع الأخيرة، لكنه اختار التزام الصمت التام أثناء الاشتباكات، وامتنع عن نشر أي رسالة عند نشوب القتال في "المنطقة الخضراء". واستخدمت قنوات أخرى تابعة لـ "ائتلاف دولة القانون" مصطلحات مهينة لوصف الصدريين، لكن حتى هذه القنوات لم تطالب متابعيها بالنزول إلى الشوارع.
ويشير هذا السلوك المنضبط نوعاً ما الذي اتضح على وسائل التواصل الاجتماعي إلى صدور قرار مركزي من القيادة العليا لمحاولة احتواء الأزمة، وإظهار نُبل الأخلاق. ومن المثير للاهتمام أن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» تصرفت أيضاً بطريقة منضبطة. ففي بداية الاشتباكات، وصفت بعض هذه القنوات الصدريين بتعبير "اغتشاشگر" أو المثيرين للاضطراب (الشكل 3)، وهو مصطلح يستخدمه النظام الإيراني كثيراً لوصف المتظاهرين المناهضين للنظام في إيران. ولكن في وقتٍ لاحقٍ، توقفت هذه الجهة الناطقة باسم «الحرس الثوري» الإيراني عن استخدام هذا المصطلح، ووصفت الصدريين بـ"أنصار التيار الصدري" (الشكل 4).
وهذا ليس سوى أحدث دليل على أن المقاومة اليوم تُظهر انتهاج نزعة أكثر ليونة من النزعة المتصلبة التي جسّدتها في السياسة العراقية بين عامَي 2019 و 2020. وقد يرى البعض أن هذه الخطوة ترتبط بتغيير التوجيه الخارجي بين حقبتَيْ قاسم سليماني وإسماعيل قاآني اليوم، بينما يرى البعض الآخر أنها ترتبط بصورة أكثر بموقف عدم التدخل من قبل الإيرانيين. وقد تشمل الدوافع المحلية صعود شخصية هادي العامري مقابل قادة أكثر عدوانية من «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله». وكما يبدو، أن المركزية المتزايدة في العمليات الإعلامية لدى المقاومة تتجلى في هذا الأداء.